إن الشعار الذي آثره شيخ الأقصي علي كل شعار, وعمل به طوال حياته: إن الصخور تسد الطريق أمام الضعفاء, بينما يرتكز عليها الأقوياء, ليصلوا إلي القمة فأثبت بذلك أن الشعب الفلسطيني, هو العامل الحاسم في تحديد مصيره وليس هنا مجال تقصي حياة أسدنا العربي, ولكن هذا لايمنعنا من الوقوف عند أبرز أحداث حياته لننتقل بعد هذا إلي بيان الأسباب التي جعلت منه بطلا خالدا. اسمه رائد صلاح سليمان أبو شقره قدم جد هذه العائلة مصطفي من قرية زبدة بقضاء جنين, ونزل أولا قرية( كفرقرع)وسكن فيها وتزوج قبل نحو150 عاما, ثم غادرها إلي قرية( أم الفحم) وسكن حي المحاجنة. وقد ولد رائد في أم الفحم عام1958 م, وأنهي تعليمه الابتدائي والاعدادي والثانوي في مدارسها, ثم أكمل تعليمه الجامعي في كلية الشريعة بمدينة الخليل, وعقب تخرجه منها, أدخل السجن بتهمة الانضواء في منظمة أسرة الجهاد عام1977, وكان قد مارس نشاطه في مجال الدعوة الاسلامية, منذ أن كان في المرحلة الثانوية, وعلي أثر خروجه من السجن, فرضت عليه الاقامة الجبرية وفشلت محاولاته المتكررة للالتحاق بسلك التعليم من قبل وزارة المعارف فاضطر للعمل في المهن الحرة وأقام أسرته1985, وانتقل في العام الذي تلاه ليعمل محررا في مجلة( الصراط) الشهرية الاسلامية, واستمر فيها حتي1988 م. لكن رائد علي الرغم مما حز في قلبه من مرارة وقهر, لم يسمح يوما لليأس أن يتطرق إلي فؤاده.. وهذا بدوره جدير بأن يفسر لنا إقدامه علي خوض انتخابات رئاسة بلدية( أم الفحم) كبري المدن العربية داخل اسرائيل عام1989 عن الحركة الاسلامية, وأصبح رئيسا للبلدية وهو ابن31 عاما.. وفاز بهذا المنصب للمرة الثانية عام1993 وللمرة الثالثة عام1998 م. وفي كنف رئاسته للبلدية انقسمت الحركة الاسلامية داخل الخط الأخضر عام1996 م إلي قسمين الأول متشدد ويتزعمه الشيخ رائد صلاح, ويرفض بشدة التعاون مع إسرائيل أو إقامة علاقات معها, وقسم ثان يتزعمه الشيخ عبد الله درويش يؤثر السياسة اللينة في التعامل مع إسرائيل وفي هذه المواقف الخطيرة, تتجلي الزعامة الحقة, وتتولي القيادة عن جدارة وهكذا تقلد الشيخ منصب رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية ونائب رئيس لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب, وقد زاول تلك المناصب جمعاء في عمل متواصل وجهد دءوب وعطاء بلا حدود, لم يفكر يوما في نفسه كان همه الوحيد وشاغله الشاغل الحفاظ علي الهوية العربية الاسلامية لبلده فلسطين المغتصبة ومما له دلالة في هذا الشأن, أن نشاطه في الحفاظ علي المقدسات الاسلامية عامة, والمسجد الأقصي بوجه خاص منذ عام1996, من خلال جلب عشرات الآلاف من فلسطينيي عام1948 م الي الصلاة فيه عبر مشروع مسيرة البيارق, يعزي إلي الشيخ رائد, أنه أول من نبه إلي الأنفاق التي تحفر تحت المسجد الأقصي,ومن حينه جعل الأقصي همه الأول, وعلي رأس سلم أولوياته, وقد انتخب عام2000 م رئيسا لجمعية الأقصي لرعاية المقدسات الاسلامية,التي ساهمت بشكل فاعل في الدفاع عن المساجد كافة في أراضي فلسطين, ويأتي علي رأسها الأقصي, فقد حالفه وزملاؤه التوفيق في إعمار الأقصي وفتح بواباته العملاقة, واعمار المسجد المرواني,وتنظيف ساحات الأقصي وإضاءتها. ومن الثابت عن شيخ الأقصي, أنه كان شجاعا إلي حد مجابهة الخطر الذي يكاد يكون محققا, غير هياب ولامتردد, ويبدو ذلك من دوره الكبير في انتفاضة الأقصي في اكتوبر عام2000 م,فقد استطاع أن يحشد لها حوالي300 ألف فلسطيني, أي أن الهبة شملت25% من فلسطينيي الداخل1948, وفي هذه الظروف العصيبة وفي هذا الجو المكهرب, أصيب شيخ الأقصي بعيار ناري في رأسه, فأصبح اسمه صنو الجهاد الصادق والصمود والظفر, كما أصبح رائدا لأفواج من الزهرات الشذية الفوح,المعطرة الأرج, المغالين بأمتهم المعتزين بنبيهم الكريم, الفخورين بكتابهم العظيم, الواضعين أرواحهم علي أكفهم في سبيل تطهير أرضهم من دنس الغزاة المحتلين. وفي قمة العطاء, قدم شيخ الأقصي استقالته من بلدية( أم الفحم) عام2001 م, ليتفرغ لرفع شأن قضية القدس, في خطوة فاجأت الوسط العربي وهو في أوج عطائه خاصة أنه كان أول رئيس بلدية يقدم علي مثل هذه الخطوة, في الوقت الذي أشارت فيه جميع الاستطلاعات إلي أنه يستطيع الفوز بمنصبه لدورات قادمة, وإن دل هذا علي شئ, إنما يدل علي رمز الوطنية الصادقة والتضحية الغالية في سبيل الوطن, والوطنية في ذاتها صفة جديرة بالاعجاب والتمجيد, ولكن شيخ الأقصي يمثل عندنا ناحية أخري أجل وأعظم من الوطنية,وهي الايمان, الايمان الصادق الراسخ الذي ينبعث من القلب. وكل هذا وغيره من شأنه أن يضع هذا الأسد العربي في دائرة الحقد الصهيوني, فقد ذكرت صحيفة( يديعوت احرونوت) أوائل يناير2003 م, أن حكومة شارون تستعد لاعلان الحركة الاسلامية في مناطق1948 بزعامة رائد صلاح, خارجة عن القانون وكان عدد من الوزراء الاسرائيليين, قد اعتبروا شيخ الأقصي يشكل خطرا استراتيجيا علي دولة إسرائيل. وبالنتيجة تعرض للاعتقال في2003/5/13 م وأشرف علي عملية اعتقاله رئيس جهاز( الشاباك) ووزير الأمن الداخلي, والصقوا إليه تهمة تحويل أموال إلي أسر الشهداء ومنفذي عمليات المقاومة ضد الاحتلال. بيد أن ذلك لم يفت في عزيمة الشيخ الجبارة, وإقدامه الذي لايعترف بالصعاب والعقبات, وجده الذي لا إشفاق معه علي صحة ولاجهد, فساهم في إنشاء مشروع صندوق طفل الأقصي, الذي يهتم برعاية16 ألف طفل, وترأس مؤسسة الاغاثة الانسانية كما ساهم في تنظيم المسابقة العالمية بيت المقدس في خطر التي تجري أعمالها سنويا في شهر رمضان للكبار والصغار, بمشاركة عشرات الآلاف من جميع أرجاء العالم, بالاضافة إلي مسابقة الأقصي العلمية والثقافية, كما ساعد في إصدار أفلام وقائقية وكتب عن المسجد الأقصي, كشريط( المرابطون) وكتاب دليل أولي القبلتين وشريط الأقصي المبارك تحت الحصار. ونستطيع أن نتوسع في هذه القائمة ونزيدها طويلا, ذلك أن سلطات الاحتلال قد استمرت في منع شيخ الأقصي من دخول مدينة القدس عام2009 م, ثم أصدرت المحكمة الصهيونية عام2010 م قرارا بسجن شيخ الأقصي تسعة أشهر, وكان رده: أننا سندافع عن أقصانا حتي من داخل السجون, ولن يزيدنا السجن الا قوة وإصرارا, وقد أوفي بما وعد به, نستدل علي ذلك من خلال سجنته الأخيرة.