تعبت وسائل الإعلام في وصف قمة الخرطوم الأخيرة التي ضمت الرئيس المصري والرئيس السوداني والرئيس الليبي ورئيس حكومة جنوب السودان والرئيس الموريتاني. البعض وصفها بالقمة الثلاثية بحضور رئيس حكومة الجنوب سلفا كير, وذلك باعتبار أن مصر وليبيا والسودان دول فاعلة في الملف السوداني. والبعض الآخر رأي أنها قمة رباعية تشارك فيها دول مصر والسودان وليبيا وموريتانيا.بينما وصفتها وسائل إعلام ثالثة بأنها قمة خماسية تجمع بين رؤساء5 دول, بينها دولة جنوب السودان ممثلة برئيسها المستقبلي. كان من المهم حضور رئيسي تشاد وأثيوبيا. أو علي الأقل عقد قمة لاحقة بحضورهما, لأن هذا الشكل تحديدا قد يلعب دورا في عملية استقرار الدولتين الجديدتين اللتين ستظهران بعد استفتاء9 يناير الذي سيعد سابقة تاريخية في قارة أفريقيا. ومن الممكن أن تعقبه استفتاءات مشابهة, سواء في السودان بشأن دار فور أو في العراق الذي بدأ يتحرك في هذا الاتجاه بشأن بعض أقاليمه. علي الجانب الآخر, تسير التحركات الدولية في طريقها عبر نادي مبعوثي رؤساء الدول الكبري, وكأن هناك دولتين في واقع الأمر. ولا يخفي علي أحد أن الدور المصري في السودان هو الأكبر والأهم والأكثر تأثيرا ونفوذا مهما تحدث ساسة ووسائل إعلام عن غياب الدور المصري. ولأن هذا الدور هو الأهم فمن المفترض أن يكون متعدد الاتجاهات والمجالات, ولا يقتصر علي دور أمني ما, أو اقتصادي هش. خاصة وأن الرئيس السوداني عمر البشير ألقي بقنبلة رأها البعض تهديدا, وفسرها البعض الآخر بالوعيد. فقد أكد البشير أن انفصال الجنوب سوف يساعد الشمال علي إقامة دولة إسلامية. وبالتالي يمكن أن نتصور حال الدولة الجديدة في الجنوب وهي ستكون دولة مسيحية تؤكد اختلافها العرقي والثقافي والتاريخي ولنتصور معا شكل العلاقة استنادا للدماء التي أريقت والخلافات علي منطقة أبيي والنزاعات بين القبائل في الجنوب وخلافات المعارضة مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم. قبل القمة الخماسية في الخرطوم, التقيت المبعوث الخاص للرئيس الروسي ميخائيل مارجيلوف في العاصمة السودانية. وحاولت الاستفسار منه عن علاقة الدول الكبري ببعضها البعض بشأن الملف السوداني. قال مارجيلوف إن قضية السودان تعد موضوعا نادرا لايثير جدالا في معظم الأحيان عند الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن, حيث نمثل هنا جبهة موحدة. فخلال العامين الماضيين يجري تنسيق دائم بين خمسة ممثلين خاصين للسودان, ونعمل كفريق واحد ونتعاون مع الممثل الدائم لدي الاتحاد الأوروبي, ونحن علي اتصال دائم مع الوسطاء الدوليين والأمم المتحدة والقطريين الذين يعملون علي تسوية النزاع في دار فور. وأستطيع أن أقول إن هذا الفريق يعمل بدون خلافات. وأوضح مارجيلوف, في حديثنا الخاص, أن أهم مافهمه من لقائه مع الرئيس البشير أنه سياسي مسئول وواثق من نفسه يعلم علم اليقين كيف يقود السودان قبل الاستفتاء وكيف يقود السودان بعده..وترك انطباعا بأنه شخص واثق للغاية في صحة رأيه..وناقشنا معا قضايا العلاقات الثنائية. كما دعا الرئيس السوداني الشركات الروسية إلي الولوج في البيزنس السوداني لتنمية الموارد السودانية الطبيعية بما في ذلك مجال النفط..وأكد مارجيلوف أن الرئيس السوداني مستعد للاعتراف بنتائج الاستفتاء أيا كانت.. إذ أن فكرة الاعتراف بأي نتائج للاستفتاء موجودة ليس في كلمات الرئيس البشير فقط بل وفي خطاب وزير الخارجية ووزير الأمن والبرلمانيين..من البديهي أن السلطات حصلت علي إشارة: نحن نعترف بذلك. أما السيد سلفا كير, كما قال لي مارجيلوف, فمن الواضح أنه واثق تماما من أن الاستفتاء سيصوت لصالح انفصال جنوب السودان عن بقية البلاد..لقد ترك أيضا انطباعا عن نفسه كشخص واثق من قدراته ومستعد لسيناريوهات مختلفة.. الأهم الآن, كما أعرب مارجيلوف ليس فقط عن مخاوف روسيا بل ومخاوف نادي الدول الكبري ككل,هو ألا يحاول الشمال أو الجنوب استخدام أي قوة من شأنها أن تدهور العلاقات بين الخرطوم وجوبا, حيث تثير المخاوف بعض المعلومات عن وجود وحدات حركة العدل والمساواة علي أراضي جنوب السودان. وهناك أيضا قلق من الشائعات التي توحي بأن بعض القبائل الصغيرة في الجنوب تتفاعل مع حكومة الخرطوم للاعتماد علي دعمها في المستقبل ولز عزعة الاستقرار في جنوب السودان. كل هذه الشائعات تشكل مناخا يثير القلق حول إجراء الاستفتاء.. ومن المهم أن يظهر الطرفان حكمة سياسية ونهجا استراتيجيا..ومن الواضح لكل شخص أن هناك تواصلا لاغني عنه بين الشمكال والجنوب.. المواد النفطية للجنوب ونظام خط الأنابيب والميناء للشمال..دون التواصل والتكامل لايبقي الاقتصاد في الشمال أو الجنوب علي قيد الحياة..لقد وقع الطلاق وانتهي الأمر. لكن مارجيلوف الذي التقي المبعوث الأمريكي الي السودان سكوت جرايشن قبل لقائي معه بدقائق, قال إن أهم شئ أن يكون الطلاق متحضرا في حال حدوثه ذاك أن التعايش بين شمال السودان وجنوبه لم يكن حتي كزواج مصلحة, وظل ذلك التعايش المشترك لأن الاستعمار البريطاني رغب بذلك باعتقادي حان الوقت للتخلي عن إسناد الأمور إلي التاريخ ومواقف هذه الدولة أو تلك ومن ثم إعطاء فرصة للسودانيين أنفسهم لحل مشاكل بلادهم. فليس بإمكان أحد أن يحل هذه المشاكل, ويستطيع السودانيون أن يحلوا هذه المشاكل بطرق ديموقراطية من خلال الانتخابات والاستفتاءات والبحث عن توافقات. هذا ما قاله مارجيلوف الذي يري أن الدول الكبري تعمل بتوافق في السودان. إذن فكيف تعمل الدول الأقرب جغرافيا وتاريخيا وثقافيا للدولتين الجديدتين! وهل هناك تنسيق حقيقي مع نادي الدول الكبري, أم أن كل دولة تعد نفسها لكي تدق أسفينا هنا أو هناك, أو تخطف مايمكن اختطافه وتفر؟