يعتبر الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة أحد الذين رسموا مستقبل مصر, بتوليه مسئولية رئاسة لجنة صياغة دستور2014, لكنه كان أيضا واحدا من أهم الذين تصدوا للعوار الدستوري والقوانين التي فرضها الإخوان خلال فترة حكمهم وأخذ علي عاتقه رفع الدعاوي القضائية لإظهار ذلك العوار.. وفي حواره مع الأهرام المسائي يقدم وجبة دسمة من الآراء المرتبطة بالحياة السياسية والبرلمانية والاجتماعية في مصر المستقبل, وفقا لقناعاته, ومعطياته المستندة إلي اقترابه من مراكز صنع القرار سواء بعمله في لجنة صياغة الدستور أو أثناء توليه رئاسة جامعة القاهرة خلال حقبة من أصعب الفترات التي عاشتها الجامعة التي يمتد تاريخها إلي أكثر من100 عام, حيث يري نصار أن البرلمان المقبل لن يكون نموذجيا. كيف تري مستقبل الحياة البرلمانية ونحن وشك استكمال خارطة الطريق ؟ التغييرات الضخمة التي حدثت في مصربعد3 يوليو من استجابة الجيش للشعب في إزاحة الكابوس الاخواني..وعودة الروح الوطنية التي تعلي قيمة الوطن علي المصلحة الشخصية كما حدث بعد فرض إجراءات رفع الدعم ومشروع القناة كل ذلك يؤكد نجاح الدولة المصرية في استعادة هيبتها ويؤصل لتأسيس حياة ديمقراطية صحيحة وعلينا أن نتذكر أن هذا الدستور لم يأخذ الفرصة الكاملة للتدقيق نظرا للتجاذبات والأحداث التي شهدتها الدولة المصرية أثناء وضعه, سواء بوقع أحداث الإرهاب والأخطار التي عاشها الشعب من جراء استخدام الجماعات المتطرفة مقدرات هذا الشعب وضرب المرافق الأساسية فيه في محاولة تركيع الشعب.. أتصور أن مصر الدولة والشعب يسعيان إلي مستقبل افضل سوف نصل اليه بعد انتهاء المرحلة الأصعب والمرحلة القادمة رغم صعوبتها إلا ان عزيمة المصريين وارادتهم قادرة علي تخطي تلك المرحلة.وفي تصوري أن الحياة النيابية القادمة في مصر مع اول برلمان بعد ثورة30 يونيو لن تكون مثالية كمايطمح إلي ذلك الكثيرون حيث لايجب أن ننسي ان النظام الانتخابي الذي ستجري وفقا له الانتخابات الجارية نظام انتقالي بمعني,أن هذا البرلمان سيشكل وفقا لأحكام الباب الانتقالي من الدستور حيث يسمح فيه ولآخر مرة أن يكون هناك تمثيلا للطوائف والفئات. هل معني ذلك أن التمثيل الفئوي للمرأة والعمال والفلاحين وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم أمر يضر الحياة النيابية ؟ في تصوري أن انتخاب البرلمان وفقا لهذه التشكيلة كان مقصودا به تحجيم الثقافة الفئوية التي سادت في أعقاب ثورتي25 يناير و30يونيو ورغم ان هاتين الثورتين كشفتا ان هناك مطالب فئوية ضخمة جدا وقد وازن واضعو الدستور بين ضرورة سلامة البناء الدستوري وبين المطالب الشعبية وتم انتاج حل عبقري وهوامتصاص هذه المطالب الفئوية في نص انتقالي..وبالتالي فإن البرلمان المقبل سيكون برلمانا متداخلا ومختلطا إلي حد كبير وسيقاتل كثير من رجال الأعمال لدخول البرلمان حتي يكون هذا البرلمان محطة لغسل أيديهم من النظام القديم واثبات أنهم قادرين علي التعايش مع النظام الجديد.. أيضا سيكون هناك تمثيل شبابي معقول في البرلمان, ولو لم يحدث ذلك ستكون هناك انتكاسة نحن في غني عنها, ولن يشهد البرلمان تواجدا حزبيا ضخما نظرا لأن تجربة الاحزاب في دخول انتخابات بهذا الشكل حديثة وفكرة الأنا, وتوزيع الغنائم, بين الاحزاب مسيطرة علي تفكير القائمين علي تلك الأحزاب وسوف تصحو تلك الاحزاب علي حقيقة أن تمثيلها في البرلمان لن يكون قويا وهذا له إيجابياته حيث لن يستمر في الحياة الحزبية سوي الكيان الحزبي القادرعلي التفاعل مع المواطنين واجتذاب التكتلات السياسية إليه. في رأيك ماهو النموذج الأمثل للحياة البرلمانية والسياسية في ضوء تلك المعطيات ؟ النموذج الأمثل لن يأتي بطريقة الأحزاب المصنوعة من السلطة أو الأحزاب المسموح لها بتحرك هامشي علي هامش دفتر السلطة, ولدينا مجموعة من الشواهد التي تؤكد تغير المعادلة..وأول تلك الشواهد رفع السلطة يدها عن الانتخابات البرلمانية لأول مرة من يوليو1952 تجري الانتخابات والدولة ليس لديها حزب يخوض الانتخابات,ولن نخرج من مربع الحياة السياسية السابقة, إلا إذا استمر ذلك الوضع, الكتلة الأساسية في البرلمان لن تكون كتلة سياسية وإنما كتلة تكنوقراط من الاشخاص الذين ليس لديهم حيل وألعاب سياسية ضخمة, وهذا أمر مهم لأن تلك الحيل تختطف وتقضي علي الأمل في بناء سليم للسلطة.ونحن الان في مرحلة بناء للسلطة كل الناس عندها تصورات للانتخابات لكن لاتوجد خطوط عريضة لما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات فليس لدينا حزب تقف الدولة وراءه أوحزب يدعمه الرئيس أويميزه وليس لدينا تصور لتكوين أغلبية برلمانية وهذا أمر له كثير من المنافع التي تحتاجه الدولة في تلك الفترة هل من الممكن أن يفرز ذلك التطور تكتلات حزبية وسياسية قوية فيما بعد ؟ هذا التطور الذي نعيشه الآن هو الحلقة المفقودة دائما في معادلاتنا السياسية ولم تحدث في مصر منذ ثورة يوليو وأنا علي خلاف مايظن الكثيرون أعتقد البرلمان القادم بتشكيلته سيتصرف وفقا للمصلحة العامة وبطريقة براجماتية أكثر من اللازم, وهذا أمر مطلوب في المرحلة المقبلة ولايمكن تصور أنه سيكون هناك برلمان يناكف في السلطة الحالية سيكون لدينا برلمان يدفع إلي التعاون مع السلطة التنفيذية لأن عدم التعاون له أخطار كبيرة علي تكوين الدولة الجديدة إذا ما المطلوب من البرلمان المقبل إذا كنت تؤكد أنه سيكون برلمانا متعاونا مع السلطة ؟ دور البرلمان رسم بدقة في الدستور وكل من يتحدث عن أن البرلمان يملك سلطات اكثر من الرئيس أوتقييد صلاحيات الرئيس..هذا غير صحيح علي الإطلاق وهؤلاء الذين يروجون لذلك يتناسون مسألة أساسية في كل ديمقراطيات العالم تؤكد أن تحجيم سلطات الرئيس يكون دائما لصالح رئيس الوزراء أوالعكس وهم طرفان في السلطة التنفيذية ولايمكن أن يكون تحجيم سلطات الرئيس لصالح البرلمان وهذه مسألة محسومة في العلوم الدستورية ولايمكن مغالطتها.. وماكان ينقص الدولة المصرية هو تحديد مسئولية كل فريق..تحديد مسئولية السلطة التنفيذية..تحديد مسئولية السلطة البرلمانية..تحديد مسئولية السلطة القضائية وهذا ما أقر في الدستور ولأول مرة لدينا مسئولية علي رئيس الجمهورية والدستور لاينتقص من سلطات رئيس الجمهورية ولكنه يوازن بين سلطاته وسلطات رئيس الوزراء ويمكن للرئيس تفويض سلطاته لرئيس الوزراء. إذا ماتأثير تلك التغيرات علي الحياة الحزبية في مرحلة مابعد تشكيل البرلمان ؟ في ظني أن عزوف كثير من الذين سوف يشاركون في الانتخابات البرلمانية اليوم عن الدخول تحت إطار الاحزاب سيكون مسألة مؤقتة وان الفترة القادمة اذا ما انتهت المقدمات التي نعيش فيها إلي ذات النتائج التي يبشر بها هذا الوضع سنجد أن الأعضاء الذين يدخلون البرلمان كمستقلين سيسعون إلي مظلةحزبية, والتطورالطبيعي إذا اردت أن تفسدتجربة ديمقراطية أنشيء حزبا للسلطة وإذا أردت أن تجعل نصوص الدستور بلا جدوي اجعل الاحزاب تدور في فلك الرئيس وحزب السلطة. المتصور الآن أن تتطور آليات تشكيل السلطة التشريعية بحيث يتم في إطار مستقبلي تقوية مجموعتين حزبيتين حيث نجد التكتلات اليسارية تتجمع نحو قاعدة حزبية واليمين كله يأخذ قاعدة اخري وهو التطور الدديمقراطي الصحيح..صحيح أنه في بدايات القرن العشرين قامت النظم الديمقراطية علي فكرة الصراع بين السلطتين البرلمانية والتنفيذية وكانت هناك وسائل متبادلة للسيطرة بين السلطتين بحيث تحل السلطة التنفيذية البرلمان والسلطة التشريعية تملك استجواب وحل الحكومة لكن هذا لم يعد موجودا الآن في برلمانات العالم المتقدم فعلي سبيل المثال في البرلمان الانجليزي نجد ان الحكومة هي مردود لحزب أغلبية ولذلك آليات الرقابة في الدستور لاتستخدم وهو مايحدث ايضا في دول أوربية متقدمة أخري كفرنسا مثلا. ظهور مبادرات العمل الخيري والاجتماعي بكثرة مؤخرا هل يكون لها تأثير علي الشارع المصري والسياسي في المرحلة المقبلة ؟ طبعا.. لكن المهم انها تبقي في إطار تلك المبادرات الاجتماعية وفي إطار مؤسسي تشرف عليه الدولة حتي لايلحقها عشوائية المعالجة التي تؤثر علي هيبة الدولة لأن العشوائية مضرة بكيان الدولة علي سبيل المثال عندما تخلت الدولة عن دورها لصالح مبادرات في مجال التعليم أدي ذلك إلي عشوائية في هذا الشأن.. تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي بيصل إلي نتائج غير مرغوبة اجتماعية دور الدولة تنظيم تلك المبادرات ودعمها والاشراف عليها وعدم ترك الساحة للعمل العشوائي في هذا المجال الدور الاجتماعي هو الاهم في تلك المرحلة. فعندما ننظر وندقق في الواقهع فإننا نري أن ال90 مليون مصري المهتمين منهم بالسياسة والشأن السياسي قلة قليلة لكن الدور الاجتماعي متغلغل في حياة المواطن المصري والجميع مهتم به.. فإذا تخلت الدولة عن ذلك الدور فإنها تفسح المجال لكيانات أخري ولجماعات التطرف والارهاب التي تعتقد انها اجدر من الدولة بلعب الدور السياسي ايضا..والدستور الاجتماعي أسبق من الدستور السياسي واي مجهودات تقرب الدولة مش السلطة من شعبها هو أمر جيد يجب تشجيعه. وما العلامات التي تدل علي أننا نسير في الاتجاه الصحيح ؟ رصد الواقع يشير إلي ذلك وبالنسبة للظروف الاستثنائية التي تعيشها الدولة فإن الحالة الاستثنائية قواعد القانون تختلف فيها قليلا عن الظروف العادية وفي رايي أن الدولة حاليا في طريقها للظرف العادي والطبيعي ولم يعد هناك امكانية لدي الدولة لتخطي القانون اوتجاهله..كان من الممكن قبل سنوات ان تخالف القانون ولايدري احد أنك خالفت القانون لكن الان الامر صعب هناك اتجاه واضح نحو الشفافية وعناصر الحوكمة وفتح افاق الاعلام والمسائلة,والشعب الان ينظر إلي الحاكم علي انه يمارس وظيفة وبالنسبة للقوانين الاستثنائية فإني اعتقد أنها لن تستمر..وقد تم وضعها لأن طبيعة المرحلة الصعبة كانت تقتضي ذلك ولا اعتقد انها ستستمر طويلا. هل تقصد قوانين بعينها ؟ نعم مثل قانون التظاهر والحبس الاحتياطي والجرائم الجنائية كل هذه آليات لجأت اليها الدولة المصرية لمواجهة الإرهاب والدولة كانت بين خيارين إما أن تنشيء وضعا استثنائيا كاملا يخرج عن القواعد القانونية وإما إن تضع منظومة استثنائية من القوانين.. وهي اختارت الطريق الثاني لأنه أخف كثيرا من الطريق الأول. ماالذي يجعلك متفائلا بأن هناك غدا أفضل لمصر ؟ لأن الشعب الذي استطاع القيام بثورتين في فترة قصيرة..شعب قادر علي جعل كل سلطة تفكر جيدا انها لايمكن ان تأمن غضبه وهو في نفس الوقت الشعب الذي احتمل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي أقدمت الدولة خلالها علي اتخاذ قرارات اقتصادية خطيرة وصعبة ورغم ذلك تقبلها الشعب..الشعب الان لديه طموحات كبيرة جدا واصبح هو من يراقب تنفيذها الأمر الآخر أنا متفائل جدا لسبب قديراعه البعض غريبا..أنه عندما تصل الامور إلي قرب الانهيار كما حدث في مصر فان ذلك دافع قوي للإجادة وهذا سيؤدي إلي عبور مصر تلك المرحلة ومايحدث في العالم الان يؤكد صواب وجهة نظر مصر في مكافحة الإرهاب واليوم يتأكد ان الحفاظ علي جيش مهني هو خط الدفاع الأخير لاستقرار اي دولة ماذا عن رؤيتك لمستقبل التعليم ؟ لايمكن أن تنهض امة بغير التعليم..لدينا مشكلات ضخمة في ملف التعليم ويجب ان نواجهها بصرامة وحسم.. هناك إشكاليات في التمويل والمناهج وهناك إشكاليات في الموارد البشرية,التي تدير العملية التعليمية,وهناك مشكلات في ناتج التعليم نفسه..استثمار الدولة في التعليم هو المدخل الصحيح لحل مشكلات التعليم المصري.. كل ماقلناه عن النظام الديمقراطي والمنظومة الاجتماعية التي تجمع أفراد المجتمع كل ذلك لايمكن ان ينجح علي المدي الطويل إلابالتعليم. وقد كنت اول من أطلق فكرة أن الطالب الراسب يتحمل تكلفة تعليمه للحفاظ علي التعليم المجاني للطالب حتي المرحلة الثانوية لانه لايمكن ان نقدم تعليم مجاني جيد وعندنا طالب عمره25 سنة متكرر الرسوب وهو امر يخل بتكافؤ الفرص. ايضا الانتفاع بثمرة البحث العلمي امر ضروري للنهوض بالمجتمع.. النهاردة عندي في جامعة القاهرة مشكلة حقيقية نعمل مشروعات بحث علمي لكننا مابنعرفش نسوقها لأن القانون لايسمح لنا بتسويقها ولا الحكومة بتمد إيدها ليا..قد تكون حكومة المهندس ابراهيم محلب استثناء في ذلك بتغييرها ذلك المفهوم وفعاليتها الواضحة في هذا المجال وهذا دافع جديد للأمل فعندما يقوم رئيس الوزراء بمتابعة خطوات تطبيق مشروعات بحثية كما حدث علي سبيل المثال مع محطة الطاقة الشمسية التابعة في الجامعة.. لكن في الوقت ذاته لايمكن لجامعة مثل جامعة القاهرة تنتج في المتوسط300 الاف بحث دولية سنويا بيترتب عليها براءات اختراع ولاتستفيد الدولة بتلك المشروعات.