منذ نعومة أظافرها وهي تتحمل مسئولية أسرتها وامتهنت الخياطة التي جعلتها توفر لقمة العيش لأسرتها قليلة الحيلة رافضة التفكير في ذاتها ومستقبلها. مرت الأيام علي هبة الفتاة العشرينية وهي تحلم في كل ليلة قبل نومها بالفارس الذي سيحملها إلي دنيا أخري غير التي تعيش فيها وينتشلها من الأعباء التي تثقل كاهلها, إلا أنها كانت دائما تستفيق من شرودها علي واقعها مع أمها وأشقائها الذين يريدون من يسد رمقهم. كبرت هبة وأصبحت عروسا ناضجة ليطرق الباب مصطفي الشاب الطيب الذي وجد فيها مثالا للزوجة الصابرة والمتحملة والتي ستعينه علي مصاعب الحياة, فيما وافقت هبة علي العريس الذي شعرت بطيب خلقه, فعمله كنقاش سيجعله يعيش حياة كريمة وسيعوضها سنوات الحرمان والشقاء التي لم تعشها كبقية أقرانها وباركت الأسرتان الزواج. عاشت هبة أيامها الأولي في سعادة مع عريسها الذي كان يلبي لها كل ما تطلبه ولم تفطن لمرض زوجها الذي كان يخفيه عنها حتي لا يضايقها في شهورهما الأولي. انتبهت هبة إلي أن زوجها يعاني من شرود في تفكيره ويغيب عنها لأيام وليال دون خبر مسبق لها, فظنت أن عمله يدفعه للمبيت خارج المنزل حتي أخبرها أقارب زوجها أن مصطفي يعاني من مشاكل في شخصيته. لم تمتعض هبة علي زوجها ورضيت بالقسمة والنصيب حتي رزقها الله بالطفل رحيم, وشعرت هبة أن الحياة تبتسم لها وتعوضها بعضا من نصيبها, وظلت صابرة علي مرض زوجها الذي كان يتغيب عنها أياما من تلقاء نفسه ثم يعود مرة أخري إلي المنزل. وهكذا اعتادت الأسرة علي غياب مصطفي أياما قليلة لا تتعدي الأسبوع, وفي أحد الأيام خرج مصطفي كعادته من المنزل وطالت غيبته, وظنت هبة أن زوجها تقابل مع أحد أصدقائه وأقام معه ولكن استمر غياب الزوج لمدة تجاوزت الشهر وهو ما أقلق هبة. طرقت هبة أبواب أقارب زوجها بحثا عنه واستجدتهم أن يدلوها علي طريقه وخرجوا جميعا يبحثون عنه في شوارع المنيا ومدنها ولكن دون جدوي فمصطفي غاب في ظروف غامضة. وعندما فشلوا في العثور عليه توجهت الزوجة لمركز شرطة مغاغة وحررت محضرا بغياب زوجها, وقالت إنه مريض نفسي يعاني من انفصام ذهني ولم تتهم أحدا بالتسبب في غيابه. وكل يوم يسأل الابن أمه أين والدي؟ لينزل السؤال علي رأسها كالنار التي تحرقها وهي لا تجد إجابة لفلذة كبدها أين أبوه؟ هل مازال علي قيد الحياة أم مات في ظروف لم تعرفها حتي الآن؟.