الصدق من الاخلاق التي دعت إليها جميع الاديان السماوية وعلي رأسها الإسلام وكان صلوات الله عليه وسلامة يلقب قبل بعثته بالصادق الأمين, فكان الصدق من الاخلاق التي رغب فيها الإسلام في أحاديث كثيرة, كما حذر في الوقت نفسه من الكذب مؤكدا أن الصدق منجاة لدرجة أن بعض العلماء قدمه علي الايمان, والبعض الآخر اعتبر أن الصدق والايمان متلازمان حول حقيقة الصدق وأهميته في الاسلام وثوابه في الدنيا والاخرة يقول الدكتور عادل المراغي إمام مسجد النور بالعباسية إن حقيقة الصدق ألايخالف ظاهرة باطنه, ولذلك عد الكذب أمارة من أمارات النفاق. وأنواع الصدق ثلاثة الصدق مع الله, الصدق مع النفس, والصدق مع الناس, فأما الصدق مع الله هو ألا يفتقده حيث أمره, والصدق مع النفس أن يطابق الظاهر الباطن, والصدق مع الناس فيقتضي التخلق بأخلاق الله لقوله تعالي ومن اصدق من الله قيلا وقول ايضا حديثا فالصدق من صفات الله ولذلك كانت حقيقة أن يكون ظاهره كباطنه. ويري المراغي أن الصدق أسبق من الايمان لأن الايمان لايتأتي إلا اذا صدق العبد مع ربه, وإذا صدق العبد فيما بينه وبين قلبه أطلعه الله اي هذا القلب علي ملكوته وصار في عالم الشهود ومن ثم فإن الصدق يؤدي إلي التعرف علي الله لذلك هو أسبق من الايمان بل إن الصدق داع من دواعي الايمان, وأن ثوابه في الدنيا هو ثقة الناس وكان من عادة العرب في الجاهلية ألا يعرف أحدهم بكذب قط ويعد الكذب وصمة عار وقد ذكرت كتب السير أن أبا سفيان عندما دخل علي هرقل وسأله عن صفات النبي صلي الله عليه وسلم فأجابه بصدق ثم قال أبو سفيات لولا أن العرب تأخذ علي هذا الكذب لكذبت عليه وقد وصفه صلي الله عليه وسلم بالصادق الامين وكسب النبي صلي الله عليه وسلم ثقة القوم, وتربع علي عروش قلوبهم بصدق وأمانة وقد وصف الله انبياءه بهذه الصفات ومنهم إسماعيل عليه السلام قال تعالي واذكر في الكتاب إسماعيل أنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وتتلخص فوائد الصدق في الاخرة بأنه سفينة البر التي تقود الإنسان الي الجنة لقوله صلي الله عليه وسلم عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلي البر وأن البر يهدي الي الجنة ويكفي الصادقين أنهم أهله وخيرة خلقه لقوله تعالي يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ويري الدكتور محمد الطيب خضري عميد كلية الدراسات الاسلامية بجامعة الازهر السابق أن الصدق مقدم علي الايمان لما ورد أن النبي صلي الله عليه وسلم عندما سئل أيكون المؤمن بخيلا؟ فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن جبانا؟ فقال نعم فقيل أيكون المؤمن كذابا؟ قال لا لايجتمع كذب وإيمان في قلب رجل واحد. ومن الثابت تاريخيا أن الصدق صفة لازمة للأبناء قبل بعثتهم, وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يوصف الصادق الامين قبل نبوته وحينما يذكر نبي الله يوسف عليه السلام يقال إنه يوسف الصديق لكنا اصحبنا نري كثيرا ممن يدعون الايمان كذبا فجعل الكذب منهجا لهم وأصبحوا يبررون الكذب ويقولون إنه قضية مخالفين منهج الله ورسوله صلي الله عليه وسلم بل إن قدرا كثيرا من هؤلاء ممن يدعون الايمان نجد في أقوالهم أو أفعالهم أو أشكالهم كذبا ممنهجا فتري الواحد منهم لايكون صادقا لا في أفعاله ولا أقواله فيضعون علي وجوههم أكنة يدارون بها ملامحهم عندما يرتكبون معاصيهم من قتل وتخريب أو حرق أو تدمير والسؤال هنا لماذا يخفون وجههم إذا كان مايقومون به إبتغاء وجه الله؟ إلا أن هذا أكبر دليل علي فعلهم القبيح ابتغاء وجه الناس فمثل هؤلاء الكذابين جعلوا الدنيا غاية لهم كذبا باسم الدين فأصبح الكذب لهم منهاجا وسلوكا في كل شئ الاقوال والافعال والغريب أن أتباعهم لايلتفتون إلي ذلك, والحق أنه ليس في ذلك غرابة لأنه قد عميت قلوبهم كما عميت قلوب أئمتهم, وهذا ليس بمستغرب علي اناس جعلوا الاسلام صورة بعيدة عن مضمون الدين الحقيقي كذبا وافتراء ويؤكد الدكتور محمد مطاوع إمام بوزارة الاوقاف أن الصدق والايمان قرينان فلا ايمان بلا تصديق ولاتصديق بلا ايمان, وان الايمان قائم علي الصدق لأن المؤمن يصدق بما جاء من عند الله وبالوحي لقوله تعالي هو الذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ولذلك يكون الصدق في الاقوال والافعال والاحوال فيكون الصدق في الافعال أو الاقوال بمطابقة القول للفعل, وفي الاحوال أن يكون ظاهر العبد كباطنه, فيكون الاخلاص في القول والعمل والاعتقاد ولما كان الصدق داخلا في القول والفعل والاحوال فقد أمر الله المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين لقوله تعالي يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين لأن الصدق طريق النجاة لقوله صلي الله عليه وسلم تحروا الصدق فإن فيه النجاة ولو رأيتم فيه الهلكة والصدق طريق الطمأنينة لما ورد عن الحسن بن علي رضي الله عنهما حفظت عن رسول الله صلي اله عليه وسلم دع ما يريبك إلي مالا يريبك لأن الصدق طمأنينة والكذب ريبة كما أن الصدق طريق لبر لقول صلي الله عليه وسلم أن الصدق يهدي إلي البر وأن البر يهدي للجنة ولايزال الرجل يصدق ويتحر الصدق حتي يكتب عند الله صديقا وإن الكذب يهدي للفجور وإن الفجور يهدي إلي النار ولايزال الرجل يكذب ويتحر الكذب حتي يكتب عند الله كذابا. والصدق أيضا طريق لأداء الحقوق والكذب يضيعها ويري أن أسباب ودوافع الكذب ان الكذب لرفع الضرر أو لجلب منفعة بأن يظن أنه يجلب المال لنفسه كما يحرم منه غيره أو يشهد الزور دفعا للعقوبة عن نفسه كالسارق والقاتل حتي يدفع عن نفسه القصاص وهذا ما أشار اليه صلي الله عليه وسلم في قول: أنما أنا بشر وأنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون الحسن في محبته فأحسب أنه صادق فمن قضيت له بحق مسلم فإن هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها أو يكون الكذب من باب ان يظن نفسه ظريف الحديث عذب الكلام مؤثرا في الناس فيستعذب الكذب حتي يكون عادة له وربما انتقل الكذب بالكذب إلي مرحلة تبلغ حد ادمان الكذب فيكون مدمنا للكذب في القول والفعل وقيل لبعض الكذابين: أصدقت مرة في حياتك؟ فاجاب: أخاف أن أقول لا فأكون قد صدقت, وربما يصل الكذب بالانسان إلي مرحلة التصديق فيكذب ويصدق نفسه وهذا من أضرار الكذب. بالاضافة الي أن مايدفع للكذب هو التشفي من العدو والشماتة به ليشفي غليل قلبه وهو في الحقيقة يزيده مرضا علي مرضه فيكذب علي عدوه ويصفه باقبح الصفات وذلك حتي يسئ ظن الناس به ويشوه صورته وسمعته كما أن حب الزعامة أيضا قد يدفع للكذب والافتراءات علي الناس في سبيل خدمة نفسه, ويشير مطاوع إلي أن العلاج الوحيد للكذب هو أن يعلن الانسان ان الذي ينفع ويضر ويعطي ويمنع ويغني ويفقر هو الله فيعتمد علي صدق العقيدة فضلا عن الابتعاد عن الشماتة بالغير لأن الايام دول وعليه أن يتعامل مع الناس بالصدق وحسن الخلق وأداء الامانة لقوله تعالي يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولايجرمنكم شنآت قوم علي ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوي ومن هنا كان جزاء الصادقين في الاخرة بأن لهم قدم صدق ومقعد صدق لقوله تعالي بشر الذين امنوا أن لهم قدم صدق وقوله ايضا إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر