ضرائب وغرامات ورسوم غير معتادة، تتلاحق تباعا؛ لتستنزف هامش ما تحقق من عدالة اجتماعية بعد الثورة وكأن الدولة ستأخذ بالشمال ما أعطته باليمين، فعلى سبيل ما تمت ملاحظته من شكاوى فى أسبوع واحد كان: ضرائب عقارية، وشهادات مخالفات مرووية مبالغ فيها، ورسوم إزالة مخلفات وفوائد متأخرات ضريبية بأثر رجعي، ورسوم إدخال مياه وكهرباء بأسعار استثمارية... قائمة طويلة من الشكاوى تزيد من الاحتقان، لا سيما أن البعض لم يتخلص من آثار الارتفاعات السابقة فى أسعار الكهرباء والمياه والمشتقات البترولية، وما تبعه من ارتفاع أسعار الخدمات والسلع والمنتجات، ونترقب بقلق نذر مرحلة جديدة من الارتفاع والتضخم. ولو أن الأوضاع الاقتصادية تسمح لما ناح الشاكى وبكي، لكن المشكل أن المصريين يعيشون أزمة اقتصادية خانقة تسببت فى تراجع وخسائر بالجملة، وعدم استقرار فى السوق، بل وانهيار فى بعض الأحيان، وصلت أحيانا لتوقف قطاعات إنتاجية بكاملها، وصحب ذلك إغلاق منشآت وتسريح لعمال، وتبعه حالة ركود وبطالة، وهو ما يعوق القدرة على مواجهة أى أعباء جديدة، وذلك على خلاف وعود النظام بانتعاش اقتصادى مرتقب ليس له مثيل. لهذا على المواطن أن ينسى حلو الوعود مؤقتا، ويؤهل نفسه لمزيد من سياسات الدفع وهى سياسة عامة لن تستثنى لا فقيرا ولا متوسط حال إلا و»هتنفضه»، وإذا كان لايزال بمقدور شريحة اجتماعية تحمل أعباء تلك السياسة دون إرهاق، أو كان بقدرة شرائح أخرى ممن يتحصنون ببعض الوظائف العامة، أو بعض وظائف القطاع الخاص المميزة على مجابهة تلك السياسة بصورة مؤقتة، فإنها مع الوقت ستُنهك تلك الشرائح الوسيطة وتدفعها باتجاه التآكل. لكن المأساة ستكون عند الطبقات الفقيرة والأشد فقرا، لأنها سياسة ستضيف مزيدا من البؤس على أوضاعهم القلقة بالأساس فما يقرب من نصف المصريين قابعون تحت خط الفقر، منهم أربعة ملايين لا يجدون قوت يومهم بحسب البيانات الرسمية، ولست أدرى هل بلغت مسامع البعض أن هناك فى مصر من لا يذوقون اللحم إلا نادرا، بل هناك منهم من يتقوت هو وصغاره على العيش و»مية الفول» مع الأسي؛ ليسدوا رمقهم. فبكل أسف منذ 52 يناير حتى يومنا هذا لم تتعامل أى سلطة مع مشكلة الظلم الاجتماعى الذى تسبب فى خروج المصريين على مبارك بجدية، ولم تتم معالجة أسبابه، بل نبدو على وشك إعادة إنتاج نموذج مبارك/جمال الاقتصادى الفاشل، بل يضاف إليه غياب الرؤية الاقتصادية إلا من توجيهات صندوق النقد الدولى نحو مزيد من تحرير الاقتصاد وتقليل الإنفاق الحكومي، وهى سياسات كارثية على الفقراء، كما أن الانتخابات البرلمانية القادمة ليس من الوارد أن تحل أزمة تشابه البقر-الأفكار- علينا، بل ربما تفرز التركيبة البرلمانية القادمة تخمة ليبرالية أكثر توحشا، تسعى لتكريس احتكارها وتأمين حصيلة فسادها، بجانب رموز قديمة بلا إيديولوجيا سياسية كانت او اقتصادية. لهذا فإن سياسة الجباية ستستمر، والأهم أن العدالة الاجتماعية ستغيب، لا سيما وأن الميزانية «مخرمة»، والنمو بطيء إن لم يكن متوقفا، والجهد الاقتصادى لا يصب فى تدوير رأس المال، ولكن فى اقتراضه ثم حرقه -إنفاقه- فى مشروعات كثيفة العمالة بلا عائد؛ حيث تنصرف للبنية التحتية. فضلا عن الأزمة السياسية والانقسام المعوق لأى تنمية. ومن ثم فنحن لن ننتظر سوى أن يزداد الغنى غنى ويعدم الفقير، ويعزز حدوث ذلك تصريحات المسئولين المستمرة بأن الدولة لن تبيع خدمة أو سلعة أو منتج بأقل من سعره، وهذا فى الحقيقة دليل تواضع كبير فى الإمكانات ومحدودية فى التفكير، وعجز عن فهم معنى الدولة، ووظيفتها، لان هذا المنطق معتبر إذا كان هناك من ينفق على المصريين من جيبه الخاص!، أوليس قيام الدولة بسد عجز قدرة المواطنين حق لهم أولا ووسيلة لبقاء الدولة ذاتها ثانيا؟! أم أن الدولة أصبحت كأى مستثمر يسعى للتربح؟!، وفى الأخير لا يسعنا إلا أن نسأل الله أن يحنو على هذا الشعب ويرفق به ويغنيه؛ لأنه إن لم يفعل فإن حكومته ستقسو عليه وستُورِده المَفاقِر.