أسوأ ما تواجهه مصر اليوم, وهي تخوض حرب وجود بالفعل, ضد تنظيمات العنف المسلح, هو إعلامها, وعندما أقول الإعلام فإنني أعني هنا صحافتها المكتوبة والمرئية, علي ما تضمه من صحف وقنوات خاصة ورسمية, وعشرات بل مئات من المواقع الالكترونية, التي لا يعرف المرء لها صاحبا, اللهم إلا نذر يسير, يمكن بقليل من التدقيق فيما تبثه من مواد, وما يدفعه ملاكها العلنيون لفرق تحريرها من رواتب خيالية, معرفة الأهداف التي يرمي إليها الملاك الخفيون. وتتابع ما تحرقه العديد من الفضائيات من ساعات بث علي مدي اليوم, وما تسود به نظيراتها من الصحف الخاصة علي الجانب الآخر من صفحات, فيصيبك الاكتئاب والإحباط بل وربما فقدان الأمل, في أن تتجاوز مصر تلك الأيام العجاف, بينما الواقع علي حقيقته التي لا تقترب منه الكاميرات, يحمل بشائر خير لا ينكرها إلا جاهل أو متآمر مأفون. ويحار المرء كثيرا, عندما يبحث عن سبب أو مبرر واضح, يمكن أن يقف وراء إقدام العديد من قنواتنا الفضائية, علي أن تشغل الناس علي مدي الأسبوع الماضي مثلا, بالعديد من الفضائح الجنسية, وكثير منها يثير الغثيان, علي غرار حادث فتاة الغربية التي دارت علي العديد من المحطات علي نحو مريب, لتتحدث كيف تعرضت للاغتصاب مرات عديدة علي يد أبيها, وكيف أقدم الأب علي تلك الخطوة بعدما ضبطته ابنته يزني بعمتها التي هي أخته!. أي وضاعة يمكن أن يشاهدها المرء مثلا, وهو يتابع عبر احدي هذه الفضائيات, زوجين وقد بلغ بهما الشطط, حد تقديم بلاغات لدي جهاز الأمن الوطني, يتهم كل منهما فيها الأخر, بأنه إخوان ومن ثم فلا يؤتمن علي بقاء طفل صغير, هو ثمرة علاقة زوجية لم تستمر طويلا بين الاثنين, مع الآخر, ولعلني أكون في حل من أتعرض هنا لما يشنف به آذاننا, ذلك المخبر القديم من وضيع القول, وقد أفردت له المحطة التي يعمل بها, ساعات من البث المباشر, خصصها جميعها للتعريض بثورة25 يناير, عبر عشرات من القصص الملفقة, واعترافات علي الهواء لشخصيات مفبركة لم يسمع بها أحد, دأب علي تقديمهم علي أنهم قادة الثورة أو ما يعتبره هو المؤامرة الأمريكية علي مصر في يناير.2011 لا يمكن بأي حال تجاهل ما تقدمه تلك المحطات من مواد, أو النظر إليها باعتبار سقطات مهنية, سرعان ما سوف يتم علاجها, بصدور ميثاق الشرف الإعلامي الذي تأخر صدوره كثيرا, فالإصرار علي تقديم مثل هذا اللون من الإعلام الفضائحي, بتنويعاته المختلفة بات متعمدا, والرسائل التي تقذف بها تلك النوعية من الإعلاميين, إنما تستهدف في حقيقة الأمر, منظومة القيم الحاكمة للمجتمع, وهي حتي وإن اختلف حولها البعض, لا تزال تمثل صمام الأمان الحقيقي لفكرة مركزية الدولة, التي تسعي قوي عدة لتفكيكها, ومن ثم تحقيق حلم تقسيم مصر إلي شظايا متناثرة, بعضها في الشمال والشرق, وبعضها الآخر في الجنوب والغرب. وربما تكفي نظرة عابرة علي ما تعاني منه المؤسسات الإعلامية القومية, بما فيها المؤسسات الصحفية, للدلالة علي عمق الأزمة التي تواجه مصر, المنكوبة في حقيقة الأمر في إعلامها وصحافتها, فالمؤسسات القومية تدفع اليوم ثمن عصور من الفساد, حرقت الأخضر واليابس فيها, وصدرت عديمي الكفاءة والموهبة الي مواقع القيادة, علي حساب أصحاب الفكر والمهنية والرأي والمشورة, وقد بلغت الأزمة المالية فيها الذروة, حتي أن بعض خبراء المهنة يقدرون كلفة انتشالها بنحو عشرة مليارات جنيه, وهو مبلغ تقول الدولة إنها لن تستطيع توفيره اليوم, في ظل ما تواجهه من مشاكل, وما تضعه علي أجندتها من أولويات, أما عن التليفزيون الرسمي فحدث ولا حرج. لقد لعب الإعلام وفي مقدمته الSocialMedia, الدور الأبرز في التجهيز لثورة25 يناير, مثلما لعب الإعلام أيضا الدور الأكبر في الإطاحة بنظام الإخوان من الحكم, خلال عام واحد, في وقت كانت تذهب كثير من التقديرات فيه, إلي أن الإخوان باقون لأكثر من خمسة عقود من الزمان علي أقل تقدير, لكنه وبغرابة شديدة, يتخاذل اليوم عن دعم الدولة التي تخوض معركة وجود ومصير علي كافة الجبهات, وهو تخاذل ليس له ما يبرره, ويظل في رأيي أقرب إلي نظرية المؤامرة, وربما يكفي للدلالة علي ذلك نظرة فاحصة لقائمة ملاك الميديا الجديدة. [email protected]