أبناء وادي النيل, من المنبع إلي المصب, شعب واحد, وما بينه من مشاكل عالقة يحل بالدبلوماسية, وفق مبدأ عدم الإضرار بالآخر, ومن هذا المنطلق جاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي أديس أبابا, وعقده قمة ثلاثية مع الرئيس السوداني عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي ماريام ديسالين, والتي أسفرت عن توقيع اتفاق إعلان المبادئ بشأن سد النهضة الإثيوبي. وقد حظي الرئيس باستقبال حافل في إثيوبيا, وكان من حسن الطالع أن انهمرت الأمطار وهو ما اعتبره ديسالين بشرة خير, وداعب الرئيس المصري معربا عن تفاؤله وتفاؤل الشعب الإثيوبي بالزيارة, والتي تعد أول زيارة رسمية لرئيس مصري منذ30 عاما, وقد وجه الرئيس السيسي كلمة مرتجلة لشعوب الدول الثلاث بين فيها أن سد النهضة يعتبر مصدرا للتنمية في إثيوبيا, ولكنه في الوقت نفسه مصدر قلق وتوتر للمصريين, لأن نهر النيل هو حياتهم, مؤكدا أنه لا بد من التعاون القائم علي تفهم مصلحة الآخر, وانطلاقا من قواعد القانون الدولي, وهو المبدأ الأول من المبادئ العشر التي احتوتها الوثيقة. ونتيجة لهذه الزيارة الناجحة بكل المقاييس تعهد رئيس وزراء إثيوبيا بألا يلحق سد النهضة ضررا بدولة المصب, وهي مصر, مؤكدا أن السد سيقف شاهدا علي التزام الإثيوبيين بحماية مصالح مصر ودول حوض النيل ويمهد الطريق لبناء الثقة ويضع الأساس القوي للتعاون المشترك, والمؤكد, كما صرح الرئيس, أن هذه الوثيقة هي مجرد بداية, وإطار عام, أما الاتفاقيات التفصيلية, فستأخذ وقتها في البحث والدراسة وفق هذه المبادئ العامة. وتعتبر الزيارة لبنة الأساس في بناء الثقة بين شعب وادي النيل في الدول الثلاث الممتدة علي الحوض الشرقي, وهي خطوة تعكس مبادرة الرئيس المصري, وقوة الدبلوماسية المصرية, ورغبة المصريين في العودة إلي إفريقيا, إلي حيث تنتمي مصر, لتتبوأ مكانتها الحقيقية باعتبارها قاطرة التنمية والتحرر والتقدم في القارة السمراء. *** بدأت اليوم القمة العربية السادسة والعشرين أعمالها في مدينة السلام شرم الشيخ, بحضور ملوك ورؤساء وزعماء الدول العربية, ولا شك أن هذه القمة تأتي في ظروف عصيبة تمر علي البلاد العربية من الخليج إلي المحيط, حيث المخاطر الأمنية والتحديات غير المسبوقة علي الهوية العربية, وعلي الدول العربية ككيانات متماسكة مهددة بالتقسيم بفعل الإرهاب الجاثم علي صدرها, والمدعوم من قوي إقليمية ودولية, تنفذ مخططا يهدف غلي إعادة هندسة دول المنطقة, وإنشاء كيان بديل يتمثل في مفهوم الشرق الأوسط الجديد, تكون فيه الغلبة لقوي غير عربية علي رأسها إسرائيل ودول محور الشر. وأمام القمة العربية تحديات تتمثل في ضرورة تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك, بتأسيس جيش عربي قوي موحد, لمواجهة الإرهاب المتمثل في قوي الإسلام الراديكالي, وعلي رأسها تنظيم داعش وجماعة الإخوان الإرهابية, وأتمني أن تعود قطر إلي الجماعة العربية, وتثوب إلي رشدها, وتتوقف عن تمويل الإرهابيين, وفتح قنواتها الفضائية لهم, حرصا علي مصالح ومستقبل الدول العربية, وحفاظا علي العلاقات العربية المتأزمة, فمصر هي الشقيقة الكبري, والجيش المصري هو جيش كل العرب, ومحاولة إضعافه أو تفكيكه إنما تصب في صالح الأعداء, وهي محاولة لن يكتب لها النجاح بإذن الله. وتحمل القمة العربية رسالة لتركيا, حيث لم توجه لها الدعوة للحضور, وهي التي كانت تحضر بعد أن حصلت علي صفة مراقب بالجامعة العربية في نهاية العام2003, مع دعوات داخل أروقة الجامعة لغلق وإنهاء بعثتها في أنقرة, وهو ما يعني أن سياسة تركيا في دعم الإرهاب غير مقبولة لدي جموع الدول العربية, وتحيا مصر.