وبينما كانت زوجتي تعد لنا حقائب السفر, قلت لها ساخرا: إنك يا لبني امرأة رعناء.. تسهل عليها الخيانة بأسهل من إشعال عود ثقاب.. ولم تعبأ زوجتي بهذه الإهانة وقالت لي باستخفاف: مع من تخون المرأة زوجها في هذا البلد؟.. وعضت علي شفتيها ثم استرسلت قائلة: هذا البلد الذي لا يهيئ الأسباب للخيانة الزوجية؟.. ووصلت بنا الطائرة إلي إستوكهو لم عاصمة السويد حيث قضينا فيها ثلاثة أيام كانت من أجمل أيام العمر. ثم واصلنا سياحتنا إلي بلاد النرويج وهناك صرفنا ثلاثة أيام أخري. وحول المساء مع نهاية البرنامج اليومي للرحلة بالقرب من مقر إقامتنا في الفندق الذي اختارته لنا الشركة, جاءت جلستنا نحن الخمسة في مقصف صغير يقع أمام أحد الكهوف الأثرية, وكان عبارة عن حجرة صخرية خاوية من الداخل إلا من بعض الرسوم الملونة ولا شيء آخر. ودخلت لبني وحدها إلي الكهف بعدما كانت قد شربت قدحا من البيرة المثلجة, وهي في أبهي زينتها وهندامها. وبعد مرور نحو عشر دقائق خرجت لبني من الكهف وهي زائغة البصر ومضطربة الأعصاب وقد تغيرت هيئتها نوعا ما. ومن النظرة الأولي إليها أدركت بحكم تجاربي معها أنها كانت مع رجل غريب داخل الكهف. ولم أعرها التفاتا ودخلت علي عجلة إلي الكهف الذي كان خاليا تماما من أي أحد. ورجعت إلي مجلسي في المقصف وأنا أضرب أخماسا في أسداس. وظلت حيرتي بلا جواب. زوجتي كانت مع شخص غريب داخل الكهف. ولكن من عساه يكون؟. وكيف تسني له أن يدخل ويخرج من دون أن نراه أو نلمحه أنا أو أي من أصدقائي؟!. وما أن عاودت الجلوس في مقعدي حتي سمعت صديقي فوزي قدورة وكان أكبرنا سنا يقول: النرويج هو البلد الوحيد الذي تظهر فيه الشمس في عز الليل!.. ولم أعلق علي ملاحظة عم فوزي كما كنا نناديه. وقال لي الرجل بعدما لاحظ اضطراب أعصابي واعتلال مزاجي: ما بالك زائغ البصر ومضطرب الأعصاب يا مفيد؟.. وفي هذا الوقت بالذات قامت لبني لتتمشي قليلا, فقلت لأصدقائي وأنا لاهث الأنفاس: لقد كانت المرأة تخونني في داخل الكهف مع رجل غريب!!.. ونظر أصدقائي الثلاثة إلي بعضهم البعض نظرات ذات مغزي, وقمنا معا من فورنا إلي الكهف, ولم نجد في داخله أثرا لإنسان. ومر اليوم الثاني كشأن الأول, دخلت زوجتي الكهف في المساء بينما كنا نحن الأربعة جلوسا في المقصف نرقبها وبقيت هي في داخل الكهف دقائقها العشر المعتادة وخرجت منه وهي علي حال اليوم الأول ومنواله مضطربة ومرتبكة. ومر اليوم الثالث علي الحال ذاتها, هي تدخل وتخرج وتذهب لتتمشي, ونحن ندخل ونبحث من دون جدوي. وانتهت الرحلة وعدنا إلي عمان العاصمة, وزرت فوزي صديقي فوزي قدورة في بيته وقلت له في حزم: لقد كانت لبني مع رجل غريب داخل الكهف.. ولكن من يكون الرجل؟ وكيف لم نلمحه في دخوله ولا في خروجه؟!.. وأجاب فوزي في صوت حزين هادئ: نعم, لقد كانت تخونك.. ولكن لا تسألني عن شيء آخر.. وقام الرجل علي عجل لقضاء شأن من شئونه, ولم أحاول أنا من جانبي الإلحاح عليه أكثر من ذلك, وانصرفت من عنده وأنا مخزون القلب كأشد ما يكون الحزن والانكسار. وبعد مرور أسبوع واحد قمت بزيارة فوزي النجدي وهو زميلي الثاني في الرحلة, في النادي الذي اعتاد أن يرتاده وقلت له بأكثر حدة: لقد كانت لبني مع رجل غريب داخل الكهف.. فمن هو ذاك يا فواز؟.. وأغمض فواز عينيه قليلا وأخيرا تنهد تنهيدة عميقة وقال لي: طلقها يا أخ مفيد وارتح.. ولم أعبأ بما قال وعدت أسأله بأشد لجاجة: ولقد كانت الساقطة تمارس العيب والحرام مع غريب.. وأجاب فواز بصوت يائس: كلنا يعلم ذلك.. وعدت أسأله في مرارة: فمن تراه يكون.. ذاك التعس؟.. وجاء النادل يبلغه بأن هناك من ينتظره علي الهاتف, فقمنا معا, وودعته بإشارة من يدي وانصرفت إلي حال سبيلي. وبعد مرور شهر واحد علي عودتنا من تلك الرحلة المنكودة, التقيت مصادفة بالزميل الثالث والأخير في رحلة بلاد الشمال, وكان اسمه نجيب مشعل وسألته من فوري: أجبني بصراحة وبدون مواربة.. مع من كانت هذه المجرمة تمارس الحب الحرام؟ وكيف لم نلمحه وهو يدخل ويخرج من الكهف؟!.. وقال نجيب: في صوت مفعم بالأسي: أعرف أنها كانت تخونك.. طلقها يا مفيد.. وتناول صديقي نجيب أحد الأقراص المهدئة من جيب صديريته وبدأ عليه الإعياء الشديد, ولم أجد بدا من أن أتركه وشأنه وأغادر النادي. وتوالت الأيام, وبدأت جروحي تلتئم وهدأت رجولتي الجريحة وكرامتي المهدرة, ولم أعد أفكر إلا في الكيفية التي تمت بها الخيانة الزوجية؟, ومع من كانت الساقطة داخل الكهف؟ وكيف لم يلمح أحدنا ذلك الأخرق المأفون داخل الكهف أو خارجه؟!. وسمعت عن عراف مشهور يقيم في أحد أطراف عمان العاصمة, فتوجهت إليه من فوري, وأثار مرأي الرجل في قلبي الانقباض ولكني سألته علي عجل: من هو الرجل؟.. وكيف لم نلمحه نحن بأربعتنا؟!.. وأجابني العراف: بالقطع كانت المرأة تخونك.. ولكني لست أعلم مع من؟ ولا كيف؟ فالرؤيا أمامي غائمة.. وسمعت بعدها عن عراف آخر يقيم في مراكش وسافرت إليه بدون أدني إبطاء, وإذ صرت أمامه بادرته بذات الغازي, وقال لي العراف المراكشي: لقد كانت المرأة تخونك حقيقة.. وهتفت أخاطبه وأنا في أشد حالات اليأس والضجر: وأنا لا أسألك عن خيانتها لأني أعلم منك بها.. وأجابني الرجل مدهوشا: فما الذي تريد أن تعلمه مني؟.. فقلت له بنفاد صبر: مع من كانت الساقطة تمارس الخطيئة؟.. وكيف لم نلمح نحن الأربعة ذلك الوغد الذي زاملها في تلك الخلوة الدنسة؟.. وعدت لأقول مسترسلا: إني رجل موسر.. وسوف أمنحك ما تشاء من هبات وعطايا إن أنت أجبتني عن هذه الألغاز.. وقال لي العراف في لهجة قاطعة: لقد كانت زوجتك تمارس الحب الحرام.. وأما مع من؟ فهذا ما لن أجيبك عنه ولو وهبتني كل أموالك.. وأشار لي بالانصراف, فانصرفت وأنا ألعنه وألعن نفسي. وعند باب مسكن العراف أمسكت بأحد العمدان واستندت عليه بظهري لألتقط أنفاسي, وفجأة أشرقت الحقيقة المروعة أمام ناظري وسطعت أمامي سطوع الشمس في كبد السماء. لقد أدركت في النهاية الحقيقة كاملة بكل مرارتها وعلقمها. وأخذت أهمس لنفسي: تبالي من أحمق.. أعمي البصر والبصيرة... وجاءني هاتف من أعماقي يصرخ: كيف غاب عني هذا الحق الصراح؟!.. لقد كانت الفاجرة الأثيمة تتلوي علي الأرض مع... ولم أعد أحتمل أكثر من ذلك, ومادت الأرض بي ولم تحملنيبعد قدماي!!..