أثار التوسع الملحوظ لتنظيم الدولة الإسلامية( داعش) في العراق وسوريا, خاصة بعد إعلانه قيام الخلافة الإسلامية, وتنصيب قائده أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين, تساؤلات عديدة حول مدي قدرة التنظيم علي التمدد في مناطق أخري بالإقليم وعلي التحالف مع تيارات جهادية أخري. لا سيما بعد حالة الانقسام التي بدت عليها الأخيرة تجاه السياسات والأهداف التي يتبناها التنظيم, حيث رفض بعضها تلك السياسات وأعلن تمرده عليها, فيما أيدها البعض الآخر, خاصة فيما يتعلق بإعادة إحياء الخلافة الإسلامية, التي تعد الهدف الأسمي الذي تسعي إليه كل التيارات الجهادية بمختلف أطيافها. تيارات مؤيدة: بدأت بعض التنظيمات الجهادية المنتشرة في المنطقة في إعلان تأييدها لتنظيم داعش دون الانضمام إليه علي غرار تنظيم القاعدة في اليمن, وبعض المجموعات التي تنتمي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي, حيث أعلن أبوعبد الله عثمان العاصمي, قاضي المنطقة الوسطي في التنظيم الأخير, أن رفاقه يعلنون نصرتهم لمن سماهم المجاهدين في تنظيم داعش بالعراق, مشيرا إلي أنهم يريدون وصل حبل الود بيننا وبينكم, وموجها في الوقت نفسه انتقادات قوية للتنظيمات الأخري, لا سيما تنظيم القاعدة, بسبب عدم تأييدها لداعش. كما أعلن مؤخرا تنظيم جند الخلافة انشقاقه عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ومبايعته لداعش, وأشار قائد التنظيم خالد أبو سليمان إلي أن تنظيم القاعدة الأم وفرعها في المغرب حادا عن جادة الصواب. هذا بالإضافة إلي عدد من التنظيمات المحلية في المنطقة, التي أعلنت تأييدها لداعش وأصبحت تقدم له الدعم, مثل تنظيم لواء أحرار السنة في لبنان, الذي يعتبر نفسه امتدادا لداعش في لبنان, وتنظيم مجلس شوري أنصار الشريعة بالأردن, الذي يقوم بالحشد الدعوي والمعنوي من أجل مناصرة داعش, إضافة إلي جماعة أنصار الإسلام بغزة. ويمكن القول إن هذه التنظيمات التي أعلنت تأييدها لداعش ربما تتحول إلي أذرع للتنظيم في الفترة القادمة, لأن التعاطف والتأييد في أوساط التنظيمات الجهادية سرعان ما يتحول, في كثير من الأحيان, إلي تعاون ثم إلي مبايعة, علي غرار ما حدث مع تنظيم القاعدة بعد تأسيسه. أسباب متعددة: وقد ساهمت عوامل عديدة في دعم هذا التمدد الداعشي في المنطقة, يمكن تناولها علي النحو التالي: 1- إنجازات داعش غير المسبوقة, حيث نجح في السيطرة علي مناطق مترامية الأطراف عبر حدود دولتين, وأعلن عن قيام دولة الخلافة الإسلامية, وبذلك يكون التنظيم قد حقق, خلال وقت وجيزة, ما عجزت عنه التيارات الجهادية علي مدار أكثر من ثلاثين عاما, وهو ما جعل بعض التنظيمات تري أن هذا التنظيم أحق بالتأييد والنصرة أكثر من غيره من التنظيمات الأخري التي لم تحقق إنجازات مماثلة علي أرض الواقع. 2- تراجع دور التنظيمات المنافسة في المنطقة, وعلي رأسها تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري, الذي ضعف تأثيره علي التنظيمات التابعة له في المنطقة, ما أدي إلي تقلص قدرته علي التأثير في مجريات الأحداث والتحول إلي رقم مهم في المشهد الإقليمي كما يفعل تنظيم داعش. 3- إعلان قيام الخلافة الإسلامية, وهو الهدف الأهم الذي تسعي إليه التيارات الجهادية, بشكل دفعها إلي تأييد تنظيم داعش والانشقاق عن بعض التنظيمات الأخري التي لم تتمكن من تحقيق الهدف ذاته. تداعيات محتملة: مما لاشك فيه أن تمدد تنظيم داعش في المنطقة, من خلال التحاق بعض التنظيمات الجهادية به, وتأييد بعض التنظيمات الأخري له, سوف يفرض بعض التداعيات المختلفة, والتي تتمثل في: 1- المساهمة في توفير التمويل والمقاتلين للتنظيم بشكل فعال, إضافة إلي خلق حالة من التعبئة في أوساط الجهاديين في المنطقة من أجل مناصرة التنظيم وتقديم الدعم المعنوي له في مواجهة التحالف الدولي الذي بدأ يتشكل لوقف تقدمه, وهو ما سوف يستفيد منه التنظيم علي المدي القصير, أما علي المدي البعيد, فإن التنظيم, من خلال هذا التأييد, سيحظي بنفوذ واسع في المنطقة, يمكن أن يستخدمه في المستقبل, في حالة دخوله في صراع مع العديد من الأنظمة السياسية في المنطقة, وهو ما سوف يحوله إلي خطر عابر للحدود خلال المرحلة القادمة. 2- سيطرة التنظيم علي خريطة التيارات الجهادية المنتشرة في أنحاء مختلفة من العالم, لا سيما بعد تحول توجهاته إلي المرجعية الفكرية لمعظم التنظيمات الجهادية في العالم, خاصة أن التنظيم الجهادي الأقوي والأكثر قدرة علي تنفيذ سياساته هو الذي يفرض أفكاره ومفاهيمه علي التنظيمات الأخري. 3- تشكل نوع من الحزام الجهادي في المنطقة, بشكل يمكن أن يهدد كل الأنظمة السياسية إذا ما استمر تمدد داعش داخل المنطقة بهذه الصورة الحالية, لا سيما أنه سيشجع التنظيمات الجهادية الموالية له, علي تكثيف هجماتها ضد الدول التي تقيم فيها, من أجل إسقاط الأنظمة السياسية التي تنظر إليها علي أنها نظم علمانية تعادي الإسلام, وبالتالي يجب القضاء عليها. وأخيرا, فإنه من المتوقع أن يؤدي تمدد تنظيم داعش في المنطقة ونجاحه في السيطرة علي مناطق أخري, إلي تزايد أعداد التنظيمات الجهادية المناصرة له, وهو ما سوف يدعم من احتمالات اندلاع موجة جديدة من العنف, خاصة أن غالبية تلك التنظيمات سوف تسعي إلي الالتزام بتوجهاته العنيفة باعتباره التنظيم الأكثر قدرة علي تنفيذ أهدافه, لا سيما بعد إعلانه قيام الخلافة الإسلامية. وحدة الأمن الإقليمي