عندما أقبلت السينما علي المنطقة الصحراوية في المغرب( ورزازات) لتصوير الأفلام وأصبحت محط أنظار المنتجين, زاد عدد الراغبين في التمثيل في السيلما كما ينطقها أهل المنطقة وانخفضت الأجور وزاد حجم المعروض من الكومبارس وهنا ظهر داود أولاد السيد ليقدم فيلمه عن حياة هؤلاء الأفراد الذين غيرت السينما حياتهم وهم لم يشاهدوا السينما في حياتهم ليقدم فيلمه( في انتظار بازوليني) مقتبسا اسم فيلمه من مسرحية صامويل بيكيت الشهيرة في انتظار جودو وهي تشير بشكل رمزي لانتظار مرور وعودة شخصية أسطورية تسمي جودو يرمز بها بيكيت لليسار والاشتراكية والعدل بالطبع لن يأتي جودو, كما هي الحال مع العدل أو اليسار.كذلك الوضع مع سكان ورزازات تلك المنطقة التي صور فيها من قبل بازوليني أفلامه وخلق علاقة إنسانية مع سكان المنطقة ممن شاركوا معه في أفلامه,ولكن عصر بازوليني قد ولي ومات بازوليني نفسه, ومع ذلك ينتظره الأهالي بحثا عن العدل في الأجور وفرص العمل والحلم الذي تقدمه السينما, ولكنهم سينتظرون دون جدوي وسيعاملون كأفراد من القطيع من قبل مسئولي السينما, فالعدد زاد والكل يرغب في التمثيل وتذوق أموال السينما. هذا الفيلم الرائع الذي صنعه داود أولاد السيد احتفي به الجميع ألا واحد ظل يلعن الفيلم وداود والسيلما أنه موحا ذلك المزارع الذي أجر أرضه ليقيم عليها داود أولاد السيد ديكور فيلمه في انتظار بازوليني وجاء حظه العثر أن أرضه بالتحديد أقيم عليها ديكور جامع القبيلة. فكان السكان أثناء تصويرالفيلم يقيمون فروض الصلاة في ديكور الجامع, وعندما يبلغ موحا أولاد السيد عما يفعله سكان القرية فلا يلاقي منه سوي الضحك, كمثقف منسلخ عن واقعه لايري في هؤلاء السكان إلا نماذج خارج التاريخ لايستوجب سلوكهم سوي الضحك والسخرية, ولا أكل في تغيير عقلياتهم, وهم عاشوا وسيعشون أجيالا من بعد أجيال بتلك المفاهيم وتلك العقليات ولايجب التدخل في حياتهم....وأصلا المثقف يسعي لتغيير واقعه هو دون أن يلتفت لواقع الآخرين, وان كان فليس لديه سوي بعض الخطب والكلمات يلقيها من برجه العاجي علي هؤلاء المساكين الذين قتلهم الجهل والتخلف, فيخلص ذاته ويشعر بسموه عن هؤلاء الرعاع, الذي قد يكون منهم ولكن مع الثقافة صار في وضعية أرقي قد تسمح له بالفكاك من هذا العالم المتخلف.لكن أولاد السيد ليس بمثقف صالح مثل معظم مثقفينا في العالم العربي.....فقد تفاعل مع المنطقة التي أتي منها وعاد إليها من بعد أن جاء أليه موحا ليعلنه بأن كل ديكورات الفيلم قد تمت ازالتها ماعدا الجامع الذي أتخذه أهل القرية جامع فعلي وحرموه من أرضه التي يعيش منها هو وأولاده. يبدأ فيلم الجامع بظهور داود أولاد السيد بنفسه في الفيلم يزور المنطقة وعندما يحاول موحا شرح مشكلته له يغادر داود المكان لمشاغله, وقد أراد داود بذلك تجسيد ماسبق و ذكرناه من تخلي المثقف عن الجموع واهتمامه بما يخصه فقط. الجامع فيلم يتخذ مشكلة موحا وأرضه حجة لعرض مشاكل تلك المنطقة والعقليات المسيطرة والتي تتخذ من الدين مرجعية لكل تصرفاتها وهي في الحقيقة تسلك سلوكيات بعيدة كل البعد عن الحقيقة, فكيف يمكن أن تتحول أرض مغتصبة إلي جامع يصلي فيه العباد للمولي عز وجل طالبين رضاه.. مابني علي باطل فهو باطل. هذا الجامع الديكور المقام علي أرض مغتصبة له فقيه ديكور امام مزيف أحد أفراد الكومبارس الذين شاركوا في فيلم داود السابق يرتدي من حين لأخر ملابس الرومان التي كان قد ظهر بها في الفيلم ليلتقط السائحونين الصور معه.وينال هذا الفقيه أو الامام حظورة عمدة البلدة الذي يحذر موحا من إثارة مسألة الجامع مروة أخري وألا سيذهب به للسجن. عندما يذهب موحا لشيخ كبير من شيوخ الجامع ليحدثه عن مشكلته فانه يكلمه عن البيوت التي سيبنيها له الله في الجنة دون ان يلتفت لخراب بيته وانقطاع دخله, الوحيد الذي يساند موحا في طلبه الشرعي هو الفقيه الفعلي للبلدة والذي تلقي العلم ونال منه أعلي الدرجات ولكنه استبدل بالفقيه الكومبارس لأنه يقول الحقيقة في كل وقت وحتي لو كانت ضد الحاكم أو ضد السلطة, فينفي لخارج القرية ليعيش بالقرب من مدافن البلدة, وعندما يقرر موحا هدم ديكور الجامع بالبلدوزر يتبرع الفقيه بقيادته له لتمرسه في تلك المهنة من قبل من بعد أن رفض الجميع مساندته, ولكن الفقيه الكومبارس يستدعي العمدة الذي يهددهما معا بالشرطة. عندما يتم ترحيل موحا للسجن نتيجة لكلامه عن مشكلته أمام عدسات التليفزيون التي حضرت للقرية من أجل احتفالها الشعبي, وهو ما أغضب عمدة البلدة, نشاهده داخل عربة الشرطة التي تمخر عباب الصحراء مترامية الأطراف ليدخل الفقيه الحقيقي علي متن البلدوزر عكس اتجاه سيارة الشرطة متجها نحو القرية لينتهي الفيلم في مشهد رائع. ترك لنا داود أولاد السيد النهاية مفتوحة لنتخيل ردة فعل الفقيه علي القبض علي موحا لمجرد مطالبته بحقه, هذا هو الفن الذي يلمح ولايصرح, وهذا هو الإبداع الذي امتلك منه داود الكثير والذي جعله يستغل قصة بسيطة لمواطن بسيط ليناقش بها قضية التحجر الفكري والتمسح بنصوص الدين دون فهمها وتحرك مصالح ونفوذ وراء هذا الجمود الفكري, مصالح تدفع لمعاقبة كل معارض اما بالسجن أو النفي, وتولية كل جاهل ومغرض مدام يسبح مع التيار السائد. ينجح الأخرون بإبداعهم وموهبتهم ونفشل نحن مع مسوخ أفلام تقليدا السينما الأمريكية التي تقدمها سينماتنا في معظم أفلام السينما المصرية, والتي تجعلنا نقدم نسخا مشوهة ذات انتاج كبير, في حين أن الأخرين يقدمون أفلاما أصلية بلون بلادهم وعبق أراضيهم يطرحون من خلالها مشاكلهم فتصل للعالم أجمع عبر فن فعلي. فهل المشكلة تكمن في انعدام الموهبة الفعلية لدي الكثيرين من كتاب السينما في مصر, أو في تدهور مستواهم الثقافي أم في الاثنين معا؟ شكرا لداود أولاد السيد الذي قدم درسا لصانعي السينما يبين فيه أن الموهبة هي أساس العمل السينما أو الفني بشكل عام ثم تأتي الشروط الإنتاجية بعد ذلك بالرغم من أن لا فن دون أموال لصناعة هذا الفن, فإن الأموال وحدها لا تصنع فنا. [email protected]