رغم أنني قضيت وقتا طويلا وأنا أتجول علي قدمي في شوارع القدس القديمة لأكتشف بنفسي ماطرأ عليها من تغييرات بسبب الأنشطة الاستيطانية خلال السنوات ال45 التي مرت منذ احتلال الإسرائيليين لها . في الخامس من يونيو عام1967 وانتهي بي المطاف بزيارة متحف الآثار الإسلامية بالقدس وهو المتحف المجاور للمسجد الأقصي المبارك إلا ان هذه الجولات الميدانية لم تكن أبدا كافية لتجعلني أتجاهل لقاء السيد خليل التفكجي مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية فهذا الرجل يحمل علي كتفه تاريخ المدينة المقدسة ويمنحه راضيا لمن يريد مادام الهدف هو تذكير العالم بالحقيقة. وكانت خلاصة جولتي الميدانية بزهرة المدائن وقبل أن أذهب بأسئلتي المشروعة للسيد خليل التفكجي أنني أصبحت شبه موقن بأن قطار التهويد أسرع من ان نتمكن من إيقافه, فالفارق شاسع بين الوجود اليهودي بالبلدة القديمة عندما رأيته في زيارتي الأولي عام2005 وما رأيته في زيارتي الأخيرة في الذكري الخامسة والأربعين للنكسة فالوجود العربي ينحسر لصالح الاستيطان متأثرا بالضربات الموجعة التي يتعرض لها وذلك رغم أن مارأيته من آثار في متحف المدينة ينفي المزاعم بأن هيكل سليمان كان موجودا بها فكل العصور تركت بصماتها إلا فترة الحكم الإسرائيلي المزعوم. في البداية سألت السيد خليل التفكجي: هل بالفعل اكتشفت سلطات الاحتلال آثارا يهودية تعود إلي زمن هيكل سليمان في البلدة القديمة بالقدس والتي يوجد بها المسجد الأقصي وقبة الصخرة ؟ { منذ احتلال البلدة القديمة بالقدس حاولت إسرائيل وضع بصمات يهودية بالمكان, لتغيير المشهد المكاني وتتالت عمليات الاستيلاء علي البيوت والمنازل باستخدام القوانين المختلفة لتنفيذ سياسة الخطوة خطوة باقتلاع الفلسطينيين من بيوتهم والاستيلاء عليها. ثم بدأت سياسة شارون بالامتداد نحو الحي الإسلامي, وتبعه الاستيلاء علي بيوت الحي المسيحي والذي كان بدايته عام1991 ضمن مخطط مرسوم للجمعيات الاستيطانية بإقامة ممرات آمنة لإحداث تغيير جغرافي وديموجرافي للصالح اليهودي بالبلدة القديمة لكن حتي الآن لم يكتشف الإسرائيليون آثارا يهودية قديمة بالبلدة. ماذا عن النشاط الاقتصادي في البلدة القديمة والذي لاحظت تراجعه ؟ { بعد أن تمت محاصرة القدس العربية من جميع الجهات بالمستعمرات, ومصادرة35% من مساحة القدس, وإسكان الآلاف من المستوطنين بدأت المرحلة الثانية من التهويد وهي ضرب العصب الاقتصادي الفلسطيني وذلك بالإعلان عن مخطط جديد لمركز المدينة لتقييد النشاط التجاري بطمس التجارة والصناعة في المدينة العربية. ونقل النشاط الاقتصادي من مركز المدينة( القدسالشرقية) الي غربها ووجهت الضربة الأخيرة بإقامة الجدار الذي فصل القدس عن باقي مدن الضفة الغربية. هل نجح الإسرائيليون في تنفيذ مخططاتهم بتهويد القدس ؟ { الاستيطان في القدس مستمر ضمن استراتيجية واضحة تماما و تستند الي عنصرين: أولهما: السيطرة علي الأرض الجغرافيا. وثانيهما: تقليص نسبة السكان العرب الي22% من اجمالي عدد السكان الموجودين داخل حدود بلدية القدس. وعلي هذا الاساس بدأت السياسة الاسرائيلية بالسيطرة علي الارض وكانت النتيجة أنه في العام الحالي عام2012 أصبح87% من مساحة القدسالشرقية البالغة72 كم2 تحت السيطرة الاسرائيلية المباشرة وغير المباشرة. وماذا عن سكان القدس ؟ { بقيت قضية السكان والتي تعتبر اكثر خطورة من قضية الارض وعلي هذا الاساس بدأت سياسة إسرائيل تجاه السكان بانقاص اعدادهم وذلك بثلاث طرق: أ. سحب الهويات: منذ عام1967 وحتي2012 تم سحب هويات(70 الف فرد) علي اعتبار ان سكان القدس ليسوا مواطنين بل مقيمون. ب. هدم المنازل وتشريد السكان: ومنذ عام1994 وحتي عام2012 تم هدم1100 بناية سكن. ج. جدار الفصل العنصري: بسببه خرج أكثر من125 ألف فلسطيني من القدس. ماهي القوانين والأنظمة التي اتبعت في تهويد القدس ؟ { اتبعت إسرائيل مايلي لتهويد القدس مصادرة الأراضي: استخدمت السلطات الإسرائيلية قوانين المصادرة للمصلحة العامة من اجل إقامة المستعمرات عليها و تمت مصادرة24 كم2, وما يعادل35% من مساحة القدسالشرقية, أنشئت عليها(15) مستعمرة إسرائيلية وشيدت60 ألف وحدة سكنية. قوانين التنظيم والبناء: استخدمت السلطات الإسرائيلية قوانين التنظيم والبناء,للحد من النمو العمراني بإغلاق مناطق حول البلدة القديمة بإعلانها مناطق خضراء يمنع البناء عليها. مما جعل40% من مساحة القدسالشرقية مناطق خضراء واعتبرت مناطق احتياط استراتيجي لبناء مستوطنات عليها كذلك تم تحديد مستوي البناء, فبالنسبة إلي الفلسطيني لا يسمح له بالبناء في أكثر من75% من مساحة الأرض, بينما يسمح لليهود بالبناء علي100% من المساحة. كما تم وضع العراقيل الكبيرة أمام رخص البناء والتكاليف الباهظة التي تصل إلي30 ألف دولار للرخصة الواحدة. قانون الغائبين: جرت مصادرة الأراضي بموجب قانون أملاك الغائبين لسنة1950. وهذا القانون ينص علي أن كل شخص كان خارج دولة إسرائيل أثناء عملية الإحصاء التي أجرتها إسرائيل عام1967, فإن أملاكه تنقل إلي القيم علي أملاك الغائبين. ويحق للقيم البيع والتأجير مصادرة الهويات: تنظر إسرائيل إلي المواطنين الفلسطينيين في القدس علي أنهم مواطنون أردنيون يعيشون في دولة إسرائيل, وذلك طبقا للقوانين التي فرضتها علي مدينة القدس, حيث أعلنت في الأيام الأولي للإحتلال سنة1967 منع التجول, وأجرت إحصاء للفلسطينيين هناك بتاريخ1967/6/26, واعتبرت أن جداول هذا الإحصاء هي الحكم الأساس لإعطاء بطاقة الإقامة للفلسطينيين في القدس باعتبار جميع الفلسطينيين المقيمين في القدس قد دخلوا إلي إسرائيل بطريقة غير شرعية في الخامس من يونيو, ثم سمح لهم بالإقامة في القدس كلفتة إنسانية في دولة إسرائيل.