إن دلت عملية كشف المخابرات المصرية لشبكة التجسس التي عملت لحساب الموساد علي شيء, انما تدل علي ان السلام هدف مرفوض رفضا قاطعا في الاستراتيجية الصهيونية وهو لا يزيد علي كونه منطوقة دعائية, تستهدف التغطية علي سياسة اسرائيل العدوانية التوسعية, حيث ان اسرائيل كما توضحه فكرة تجسيدها تحد صريح لكل شيء, فإذا لم تعد تحديا, لم تعد شيئا. وتستدعي هذه المقالة, بل تفرض علينا ان نضع هذه القضية وضعا يجعلها جزءا من التاريخ, واول ما يلفت النظر قول غوغنو دي موسو في كتابه اليهودي واليهودية وتهويد الشعوب المسيحية عام1882 م: لقد وجد دوما عند اليهود منذ تشتتهم حتي اليوم, مركز قيادة وتوجيه بين ايدي امراء خفيين, خلفوا بعضهم بعضا بكل انتظام, وهكذا فإن الامة اليهودية كانت دائما مسيرة, كجمعية سرية هائلة, تعطي بدورها الاندفاع للجمعيات السرية الاخري . وقد كان لمركز التوجيه هذا السنهدرين دوره البارز في القضاء علي دولة بابل الجديدة بايعاز من الفرس حين قويت شوكتهم, كما تعاون جواسيس هذا المركز مع الملك الفارسي قمبيز في غزوه لمصر في القرن الخامس ق.م حيث سمح لهم بمصاحبة حامياته العسكرية وتموينها وتزويدها بالنساء والغلمان, والتعامل معها كجواسيس, ومن اعضاء هذا المركز مردخاي الذي زرع ابنة عمه استير في بلاط الملك الفارسي احشويرش ففتن بجمالها, وجعلته بدورها خاتما في اصبعها, وحرضته علي قتل هامان رئيس وزرائه وعدو اليهود الاول, ومن بعد قام اليهود بذبح عشرات الالاف من شعبه ممن عادوا اليهود. وعندما قويت شوكة اليونان, عمل اليهود لديهم جواسيس علي الفرس, وساعدوهم علي تقويض دولة الفرس, وفعلوا الشيء نفسه مع الرومان ضد اليونان, وهكذا دواليك وضعوا انفسهم تحت تصرف العرب في فجر الاسلام, وكانوا جواسيس لهم في فتحهم لمصر واسبانيا, وعندما خرج العرب من الاندلس, تعرض اليهود لاضطهاد شديد, ثم طردوا منها, فالتجأوا الي العرب في شمالي افريقيا وشرقي البحر المتوسط. ولا يختلف الامر في الحاضر عنه في الماضي فقد عمل اليهود في البلاد العربية في جميع ميادين الحياة, وفتحت امامهم الابواب علي مصاريعها, وجمعوا الثروات الضخمة وكان منهم الوزراء ايضا مثل: يوسف قطاوي في مصر, والدكتور بنزاكين في المغرب. واندريه بسيس واندريه باروخ في تونس, ولا يختلف الحال في البلاد العربية الاخري بالنسبة لليهود, عنه في مصر والمغرب وتونس. ولكن بعض اليهود, رغم هذه المعاملة الممتازة سخروا انفسهم لخدمة اطماع الصهيونية التي تعمل ضد مصلحة البلاد التي فتحت لهم صدرها وخاصة مصر, فقد قابل بعض يهود مصر احسانها بالتآمر ضدها. بعد ان عاش اليهود في مصر الحديثة عصرا ذهبيا نعموا فيه بالحرية والرعاية والثراء, ولكنهم اساءوا الي الشعب الذي احتضنهم حين شاركوا في نشاط الصهيونية, وسلكوا السبل الملتوية لانعاش مشروعاتهم, وللسيطرة علي اقتصاد البلاد. فعلي الرغم من كل هذا فإن عدوان عام1948, واعلان قيام دولة اسرائيل, واحتلال الاراضي العربية, لم يؤثر في اوضاع اليهود في مصر, ولكن يهود مصر ردوا علي المعاملة الممتازة بالاساءة البالغة, فاكتشفت خلايا التجسس الخطرة, حيث كان يهود مصر يسافرون الي اوروبا, ومنها الي فلسطينالمحتلة. وهناك يدربون علي التجسس علي الدولة التي رعتهم, ويكفي ان نشير هنا الي تلك القضية التي عرفت في التاريخ التجسسي باسم قضية لافون. ولافون هو اسم وزير الدفاع الاسرائيلي في وزارة شاريت وهذه القضية تكشف عن الاساليب الاجرامية التي تلجأ اليها المخابرات الاسرائيلية من اجل تحقيق اهدافها كما تكشف عن الدور الذي قام به يهود مصر, وتمتد جذور هذه القضية الي عام1954, وهو عام وجدت اسرائيل نفسها فيه في وضع سييء, فقد تزايدت هجمات الفدائيين علي قوات الاحتلال, حتي انهم وصلوا الي مشارف تل ابيب وكان مركزهم قطاع غزة الذي كان آنذاك تحت الادارة المصرية, وكانت الجيوش البريطانية علي وشك ان تخلي قواعدها في منطقة القناة, وهي جيوش كانت تري اسرائيل في بقائها حماية لها. ومن هنا وعلي هذا الاساس نشطت المخابرات الاسرائيلية, وخططت من اجل القيام بعمليات نسف المنشآت والمؤسسات البريطانية والامريكية في مصر وتدميرها, بقصد اساءة العلاقات بين مصر وهاتين الدولتين, وكان اربعة من يهود مصر هم اداة المخابرات الاسرائيلية في تنفيذ هذه الجرائم وهم: فيكتورين نينو, وهي فتاة جميلة كانت تعمل موظفة في شركة انجليزية في مصر الجديدة واسمها الحركي مارسيل والدكتور موسي لينو مرزوق وهو طبيب في المستشفي الاسرائيلي في القاهرة, وفيليب ناناسون, مستخدم في التجارة, وماير زعفران, وهو مهندس, وقد عرفت هذه المجموعة في المخابرات الاسرائيلية باسم الوحدة131 وكانت هذه الشبكة تعمل في مجموعتين في كل من القاهرة والاسكندرية, وكانت فيكتورين هي ضابط الاتصال بين المجموعتين, وقد سافر كل افراد الشبكة الي اسرائيل عن طريق اوروبا, حيث تلقوا تدريبا في حيفا اولا ثم في يافا, وانضم الي الشبكة رجل مخابرات إسرائيلي كان يزور مصر تحت ستار انه ممثل لشركة تجارية انجليزية اسمه جون دارلنج ورجل مخابرات اسرائيلي اخر اسمه ماكس بنيت اتخذ لنفسه صفة انه ممثل شركة تجارية بريطانية تصنع ادوات لمساعدة المقعدين, وكانت الشبكة في مصر تتلقي التعليمات بالشفرة عن طريق برنامج ربات البيوت المذاع من الاذاعة الاسرائيلية, حيث كان لاسماء الخضار والتوابل معان خاصة في الشفرة, وكان افراد الشبكة يضعون المتفجرات في علب نظارات.. كما كان زعيمهم بنيت يتصل بتل ابيب بواسطة اذاعة لاسلكية صغيرة مخبأة في كتاب.. ولكن المخابرات المصرية كشفت هذه الشبكة, وكانت فضيحة المخابرات الاسرائيلية مدوية, تردد صداها في اسرائيل نفسها وفي العالم, لانها كشفت طبيعة اسرائيل الاجرامية, ووفقا لهذا النسق من الفضائح سيكون مصير اخفاق جهاز الموساد الاخير. ومما نستطيع ان نخلص اليه, ان كل حكومات اسرائيل بلا استثناء لا تفكر بالسلام, وان كانت تحلم بيوم تفرض فيه علي العرب الاستسلام للاستراحة من الحرب.