هل الإسلام ضد العقل؟! هل الدين خاضع للتطور مثل باقى مظاهر الحياة؟! هل الدين اختراع عقلى وصناعة بشرية؟! هل يصلح العقل بديلاً عن الدين (الإسلام)؟! المرجعية الدينية، تكون للعقل أم لخالق العقل؟ هل الإسلام ضد العلم؟ أولاً: من المهم أن نؤكد أن الإسلام عَظّم من قيمة العقل وعدَّه من أهم النعم التى أنعم الله بها على الإنسان، ولقد أولى الإسلام اهتمامًا خاصًّا بنعمة العقل ، سواء من حيث العناية بها والمحافظة عليها، أو من حيث توجيهها وإرشادها إلى ما يفيد. فمن ناحية المحافظة عليها: حرّم الإسلام كلَّ ما يضرُّ بها أو يمسها بسوء، مثل شرب الخمر، والمخدرات، والمسكرات، وفى هذا لون من الاهتمام والعناية بنعمة العقل. ومن ناحية توجيهها فقد جاء القرآن الكريم هاديًا للعقل لكى لا يضل ، وبخاصة فى مسائل ما وراء الطبيعة من أمور الغيب التى تعجز وسائل الإدراك البشرى عن التعامل معها أو بحثها. ومن تعظيم الإسلام لنعمة العقل أن جعله مناط التكليف والخطاب ، ولك أن تتأمل عشرات الآيات التى بها دعوة صريحة لإعمال العقل فى فهم ما كُلِّف به ، وفيما خلق الله من مخلوقات لترى فيها دليلاً على قدرة الخالق، ومن ذلك قوله تعالي: «إِنَّ فى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِى الأَلْبَابِ.» إلى أن قال: «وَيَتَفَكَّرُونَ فى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.» آل عمران/191. وكثيرًا ما يرد فى القرآن الكريم: «أَفَلا يَتَدَبَّرُون» .. «أَفَلا يَعْقِلُونَ» ونحو ذلك. بل إن المتدبِّر للقرآن يرى أن القرآن معجزة عقلية تخاطبه وتقنعه، وليس معجزة حسية: كعصا موسى، أو ناقة صالح، أو نار إبراهيم. إلخ. مسائل الغيب فى نظر المنهج العلمى : إذا كان الإسلام قد أطلق العنان للعقل فى مسائل الماديات فى كل ما يخضع للتجربة، فإن مسائل الغيب لم يجعلها الإسلام مجالاً للبحث العقلى، لأن أدوات البحث حينئذٍ غير كافية. ناقصة. وبالتالى ستكون النتائج غير صحيحة ومضلِّلة. ولا تقبل فى مجال البحث العلمى. أطروحة بحث عن أحوال الملائكة بالليل وبالنهار، ولا عن أحوال الجن فى الصيف والشتاء.، ولا عن خصائص ثمار الجنة. إلخ، لأنه لا يمكن الدخول بمفردات هذه البحوث إلى المعمل. والعلم نفسه يعترف بأن مسائل الغيب ليست موضوعًا للبحث العلمى، وتزيد هذه الحقيقة تأكيدًا تجربة البشرية فى بحثها الدائب فى مسائل ما وراء الطبيعة. إن البشرية دائمة الاختلاف حول مسائل الغيب والأخلاق، واجتهدت البشرية للوصول إلى ميزان يفصل بين الحق والباطل. واختلفت ولا يزال الاختلاف إلى اليوم بين الفلاسفة فى مسائل الأخلاق، وفى التمييز بين الحق والباطل، وتقوم أدلة عقلية لرأى ما وتهدمها أدلة عقلية أخرى. وهكذا. حتى من زعم أنه اخترع مقياسًا للفصل بين الحق والباطل، فإن التجربة هدمت آراءه، ولنأخذ على ذلك مثلاً: "ديكارت" لقد زعم أنه اخترع منهجًا يفصل بين الخطأ والصواب، وتهاوى منهج ديكارت وهدمت التجربة آراءه فى الجانب المادى، وأما آراؤه المعنوية فقد خالفه فيها أساطين الفكر والفلسفة، وبقيت مسائل ما وراء الطبيعة (الغيب) ظنية واحتدم الخلاف فيها. إن الحضارة المادية مدينة للعقل البشري، فللعقل فى جانب المادة أن يبتكر. وأن يخترع. وأن يجرب. فهذا مجاله، أما مسائل ما وراء الطبيعة (الغيب) فالعقل يعجز عن الوصول لليقين فيها. ومن هنا جعل الله الدين هاديًا للعقل ومرشدًا له فى أمور الغيب ومسائل الأخلاق والتشريع. وعلى العقل أن يجتهد فى أداء دوره فى فهم رسالة الله إليه ، والوعى بما فيها، وهذا مقام التسليم، التسليم للأعلم ولصاحب القدرة التى لا حدَّ لها، وإن كان أحدنا يسلم أمره لمن هو أكثر منه علمًا وخبرة، فإذا سُئِل أحدنا: لماذا تأخذ هذا الدواء؟ يجيب: لأن الطبيب وصفه لى. فكيف بنا لا نسلم لله الخالق؟! العقل والغيب والإيمان: لما كانت مسائل الغيب فوق قدرة العقل، أمرنا الله بأن نؤمن بها، وإيماننا بها نابع من إيماننا بطلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى لا يستشير الإنسان ولا يحتكم إليه فى أى قاعدة من القواعد التى شرعها، فالله هو الكمال المطلق، كل الكمالات له، مُنَزَّهٌ عن النقص، ولا يتأتى عقلاً أن تحتكم الكمالات إلى الكائن المتصف بالنقص، وهو الإنسان!. لقد جاء الوحى هاديًا للعقل فى الأمور التى لا يتأتى للعقل أن يسلك سبلها أو يقتحم حماها، وهذه الميادين هى الدين، والدين ليس رأيًا بشريًّا، ليس اختراعًا عقليًّا ، إنما هو من الله، إنه تنزيل من حكيم حميد، ولو كان الدين بالعقل لأصبح الناس كل يوم فى دين جديد، بل لأصبح لكل فئة دين يناسب عقلها ومستواها الفكرى! أما الطبيعة والكون من أرض وفضاء وجبال وبحار، من كواكب وأقمار وشموس، من مادة وطاقة، فكل ذلك قد جعله الله مجالاً للعقل، وحثَّ العقل على أن يجتهد فى اكتشاف سنن الله الكونية وقوانين الطبيعة، ليرى صنع الله الذى أتقن كل شيء؛ ولكى يتأتى له أن ينتفع بكل ما سخر الله له فى السماء والأرض.