مثلما كان التناقض بين الإخوان والسلفيين مفاجأة المشهد المصري خلال العام الماضي وانقلاب التحالف بين الجانبين إلي صراع كان التناقض بين رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وحليفه فتح الله كولن مفاجأة المشهد التركي خلال العام الحالي.. مما طرح أسئلة وتوقعات كثيرة حول مستقبل حكم أردوغان بعد أن وصل التناقض بين الجانبين ايضا إلي صراع واتهامات متبادلة. وفتح الله كولن هو رائد مدرسة ما يسمي بحركة الإسلام الاجتماعي في تركيا.. بدأ نشاطه صوفياً واتجه إلي العمل الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والدعوي بعيداً عن السياسة.. وأنشأ منذ عام 1941 سلسلة من المدارس الخاصة والمعاهد التي تعني بالعلم الحديث والتربية الإسلامية كما أنشأ العديد من المؤسسات الاقتصادية والشركات وجذب الكثير من رجال الأعمال إليه لدعم أنشطته التي امتدت من تركيا إلي ألمانياوأمريكا والعديد من الدول.. وهو يعيش منذ 1999 في منفي اختياري بولاية بنسلفانيا الأمريكية ويقوم بأنشطة دعوية هائلة هناك.. وقد ظل حليفاً لأردوغان وحزبه حتي تفجر الصراع بينهما مما رده البعض إلي التنافس ورده البعض الآخر إلي التناقض المنهجي بين الحزب السياسي وحركة العمل الاجتماعي. وقد بلغ الصراع ذروته عندما حاول أنصار كولن إسقاط رئيس جهاز المخابرات الذي يعد أحد المقربين المخلصين لأردوغان إلا أن أردوغان أوقف هذه الخطوة من خلال تمرير تشريع جديد.. ثم بدأ يحاصر حركة كولن من خلال محاولات لإغلاق شبكة مدارسها وإقصاء العديد من أنصارها في جهازي الشرطة والقضاء. وفي موجات التصعيد اتهم أردوغان ايضا أنصار حركةپكولن بأنهم أداة في يد الإسرائيليين والغرب.. بينما يوجه أنصار كولن اتهاماً لأردوغان وحزبه بأنهم يمثلون ممراً للنفوذ الإيراني وينقلبون علي الديمقراطية. هل هناك تشابه بين هذه المعركة في تركيا ومعركة الإخوان وحزب النور في مصر؟؟ وكانت حركة كولن قد دخلت في توافق كبير مع حزب أردوغان "العدالة والتنمية" ودعمته انتخابياً وإعلامياً وسياسياً.. ودافعت عنه بقوة في مواجهة التيار العلماني المتطرف والدولة العميقة.. ونجح تحالف كولن وأردوغان في جذب مجموعة من الليبراليين ورجال الأعمال الذين توافقت مصالحهم مع الرؤية الليبرالية التي طرحها أردوغان عندما أعلن التخلي عن إقامة دولة إسلامية ورفض فرض الإسلام عبر السلطة السياسية والسعي للانضمام إلي الاتحاد الأوروبي. والآن.. يقول أنصار حركة كولن إن أردوغان تحول خلال الأعوام الماضية إلي النهج الديكتاتوري بدلاً من تعزيز الممارسة الديمقراطية وبدأت تتشكل حوله شبكات فساد وانحرف عن الاتجاه الإصلاحي.. وعلي الصعيد الخارجي تحول في أولوياته من المجال الأوروبي والآسيوي إلي الشرق الأوسط وتورط في مواقف وسياسات مؤيدة للإسلاميين خلقت أعداء لتركيا في المنطقة وأضرت بمصالحها دون تحقيق نتائج استراتيجية واقعية.. وفتح النار علي إسرائيل من دون أن تمتلك تركيا القوة القادرة علي تحقيق التوازن معها. وتخشي حركة كولن من أن تؤثر سياسات أردوغان الداخلية والخارجية علي نشاطها ومشروعها الذي تسير فيه بهدوء عبر القوة الناعمة: الثقافة والتعليم والاقتصاد والإعلام.. وذلك لأن المواجهات المبكرة التي دخل فيها أردوغان ربما تدمر هذه الجهود وتضر بها. علي الجانب الآخر يري أنصار أردوغان أن الصراع لا يرتبط بخلافات حول الأجندة أو المنهج.. بل علي النفوذ.. فحركة كولن أصبحت كبيرة وواسعة وتريد أن تضع حزب أردوغان تحت جناحها.. في حين يري أردوغان نفسه اليوم زعيماً تاريخياً أكبر من الحزب والحركة معاً.. وليس مستبعداً أن يكون لإسرائيل واللوبي الصهيوني المؤيد لها في أمريكا دور في إثارة الصراع.. ويشار في هذا الصدد إلي لقاءات تمت بين كولن في منفاه بأمريكا وسياسيين ورجال أعمال أتراك مناوئين لأردوغان.. فالطبخة إذن خارجية والتنفيذ داخلي. والحاصل اليوم أن كولن - البراجماتي الطيب - يعيد ترتيب تحالفاته مع الأحزاب العلمانية المعارضة لحكومة أردوغان.. ويبني حساباته علي قراءة جديدة للواقع الخارجي والداخلي وتقدير حجم القوة والنفوذ لحركته وإمكانياتها وإحساسه بأن نجم أردوغان بدأ في الأفول وأن اللحظة قد حانت ليصبح هو الممثل المفضل والمقبول للتيار الإسلامي.. وتكون المعادلة: يسقط أردوغان ويحيا كولن.. يسقط الإسلام السياسي ويحيا الإسلام الاجتماعي. مرة أخري: هل هناك تشابه بين هذه المعركة في تركيا ومعركة الإخوان وحزب النور في مصر؟!