الصراع الدائر بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والشيخ فتح الله كولن هو الأخطر علي مستقبل أردوغان منذ صعوده الي السلطة, لأن فتح الله جولن ليس مجرد شخصية معارضة أو رجل دين, فهو الأب الروحي لأردوغان, والمؤسس لحركة خدمة التي نشأت في نهاية الستينات, وتضم مئات المدارس والسكن الطلابي ومراكز الدروس الخصوصية والمؤسسات الإعلامية التي تضم عشرات الصحف والقنوات التلفزيونية, ويتسع نفوذ فتح الله كولن الي آسيا الوسطي ومراكز تجمعات الأتراك. لم يكن لحزب العدالة والتنمية ومن قبله حزب الفضيلة أن يلمعا لولا الأرضية والحاضنة الشعبية لحركة خدمة التي يقودها فتح الله كولن, فقد نشأ حزب العدالة والتنمية علي أنقاض حزب الفضيلة الذي كان يقوده نجم الدين أربكان, إثر حله بحكم قضائي, في مارس2001, ليصل حزب العدالة والتنمية الي الحكم عام2002, وظل كولن يدعم حزب العدالة والتنمية, ويزوده بالكوادر التي كان لها الفضل في نجاحات الحزب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. إصدار مذكرة توقيف بحق فتح الله كولن من المدعي العام التركي تعني أن أردوغان سيمضي قدما في محاولة القضاء علي الأب الروحي, والمتهم الآن بتشكيل تنظيم إرهابي, ووصفه أردوغان بأنه يقيم دولة داخل الدولة, ويتجاهل أن دولة فتح الله كولن هل الرافعة التي صعدت به الي سدة الحكم. لا توجد خلافات أساسية في توجهات كل من أردوغان ومعلمه فتح الله كولن, فكلاهما مع دولة اسلامية علمانية علي النمط الغربي, والسعي للانضمام الي الاتحاد الأوروبي, وعلاقة مميزة مع اسرائيل وأمريكا. لكن لماذا هذه الحرب, وفي هذا التوقيت؟ يفسر بعض المراقبين ما يحدث بأنه ناتج عن انتقاد صحف وقنوات تركية لبعض أركان حكم أردوغان واتهامهم بالفساد, وهي الحملة التي انطلقت قبل عام, ولكن مشاركة إعلام كولن لم يكن الوحيد أو الأشرس في انتقاد حكم أردوغان. أعتقد أن أردوغان كان يضمر الحقد علي زعيمه الروحي, وأن شعوره بأنه الزعيم العثماني القوي هو ما يحركه تجاه فتح الله كولن, وأنه يري أن الوقت قد حان لتنحية معلمه, وابعاده عن الحلبة, واهالة التراب عليه, وتوحيد حركة خدمة بكل كياناتها التعليمية والإعلامية تحت إمرة أردوغان وحده دون منافس. لقد خرجت انتقادات خجولة لأردوغان من الاتحاد الأوروبي وأمريكا, تصف عمليات الاعتقال الواسعة في المؤسسات الإعلامية والتعليمية التابعة لكولن بأنها تتخطي معايير حقوق الإنسان. يدرك أردوغان أن أوروبا وأمريكا في حاجة ماسة الي جهوده في المعارك الدائرة في المنطقة العربية, خاصة في سوريا والعراق, ولهذا فهو رأي أن الوقت مناسب للانقضاض علي الرجل الأهم في تركيا, وشديد التأثير من خلف الستار, والذي يخشي أن يأتي اليوم الذي ينقلب عليه, فقرر أن يباغته ويقضي عليه, أي أن يتغدي بفتح الله كولن, قبل أن يتعشي به وهو مؤشر لانعدام ثقة أردوغان, حتي في أبيه الروحي, وأن أردوغان قد يمضي بعيدا في مغامرات خطرة, لا تحتمل أي ازدواجية في الدولة, مهما كانت الخلافات محدودة, ومهما كان كولن قد أدي له خدمات, وساعده في الوصول الي سدة الحكم. يبدو أن أردوغان قد تلبس الزي العثماني, وأصبح يفخر بوصف رجاله العثمانيون الجدد, ولهذا ضاق بزي رجل الدين المنفتح, وأعلن شعار لن أرتدي جلباب أبي فتح الله جولن, ليرتدي زي المحارب العثماني. غير أن حكم أردوغان سيعاني من شرخ الانقلاب علي كولن, وحركة الاعتقالات الواسعة في صفوف حركة خدمة وأذرعها الاعلامية, وقد يدفع ثمن خيانته لمعلمه غاليا, ان لم ينجح في تحقيق انتصار ينسي الأتراك جريمة أردوغان. لكن مجريات الأمور لا تسير حتي الآن وفق ما كان يحلم به أردوغان, فسوريا لم تسقط, بل بدأت في التعافي وإلحاق الهزائم بالجماعات الارهابية المدعومة من أردوغان, وحطمت مصر حكم الاخوان, وأسقطت جماعة الاخوان, ولا تبدو أمريكا متحمسة لخطة أردوغان في إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا, تكون منطلقا لهجمة جديدة علي سوريا, بينما الأكراد في قمة نشوتهم بما يحققوته من انتصارات تقربهم من حلم انشاء الدولة الكردية الموحدة, بينما ايران تصعد لهجتها ضد حكومة أردوغان, بل وتهدد بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي اذا ما هاجمت تركيا حليفتها سوريا. هكذا يبدو المسرح غير مهيأ للقائد العثماني الجدبد أردوغان, لكن حجم الحلم الذي يعيشه أردوغان, وقصر الخلافة الذي يريد إقامته في اسطنبول قد يعميه عن حجم المخاطر التي تهدده, وقد يجد نفسه قد سقط فريسة أحلامه.