لفتت انتباهي بعينيها غير المستقرتين علي شيء أثناء بحثي عمن ابدأ لقائي بها بين أكثر من86 سجينة أتيح لنا لقاؤهن اثناء توقيت الزيارة. كنت أخشي مشاركة وقتها المتاح مع ابنتها التي كانت تبثها همسات كل دقيقة تقريبا وتعاود ضمها في مشهد حي للأمومة وتدفق المشاعر الحبيسة بين قلبين التقيا بعد بعاد بدا زمنه واضحا علي انفعالات الصغيرة التي كانت تطالع الهدايا التي وفرتها ادارة السجن لكل الأطفال وحرصت علي تنوعها لإرضاء كل الأذواق. توحدت نظرتنا.. لاحظت ما اعتري عينيها من سواد يحتار العقل في وصفه وتبريره وتقديره.. أهو أحزان أم خلقة تميزت بها نظراتها.. رفضت أم منة الحديث وقالت.. الحمد لله علي كل حال.. رميت سهامي من جديد فلم تتضجر.. سحبت شهيقا طويلا وقالت: إنت عايز تعرف إيه.. كفاية اللي أنا عايشاه جوه نفسي اوعي تفكرني جاهلة.. ولا مش متعلمة.. أنا عقلي يوزن بلد وانتهزت الفرصة لأحثها علي الحديث.. وقلت فعلا يوزن بلد.. بدليل أنك جت معاك أوت وأنا قدامك دلوقتي هنا.. وحانت مني التفاتة إلي ابنتها فضمتها إلي صدرها في لهفة مسرعة وبلهجة بها كثير من الزجر تجاهي.. قالت في خشونة غريبة.. بنتي أحسن حاجة في الدنيا وأجمل حاجة بتمناها دلوقتي.. وقبلت رأسها في حنان عجيب.. وقالت في سرعة عايز تسمع ايه!. أنا حكايتي طويلة.. وعادت تقبل رأس بنتها وصوتها في أذن الصغيرة كمن يتلو تعويذة.. هانت يا ابنتي.. وإن شاء الله ربنا يقدرني وأعوضك.. ولم تنتظر أي اسئلة أخري مني وانطلقت اعترافاتها.. في سرعة وايجاز كمن طال احتباس السر وكثير من الأنات في صدره. قالت أم منة.. يا أستاذ أنا لا أنسي شقائي وأتذكر مآسي حياتي ودنيتي كل لحظة وفي اليوم أكثر من مائة مرة.. تعرف إن ربنا ساقك لي.. وتجمعت دموع ثقيلة في زرقة العينين الحزينتين.. إنت ممكن تسمعني بجد يا أستاذ.. أنا جواي كثير وأنا بنت ناس وعيلة وكل جريمتي أني دافعت عن لقمة عيشي.. ونظرت خلف كتفي كأنها لا تراني واستمرت زفراتها.. بوسعك تقليل الكلام والإكثار من الأكل.. وهناك من يسعد بذلك وأنا أتمني اعطاء طعامي وزادي لأي انسان مقابل أن يقبل بسماعي.. لم أكن أتخيل أن ينتهي مطافي بين جدران وأسوار سجن وبين نساء إعدامهن قليل علي شرورهن وما ارتكبنه من جرائم لا يفكر فيها الشيطان. وتعرف إن فيه هنا من قطعت زوجها زي الفراخ!!.. والصحافة ما تعرفش عنها حاجة!!.. طب دي والنبي.. جاي محامي يدافع عنها ليه.. لو القتيل أخوه كان يقبل! كنت متعودة أبص للأرض وأنا ماشيه, علي طول النهارده أتمني أنزل جوه الأرض وأنا ماشيه مع أني لم أصور قتيلا. وبدأت رواية اعترافها. كانت دائرة الثأر تخطف كل أخضر وأصفر أيضا في عائلتنا كانت كل الاسئلة تدور في رأسي عن كل شيء ولا أجد مايشفيني من إجابات, كنت أسمع أنه لا أحد يموت من الجوع وكانت تنتابني وأنا صغيرة كوابيس موتي من غير طعام ولا ماء إلا قطعة خبز عفنة.. باقية علي الارض تركتها الفئران من قبل. كانت قطعة الخبز تظهر لي في أحلامي سنوات طويلة حتي بعد أن أصبحت عروسة. لم يكن هناك أي شيء ذي أهمية يعرفه الناس عني.. أبي رجل بسيط وغير قاسي وأمي الحنان كله. لم يكن يسعدني إلا سقوط المطر علي حبات المياه والرذاذ والبلل علي كتفي, كان مصدر طاقتي وحيويتي.. وحتي الآن لو نزل المطر سأتركك وأقف تحته بعد أن أغطي رأسي ابنتي.. وصدرت منها شهقة قوية ولم أخش لسعة نار التار.. فبلدنا بين الأقصر وقنا لكن أصلا أصولنا صعيدية ونعرف الأصول. حصلت ظروف أجبرتني علي الزواج من شخص اعتقدت انه حيطة أتستند عليها.. علي فكرة الظروف.. بهدلة المعيشة مش حاجة مشينة وأحمد ربنا علي نعمة الأخلاق. ومسحت أم منة وجه الصغيرة وبللت بريقها ولسانها أصبعها وبدت كمن تخطط حاجبي الصغيرة وعلت وجهها ابتسامة رضا والصغيرة تتملص منها.. وقالت للصغيرة مداعبة انت ديك رومي عايز الدبح وضحكت الصغيرة وفوجئت بدموع تتجمع في سرعة في عيني أمها وتركتهما ينسحبان في سرعة علي وجنتيها..وقالت لي.. أنا أسفة عذبتك معايا.. أنا حالي اتدهور مع جوزي اللي كان خياره معي القدوم إلي حي السيدة زينب أيوه قلنا ننزل مصر نعيش بعيد عن كل المشاكل وربنا يكرمنا.. نشتغل ونفتح بيت نزلنا مصر واخترنا حي السيدة زينب كنت برتاح لما أجي في زيارات للمولد مع أهلي.. كنت أضع رأسي علي المقام وأبكي وأنا صغيرة وأطلب ان ربنا يشفي أمي وكانت تخف بسرعة, قلت.. ده الحي اللي أعرفه ولم أكن أتصور أن يتم اضطهادي يه.. بعد فترة ثرت علي جبروت زوجي وقلت له أنا مش عبدة أو جارية.. وربنا كرم البني آدميين. المهم.. تم الطلاق.. ومعي البنت صغيرة وفجأة لقيت نفسي وحدي من دون أي معين غير ربنا.. بكيت كثير جدا وبقيت أسمع صدي بكاي وبنتي بكت علي دموعي.. وقلت يارب ماليش غيرك ولم أفكر أتصل بأهلي من جديد خفت حد يتشفي في.. الناس اللي ساكنة عندهم وصفولي مستشفي أبو الريش لما بنتي مرضت أخذت021 جنيه واتجهت إلي المستشفي جارتنا راحت معايا واحنا راجعين.. وقفت أمام الباركنج ناحصية قصر العيني وبسرعة اتفقت مع جارتي تسأل علي شغل وأتوست بائعة شاي وقالت لي اني وحيدة ومطلقة. اشتغلت وتركت بنتي ساعات النهار عند الجارة وعدت الأيام وبدأ الرزق والكرم من أيادي أصحاب السيارات ولكن بدأ معاكسات رجال الشرطة بتوع قسم السيدة في واحد تبعهم عايز يشتغل معايا.. أنا لا أملك المكان أنا استرزق رفضت ولم أملك المقاومة رضخت في النهاية.. إلا أنه بعد فترة كان يرسم اني اترك المكان بأكمله. لا أطيل عليك تم تهديدي.. في النهاية انتهي المطاف: أنا سجينة بتهمة مقاومة سلطات وبلطجة والعقوبة سنتان.. بقي لي6 أشهر وأخرج عايزة أقولك لا أعرف دموعي دي لاني مدانة ولا مظلومة.. ساعات بقول انه اختبار ويعدي لكن تخيل ان بنتي تعيش الآن في احدي دور الرعاية وأراها3 مرات في الشهر ولايزورني أحد وكل ما أختلي بنفس أسكت دموعي وأتخيل.. علشان أغير مزاجي.. رذاذ المطر علي رأسي وأفتكر فرحة وبهجة المطر..