يبدو أن( فلسطين) أصبحت الأشهر عالميا لمن أراد أن يطالع تاريخ المآسي والنكبات الإنسانية, كما أنها اختزلت تاريخ الأحزان حتي أصبحت دمعة حارقة اكتوت بها أجيال العرب ولايزالون , فما تسارع قوانين( أحفاد السامري) ضد أصحاب الحقوق سوي إشارة صريحة أو ترجمة فورية لحالة العرب خاصة وقد أدمنوا التواكل وتصديق المزاعم والأباطيل الأممية, حتي أدركت الأجيال أن الهزيمة هي القول الفصل في كل مشاوير التفاوض والمؤتمرات والمساعي لأقدم قضية إنسانية في العصر الحديث فمن منا لا يتذكر ولا ينكر أيضا أن ما عشناه في عصر الزعامات الذي رسخ في نفوسنا أننا قادرون- بامتياز- علي إزالة إسرائيل ومن وراء إسرائيل, ثم دارت دورة الفلك فأدركنا تركة الأكاذيب والأباطيل التي عشنا سرابها و أوهام النصر الذي سرعان ما أصبح انتكاسة افقدتنا- كعرب- الأرض التي سرعان ما أوصلت( شذاذ الخلائق) إلي التمهيد لإعلان تهويد الأقصي و المقدسات, وأن القدس الشريف( أورشليم) عاصمتهم الأبدية خاصة ونحن في ظل الأوهام والهزائم استطاعت( إسرائيل) إعداد وتنفيذ خطة محكمة لتغيير هوية القدس علي مدي عقد من الزمن(0102-0202), وبالفعل خلال سنوات أربعة(4102) دمرت أكثر من ألف منزل(0001) فلسطيني, أدي إلي تشريد أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني(0003), من القدسالشرقية علما بأن التدمير والتشريد يتم يوميا, والعالمان العربي والإسلامي يغطان في نوم عميق, وإن تراءي لهما بعض يقظة, فعلي صراعات خاصة لا علاقة لها بما يدور حولهما من الأساليب العملية التي تخبرنا منذ آماد أن مثل هذا القانون الخاص بتهويد الحجر والبشر, ليس مستغربا لمن يمتلك استنطاق الحوادث ولديه المقدرة علي إدراك قوانين السببية ثم استشراف القادم, ولكن هيهات هيهات أن نتبرأ من أوهام الماضي حيث( العنتريات) التي تصايحت بإلقاء إسرائيل ومن وراء إسرائيل في البحر..!!, وغيرها من حماسيات اللاواقع, فلعل قانون التهويد ثمار غرس غرسه العرب وهم في غفلة من أمرهم, فتهيأت السبل لهذا الكيان, فاستثمرها لصالح التهويد الذي يطرح الوجود العربي الإسلامي والمسيحي في وطن السلام ويقذفه خارج التاريخ, خاصة وأن الكنيست الإسرائيلي في3002/7/61 قد صوت علي قرار بضرورة تعميق فكرة يهودية الدولة وتعميمها علي دول العالم, ثم أعقبه بمشروع تهويد منطقة الخليل, ثم مشروع نجمة داوود, وهكذا تتابعت خطوات القانون ومحطات الوصول إلي التهويد, ونحن العرب خارج حدود الجغرافيا حسبنا ما فرضته الأنظمة من أفاعيل أرهقت الشعوب العربية, فتراكمت الهموم حتي انزوت قضية القضايا أو ارتحلت من أفهام الناشئة ونفوس العرب والمسلمين, وخفت ضؤوها من مناهج التعليم وأصبحت قضية الأمر الواقع, لكن يظل الأخطر في نهاية الدرب أن التهويد يعني القضاء علي ديموجرافية المكان إذ أن تكاثر النسل الفلسطيني يؤرق( إسرائيل), ثم يعني- أي القانون- طرد ماتبقي من أهل الأرض لأن وجودهم- حينذاك- يتعارض مع يهودية الدولة, وفات صاحب القرار أنه بصيغة التهويد قد أكد للعالم أجمع عنصرية هذا الكيان, وأن هذا القرار بالنسبة للعرب لا يقل خطرا عما زعموه من محارق النازي, ثم سرعان ما طمسوا تاريخهم الأعجب في التاريخ لأنهم يطردون أصحاب الأرض مثلما حدث مع يهود العالم عندما رفعت أوروبا بأسرها شعار: أيها اليهود اخرجوا من بلادنا, علما بأنهم ليسوا أصحاب أرض..!! إننا أمام جغرافية عربية غير مسبوقة, فهي جغرافية الامتحان الأخطر في حياة زعماء العرب وهم يشاهدون العالم العربي الكبير, أقصد الذي كان كبيرا, تتهاوي أركانه تمهيدا لأن يكون- لاقدر الله- العالم العربي القزم, أو الذي كان..!! أفيقوا أيها العرب: إن قانون يهودية وطن السلام ليس جديدا, لأنه منذ سنوات خلت و(إسرائيل) تحقق علي الأرض تنفيذ مراحله, ولم يبق سوي التصويت عليه للإعلان الرسمي فحسب..!! وبعد: والظاهرة التي لم يكن في وسع الشرقيين إدراكها إذ ذاك, هي: أن تحمس الأوروبي للشرق وغيرته المزعومة علي تقاليده وإعجابه بعاداته وتشجيعه أهله علي حمايتها وتقديسها والاحتفاظ بها, إنما كان باعثها الخوف علي نفسه والإشراف علي المستقبل البعيد والشعور الخفي أن لابد من حبس هؤلاء الشرقيين في سجن ماضيهم, وتحبيب هذا السجن إلي نفوسهم وتزيين لهم, خشية أن تنفتح أبصارهم علي الحياة الأوروبية الأخري فتأخذ عقولهم في المفاضلة بينها وبين حياتهم فتحس الهوة السحيقة التي ترتطم فيها, فتنزع إلي الإصلاح و التجديد والثورة فليسائل الشرقي: أين هو في نفسه, وأين هو في أمته, وأين أمته في العالم؟