لست مع الذين يقولون إن المؤتمرالاقتصادى الذى شهدته شرم الشيخ يوم الجمعة الماضية وعلى مدى ثلاثة أيام نجح قبل أن يبدأ، فهذا من قبيل المبالغة والاستسهال والهزل فى موطن الجد والتنويم المغناطيسى، لأن كل الشواهد تؤكد أن المؤتمر الذى شاركت فى فعالياته 90 دولة و25 منظمة دولية وعربية وتعهدت فيه دول الخليج باستثمار 12.5مليار دولار فى مصر، ليس سوى بداية للسيرعلى طريق طويلة ومضنية لإصلاح وعلاج تشوهات الاقتصاد التى ابتلى بها لسنوات، وتمثلت فى تراجع الجنيه أمام الدولار وارتفاع معدلات التضخم وتفاقم البطالة وانخفاض النمو الاقتصادى وهو ما كان يتطلب تحركا عاجلا. وحسنا فعلت مصر والرئيس السيسى بتلقف فكرة المؤتمر التى أطلقها العاهل السعودى الراحل عبدالله بن عبدالعزيز الذى وقف وقفة مخلصة وشجاعة مع مصر الجديدة عقب ثورة 30يونيو، وكانت لوقفته أكبر الأثر فى قهر العديد من الصعاب والمطبات والعراقيل والمؤامرات التى استهدفت تركيع مصر، عبر تنفيذ خطة ممنهجة لتخريب مرافق الدولة من جامعات وأبراج كهرباء، وأتوبيسات، ومحطات مياه، ناهيك عن استهداف رجال الجيش والشرطة، من أجل نشر الفوضى. وإذا كانت التحية واجبة لكل من شارك فى إنجاح هذا العرس الاقتصادى، فإن أول من يستحق التحية هو العاهل السعودى الراحل، إذ يعد انعقاد المؤتمر ثمرة لفكره الثاقب وتتويج لحبه الصادق لمصر، و أثبت أن أصحاب الهمم العالية والنفوس الكبيرة يظلون بيننا حتى لو رحلوا بأجسادهم، ويعد المؤتمرأيضا فى جزء منه ردا عمليا على جنرالات المقاهى الذين هللوا وروجوا - بعد رحيل العاهل السعودى - لوجود فتور فى العلاقات المصرية السعودية، بل إنهم شككوا فى التئام المؤتمر فإذا به ينطلق فى موعده، ويشهد حضورا كثيفا فاق توقعات الجميع، وشكل الحضور الخليجى صفعة قوية على جبين كل من روج لانفضاض دول الخليج من حول القاهرة بعد انهيار أسعار البترول فى البورصات العالمية، ونسوا أو تناسوا أن الروابط الإستراتيجية بين الشقيقة الكبرى وشقيقاتها الخليجيات أقوى من تخرصات المحللين وهطل المرجفين. إن جمعة شرم الشيخ، وبحق جاء ت فى صورة تليق بمصر. المكان والمكانة، فلم يخذل الأصدقاء العرب والأجانب القاهرة ولبى 2000 مسئول ورجل أعمال ومستثمر دعوتها هؤلاء الذين أتوا من كل حدب وصوب يجمعهم التطلع إلى المستقبل والتعاون واستثمار أموالهم فى مشروعات تعود بالخير والنفع على الجميع هؤلاء يستحقون من الحكومة المصرية ما هو أكثر من الترحيب وحفاوة الاستقبال، يستحقون أن تثبت الحكومة المصرية جدارتها بأن تكون قبلة المستثمرين، وملتقى لرجال الأعمال الجادين، وألا تبخل عليهم بتذليل كل الصعاب. ولست أشك لحظة أن الحكومة ستتأخرعن المتابعة الدءوبة مع الضيوف الذين يحملون الخير لمصر والمصريين، لأن تشجيع الاستثمار أكبر من إصدار قوانين، وعقد مؤتمرات ، لكنه عمل مضن وشاق علينا أن نتعهده بالرعاية والجهد حتى يؤتى المؤتمر أكله ودعونا من حكاية نجاحه قبل أن يبدأ. والانصاف يقتضى أن نتوجه بتحية إكبار وتقدير لرجال القوات المسلحة ورجال الشرطة الشرفاء الذين يضحون بأرواحهم كى تحيا مصر وشعبها، فمن المؤكد أن جهودا جبارة بذلت وتبذل من أجل تأمين ضيوف مصر، والحيلولة دون نجاح عبث العابثين وكيد الكائدين، عبر التفجيرات العشوائية، والعمليات الانتحارية، ظنا منهم أنهم قادرون على إفشال المؤتمر وتخويف المستثمرين، فماذا عساهم قائلون بعدما مرت جمعة المؤتمر دون أن نسمع صوتا سوى قنابل الحب والعشق لمصر وشعبها تدوى فى جنبات شرم الشيخ لتثبت مصر للجميع أنها تستطيع عندما تريد. ثم أليس الحضور المكثف يحمل مغزى سياسى عميق مفاده أن عواصم العالم تساند إرادة المصريين، وترغب فى مساندتهم على استعادة كامل عافيتهم السياسية والاقتصادية.