جدد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل دعوته للرئيس عبد الفتاح السيسي إلي الثورة علي نظامه, مشيرا إلي أن بناء نظام جديد هو الأولوية الأولي الآن أمام الرئيس, وقال هيكل إن بناء النظام الجديد يعني إنشاء نظام يتفق مع سياساته وتوجهاته ولا يعني هدم مؤسسات وأجهزة الحكم, مشيرا إلي أن من نفذ سياسات عبد الناصر في الحرب, هو نفسه من نفذ سياسات السادات في السلام.ودعا هيكل الرئيس السيسي إلي بناء حزب سياسي أو جبهة وطنية أو تحالف, من أجل ترجمة أفكاره السياسية, علي نحو فاعل ومنظم, مشيرا إلي أنه إذا لم يكن بوسعه بناء حزب, فلابد من أن يكون هناك تحالف يسانده, وقال هيكل إن الأولوية الأولي أمام الرئيس هي أن يبني نظامه, ثم يحدد رؤيته, والثالثة أن يحدد ما يستطيع وما لا يستطيع, وأن يضع جدول أعماله في ضوء تلك الأولويات, استنادا علي الإمكانات المصرية وهي كبيرة جدا, وطالب هيكل الرئيس بأن يفتح الباب امام الشباب, مشيرا إلي ضرورة أن يتنحي عن المشهد كل من تجاوز السبعين من عمره. وأضاف هيكل: إن قضية الأوطان دائمة, ومن ثم فهي يجب ألا تظل معلقة برجل واحد, ولا حتي بنظام واحد, مشددا علي ضرورة أن تظل الأفكار السياسية فاعلة في الحاضر وقادرة علي المستقبل. وكان الكاتب الكبير يتحدث ليلة أمس لفضائية سي بي سي, في الحلقة الثانية من سلسلة حواراته مع الإعلامية لميس الحديدي, تحت عنوان2015 عام الحقيقة, عندما وصف الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنه رجل في مواجهة مخاطر كبيرة وأمام ظروف شديدة التعقيد, مشيرا إلي أنه يشبه إلي حد كبير الرئيس الأمريكي أيزنهاور الذي جاء إلي كرسي الحكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية, في ظروف صعبة, وقال هيكل إن أيزنهاور كان لديه نظام وكان لديه حزبه الجمهوري, وهو من أعطاه وزارته وأعطاه التوجيه السياسي, وهذه هي فكرة النظام السياسي الذي يملي وفقا للإرادة الشعبية التوجيه السياسي, ومن ثم فقد أصبح واجبا علي الرئيس السيسي أن يبني نظامه, وأن يفرز القوي وينشئ تحالفه, وأن يضع خططا وتصورات للمستقبل, ويستعمل قوة مصر التاريخية بأكثر من إمكانتها البادية علي السطح. وقال هيكل إن أيزنهاور قاد الولاياتالمتحدةالأمريكية, بطريقة مختلفة, ليس كقائد في ميدان قتال, وإنما كقائد سياسي, له مواصفات سياسية توافقية, فقد كانت أمريكا بحاجة إلي رجل يستطيع أن يروض وحوشا, وأن ينقل بلاده لوضع طبيعي ويوقف بعض النزيف, وفي نفس الوقت يوقف خطرا عقائديا كبيرا تمثل في المكارثية, التي كانت إحدي تجليات الإرهاب الفكري الذي كاد أن يقضي علي كل شيء في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأضاف هيكل: الرئيس السيسي به مواصفات كثيرة من ذلك, كما أن مصر تعيش أجواء مشابهة, فهي تعاني من مكارثية, لا تتوقف عند حد أفكار جماعة الإخوان, لكنها تمتد إلي التخوين والتكفير, وقال هيكل: هذه المكارثية تتجسد عندما نشاهد الإعلام, ونتابع كل الشتائم الموجودة في الصحف من كل القوي. وجدد الكاتب الكبير تحذيراته من وصفهم ب قوي في الداخل والخارج وفي الإقليم, تختبر الخطوط المصرية وتبحث عن نقاط الضعف فيها, حتي تتمكن من أن تخترق منها وتطوق وتفرض ما تشاء, وقال هيكل إن السيسي بما يواجهه, يستحق أن يقف كل الناس خلفه, وعندما قلت إنه يحتاج لثورة علي نظامه, كنت اقصد النظام الموجود الذي وجده ويكمل معه, مشيرا إلي أن الخلل الموجود أو الناشئ, يتمثل في أن السيسي لم تمنحه الفرصة والظروف, الوقت الكافي لكي ينشئ إدارته السياسية, وأضاف هيكل: كل رئيس يأتي أو كل فصيل سياسي يأتي إلي الحكم, يعلن توجهاته ويأتي برجاله ومن يمثل فكره, كما عبرت عنها الجماهير في الانتخابات الحرة. ولفت هيكل إلي ما تابعه علي مدار حياته من عمليات انتقال للسلطة في مصر, بدءا من انتقالها من الملك فاروق إلي سلطة ثورة23 يوليو, ومن محمد نجيب إلي الرئيس عبد الناصر, ثم انتقالها من عبد الناصر إلي السادات, ثم إلي مبارك ثم إلي المجلس العسكري ثم إلي الإخوان, ثم إلي30 يونيو والسيسي. وقال: عاصرت سبعة انتقالات, وشاهدت كيف أن كل انتقال للسلطة يصاحبه دائما صراع علي الرئيس من كل القوي التي تحاول الاقتراب منه, لكي تؤثر في قراره, سواء من الحكم أو من خارج الحكم, لكن الآن هناك قوي كثيرة جدا. ولفت هيكل إلي صراع الأجهزة في مصر, مشيرا إلي أن كل جهاز بات يحاول سواء بالترغيب أو التخويف أو الضغط أو التأثير, أن يحتل مساحة كبيرة من صنع القرار, وهذا طبيعي في كل مكان في الدنيا, وأضاف: هذا الصراع موجود دائما علي مركز القوة, من قوي تريد أن تؤكد أن لها دورا في المستقبل, سواء تمثلت هذه القوي في الأحزاب أو جماعات الضغط أو جماعات المصالح, لكن هناك شيئا ننساه دوما, وهو أنه لا يمكن أن تقوم معارضة إلا إذا مثلت البديل وقال هيكل إن كل ما نراه الآن ليس معارضات, مشيرا إلي أن المعارضة تقول إن القائم الآن غير حقيقي وأن لديها ما تقدمه, بينما الشيء الوحيد الذي يمكن نعته بالمعارضة الآن, هو الإخوان, وهي بالشكل الذي نراه الآن. وقال هيكل إن هناك أناسا في مصر, تري أن لديها الطموح لكي تؤثر, لكنها لا تملك الوسائل الذاتية لكي تحدث شيئا في الساحة, لذا فإنها تعتمد علي أن تقاوم وتحدث المشاكل, حتي لو أدي الأمر إلي الاعتماد علي بيت الشعر الذي يقول إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر, وهي العدمية بعينها في السياسة. وأوضح الكاتب الكبير أن مصر لا تمتلك ما يمكن وصفه ب اللوبي لكنها تملك فلولا أي بقايا قوي, داعيا الرئيس السيسي إلي التعامل مع بقايا هذه القوي, ولو علي طريقة ال بيالا وهي وجبة إسبانية تقوم علي بقايا الأكلات, وقال هيكل: هناك بقايا صالحة وأخري عفنة, وأنا أعتقد أن السيسي لن يستطيع أن يخترع سياسة من أول وجديد, ولا أن يستورد عناصر جديدة من الخارج, وإنما عليه أن يختار وأن يفرز, وأن يأخذ العناصر الصالحة للأكل. ووصف هيكل طبيعة الظروف الموجودة في مصر الآن بأنها لا ترضي قوي كثيرة في العالم وفي الإقليم, وفي مصر أيضا, مشيرا إلي أن السبب في ذلك هو أن هذه القوي تري أن السيسي قد ينتقل بمصر إلي المستقبل, عبر جسر عبور, بينما هم لا يريدون لهذا البلد أن ينتقل, وإنما أن يعوم فقط ولا يغرق. وقال هيكل إن الأمريكان يقبلون السيسي علي مضض, ليس لشيء إلا لأنه معارض لمشروعهم, لكنهم في النهاية يقبلونه كأمر واقع, وأضاف: الأمريكان كان لديهم مخطط, وسواء قصد أم لم يقصد, فقد أفشل مخططهم بإزاحة الإخوان, وهو مخطط أكبر بكثير جدا من مصر, والدول الكبري حتي وإن تغيرت الأمور فهي لا تتخلي عن مشروعات تعتبرها استراتيجيات, وهي في ذلك إذا تلقت صدمة تمتصها ثم تواصل. وتابع هيكل: إنه إذا كان البطل هو روح التاريخ, فقد عاشت مصر مرحلة لا بطل فيها ولا شهيد, وأتحدث هنا عن الثلاثين عاما العجاف, التي أسفرت عن ضحايا, لكن لا بطل ولا شهيد, مشيرا إلي أن مصر باتت في حاجة الآن إلي مقاتل, وأري أن الظروف وضعت هذا الرجل في هذا المكان, لذا فإننا لا نحتمل أن يفشل, وقال هيكل إن مصر بلد تقاتل في معركة مصير, مشيرا إلي أن مصير الأمة في هذه اللحظة, ومصير البلد نفسها, ومصائر ومقادير كثيرة تتقرر الآن, وإذا لم نع ذلك فسوف نفقد أشياء كثيرة جدا. وأضاف هيكل: المشكلة أننا وسط هذا الخراب في الوطن العربي, وبينما الاهتمام العالمي يتجه صوب الشمال, لازلنا نتحرك إلي الوراء بمشاكلنا وقضايانا وخلافاتنا, وبعد أن كان مركز الاهتمام والثقل هو البحر الأبيض ثم قناة السويس, ذهب صوب آسيا, وقال هيكل: أليس غريبا أن يدخل الوطن العربي طرفا في معركتين, الأولي معركة الجهاد ضد الإلحاد في أفغانستان, وقد انتهينا وقد ضاع منا صديق من أهم الأصدقاء وهو الاتحاد السوفيتي, وما أن انتهينا من معركتنا ضد الإلحاد, حتي دخلنا في معركة ضد الإرهاب, لأن ما حدث في الإلحاد رد علينا بدولة للإرهاب علي الأرض. وعرج هيكل علي الأزمة المصرية القطرية, وإمكانات المصالحة, مشيرا إلي أنه يشعر بأن التاريخ المصري كله يستهان به, عند الحديث عن أن قطر باتت تمثل خطرا علي البلاد, وقال هيكل: أنا أحترم الناس كلها, لكن عندما يقول أحد إن قطر من الممكن أن تهدد مصر, فإننا يجب ألا نخبئ وجوهنا خجلا, وروي هيكل قصة لقاء جمعة أثناء فترة حكم المجلس العسكري لمصر عقب ثورة يناير, مع المشير حسين طنطاوي, وأضاف: قلت للمشير إن كل بلد له ثلاث سيادات, سيادة علي أرضه, وسيادة علي جوه, وسيادة علي المياه البحرية, والآن هناك سيادة فضائية, وما يحدث من الجزيرة هو اختراق لسيادة مصر الفضائية, ولم يفعل أحد شيئا. وأضاف هيكل: المشكلة الكبري هي ما أصاب القوي الناعمة, والدور المصري من خسارة, وقد قال لي الشيخ حمد ذات مرة: لو أن مصر في مكانها لما جرأ أحد منا أن يفتح فاه.