أين رجال الرئيس؟ بدهشة واستنكار كبيرين، تساءلت الدكتورة هدي جمال عبدالناصر في مقال نشرته "الاهرام" الاثنين الماضي، وقدمت من خلاله عرضا موجزا لما تتعرض له مصر من مخاطر في الداخل والخارج، مجددة التساؤل المهم: كيف سيتواصل الرئيس مع شعبه؟ وهو لا يملك تنظيما سياسيا، يخوض من خلاله الانتخابات البرلمانية المقبلة، بينما الرأسمالية المستغلة، وأنصار النظام القديم، يتحينان الفرصة ويأملون في السيطرة علي ناصية الأمور، مستغلين تدفق الأموال، التي لا تزال حتى اليوم العنصر الحاسم في الانتخابات في جميع دول العالم. عن الأرسمالية المستغلة وغيرها، راحت الدكتورة هدي عبدالناصر تستعرض العديد من وقائع الحرب الإعلامية الشرسة التي تعرض لها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وكيف ركزت محطات إذاعية كانت تبث إرسالها من الخارج، علي غرار إذاعة "صوت مصر الحرة"، التي أسسها محمود أبوالفتوح في باريس وغيرها، علي تشويه ثورة يوليو، وإطلاق العديد من الرسائل المعادية لمصر، اثناء العدوان الثلاثي، في وقت كان المصريون يتلقون فيه رصاصات الفرنسيين والانجليز بصدورهم العارية في بورسعيد، ويواجهون في الوقت ذاته، ميكرفونات التشهير بالثورة التي كانت تنطلق من إنجليز وأمريكا، والتي كانت تستهدف تشتيت الرأي العام في مصر وقلبه علي نظام ثورة 23 يوليو. يستطيع المتابع المدقق لما يجري في الخارج اليوم، أن يدرك حجم التشابه الكبير، بين ما جري في ستينات القرن الماضي، ضد ثورة يوليو وقائدها جمال عبدالناصر، وبين ما يجري في مصر الآن، فهاهي فلول جماعة الاخوان وقد استقر عدد كبير منها في لندن، يدشنون أول موقع الكتروني في الحرب الاعلامية المفتوحة علي نظام 30 يونيو، تحت مسمي "آلعربي الجديد"، وهو اسم ينطوي علي مفارقة مدهشة، فهو لا يحمل فحسب اسم الصحيفة التي حملت علي صدر صفحتها الأولي، علي مدي نحو عشرين عاما، صورة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ومشعل الثورة علي نظام مبارك، وانما يحمل أيضا دلالة أكبر، علي احترافية جماعة الاخوان، ليس فحسب في القفز علي الثورات، وإنما في القفز علي التاريخ ايضا، تاره بتزييفه، واختلاق العديد من الأكاذيب التي سرعان ما تتحول علي وقع اصرار الجماعة إلي حقائق، وتارة أخري بالتدليس والسطو علي تجارب الاخرين. تساءلت الدكتورة هدي عبدالناصر عن رجال الرئيس في السياسة والإعلام، وقد كانت هي نفسها شاهدا علي وقائع انهيار التنظيم السياسي للحزب الذي حمل، واستلهم تجربة أبيها، ومن بعده مؤسسته الإعلامية، التي يشعر المرء بغصة شديدة، تخنق القلب وتعتصر الروح، كلما تذكر كيف انتهي الحال بأول صحيفة مصرية تنبأت بنهاية حكم مبارك وبشرت بالثورة، حتى اذا اندفعت الملايين في الشوارع والميادين مطالبين بإسقاط النظام، اطفأت "العربي" قنديلها، وأغلقت ابوابها، دون ان تمنح لأبنائها ومحبيها وهم كثر، شرف المشاركة في مراسم التشييع. ويحار المرء كثيرا وهو يتابع ذلك المد الناصري الكبير في الشارع المصري، عقب الثورة بموجتيها في 25 يناير، و30 يونيو، وكيف رفع الملايين صور الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، فيما الناصريون يواصلون صراع الديوك في مختلف الساحات الاعلامية، غير منتبهين للمهام الكبري الملقاة علي عاتقهم في تلك المرحلة التاريخية والفارقة في تاريخ مصر، ليس فحسب لأنهم اكثر التيارات السياسية جاهزية، علي قيادة الشارع الآن، وإنما لأنهم الأكثر فهما ووعيا، بما تخطط له جماعة الاخوان من مكائد للوطن، استنادا علي تاريخ سابق وتراث قديم لا ينكره عاقل.علي أن المرء يحار أكثر من موقف الرأسمالية الوطنية، وكثير من أباطرتها فوميو الفكر والعقيدة والهوي، كيف ترك هؤلاء الساحة الاعلامية للرأسمالية المستغلة والمتوحشة، بما فيها فلول نظام مبارك، وكثيرون منهم اصبحت لهم محطات فضائية كبري وبرامج يبرطعون فيها كيفما شاءوا، ويعيثون في الارض الفساد، حتى صار القابض علي عقله في ظل ما تقدمه هذه البرامج من معلومات، معظمها غير موثوق، أشبه بالقابض علي الجمر.وما حدث في "الميديا" حصل في المشهد السياسي، وربما تكفي نظرة عابرة علي ما يسمي ب"التحالفات الانتخابية" التي يدور الحديث حولها منذ فترة، للدلالة علي حجم سيطرة الرأسمالية المستغلة، لحالة التيه التي تعيشها الاحزاب التي تمثل التيارات السياسية الأكبر والأعرق في مصر، قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة.نعم تتحمل الرأسمالية الوطنية الحقة، جانبا كبيرا من المسئولية عما يجري، مثلما تتحمل الدكتورة هدي عبدالناصر جانبا كبيرا من المسئولية عما جري للناصريين ومؤسستهم الاعلامية "العربي"، ومن ثم فلا يحق لأحد أن يتساءل بعد اليوم عن رجال الرئيس السيسي، لأن الرجل اذا ما استمر الحال علي ما هو عليه الآن، لن يجد أمامه سوي فلول نظام مبارك،وعدد كبير منهم يستعد من الان لتقديم خدماته للنظام الجديد، ويومها لن يكون أمام الذين شاركوا في الجريمة بالصمت سوي البكاء علي دماء آلاف الشهداء الذين سقطوا في موجتي الثورة، عندما يشاهدون مصر وهي تدار من جديد بنفس المنهج الذي كانت تدار به سابقا، وبرجال مبارك يعودون إلي جميع مواقعهم التي غادروهم قسرا، بما فيها البرلمان المقبل.