يلحظ المتابع لأحوال الإعلام المصري العجب العجاب, فهو إعلام يبحث فقط عن الإثارة ولفت أنظار المشاهدين لتحقيق أعلي معدل للمشاهدة, بصرف النظر عن محتوي المادة الإعلامية و علام تهدف, فالساحة الإعلامية حافلة بالقنوات الفضائية الخاصة, وهي بالتالي بها العديد من البرامج الحوارية أو برامج التوك شو كما يسمونها, وكلها لاهم لها سوي البحث عن المثير من الأخبار والحوادث, وإن لم يكن هناك خبر مثير فلا مانع من جعله مثيرا بالتطويل من ساعات بثه والزيادة والإعادة والإطناب, بلا أي مبرر سوي أن يجعل من الحبة قبة كما يقولون في الأمثال, فنحن نري حادثا مروريا عاديا قد يحدث كل يوم وفي كل بلاد العالم, أو حادث تعرض له أحد التلاميذ بمدرسة ما, أو انهيار مبني سكني, نراه وقد تحول لموضوع الساعة وفردت له ساعات وساعات من البث ببرامج التوك شو, واستدعاء الخبراء والمحللين من كل حدب وصوب لتحليله, وبالطبع الأمر لا يخلو أبدا من فتح جلسات المناحة والبكاء واللطم والعويل علي الضحايا من مقدم البرنامج أو من أهالي الضحية أو المصاب, وكأن الدنيا ليس بها سوي المأسي والفواجع أو وكأن مصر لم يعد بها سوي المصائب, وبزعم أن هذا إعلام حر يبحث عن الحقيقة لكشفها لضمان عدم تكرارها, دون أن يضع في اعتباره أي آثار أو نتائج أخري لهذا اللت والعجن والتضخيم والتهويل. بلادنا فيها أشياء جميلة كثيرة, وبها جهد ونجاحات عدة, وبها أيضا إنجاز علي صعيد حل المشاكل, فلماذا لاتتم الإشارة إليها, لماذا لا نعطي للناس بصيصا من أمل أو لمسة تفاؤل, ما أحوجنا في هذه المرحلة لإعلام تنموي, فهو يستطيع أن يحقق كثيرا من الأهداف التي نحتاج اليها الآن, ومنها تحفيز المواطنين علي المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية, وبث الشعور بالمسئولية الوطنية والاجتماعية لدي القراء والمستمعين والمشاهدين والمسئولين, وتعريف الجمهور وتحديدا الشباب بالفرص الجديدة في مجالات الاستثمار والعمل والانتاج, ونشر الوعي والثقافة المسئولة والصديقة للتنمية وللتغيير الايجابي في المجتمع وتحديدا وسط الشباب والمساهمة في تغيير الاتجاهات بشكل ايجابي ومحاربة الاتجاهات السلبية في السلوك العام للأفراد. الي جانب تعزيز مكانة المال العام والمرافق العامة وتنمية شعور ايجابي لدي المواطنين نحوها ينعكس في سلوكهم وحياتهم اليومية, والشعور بالالتزام بالقوانين والأنظمة وتحفيز المواطنين علي اتباعها, ونشر ثقافة النجاح وتعميمها وسط المواطنين, من خلال التعريف بقصص النجاح وبنماذج القدوة. لكن نظرية الجن والجنس واللطم علي الخدود لن تفيد الآن. ما أحوجنا لميثاق شرف إعلامي يوضح مسئوليات الإعلام في هذه المرحلة... ميثاق ملزم لكل إعلامي سواء أكان عاملا فيه أو صاحب قناة أو صحيفة, فنحن نحتاج إلي البناء وليس الهدم.