الزمن رأس مال الانسان وأحد مكونات عمره لما ورد عن الامام الحسن البصرى فى تعريفه للإنسان أنه بضعة أيام كلما أنقضى يوم انقضى بعضه منه وأقسم الله بالوقت فى كثير من الآيات لتأكيد أهميته فى حياة الانسان، بل هو حياته التى يحب الحفاظ على كل ثانية فيها لتكون فى طاعة الله. ووصل الأمر لدرجة أن ربط الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم بين الزمن والعبادات والآيات الكونية والعمل الصالح فى هذه الحياة. يقول الدكتور عبدالفتاح ادريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الازهر الشريف أن الزمن هو آية من آيات الله تعلم بها كثير من الأمور الشرعية لعل من أهمها أوقات العبادات المختلفة التى منها الصلاة والزكاة والحج والصيام، ونحو ذلك من سائر العبادات التى فرضها الله على عبادة فالنسبة للصلاة قوله " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقوله فى شأن الصيام "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل. وقوله فيما يتعلق بالحج "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج" إلى غير ذلك من النصوص الشرعية فى الكتاب والسنةالتى تدل على أهمية الوقت فى حق المسلم، ولهذا آثر عن النبى صلى الله عليه وسلم قوله "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ، وهذا الفراغ هو جزء من الزمن الذى أمرنا الله بالحفاظ عليه، ولذا فإن المسلم مأمور بالمحافظة عليه حتى لا يضيع بدون طائل لما ورد فى الحديث "لن تزول قدم عبديوم القيامة حتى يسئل عن أربع ومنها عن عمره فيما أنفقه! ولهذا فإن عمر الانسان يحاسبه الله عليه يوم القيامة كيف أمضاه، وهل أمضاه فى طاعة الله أم فى معصيته باعتبار أن عمر الانسان فى هذه الدنيا محسوب بهذا الوقت الذى هو مكون من مكونات عمر الانسان فى هذه الدنيا، ولذا فإن الحق سبحانه وتعالى قال: اذا مضى على المرء وهو فى رحم أمه الاربعينات الاربع بعث الله إليه ملك فنفخ فيه الروح وكتب عمره وعمله ورزقه وشقى أم سعيد. ومعنى هذا أن العمر هو مكون من مكونات الزمن يكتب على المرء من البداية بمحرد أن ينفخ فيه الروح فلا يحسبن الانسان أن وقته تلك مطلق له بل إن الله سيحاسبه عليه يوم القيامة هل أنفقه فى طاعة أم فى معصيته، وكل ذلك يدل على أهمية الوقت فى حق المسلم، ولذا كان رسول الله يحرص كل الحرص على تنظيم وقته بحيث يوزعه بين العبادة ومن القيام بشئون أهله وبين القيام بشئون الدعوة إلى الله، ومن الامور التى حرص عليها رسول الله أنه كان فى مجالس الذكر يتخول أصحابه فى الأوقات التى يكون لهم نشاط فيها فيبذل فيها النصح والموعظة الحسنة، وأما فى الاوقات التى يجد أنهم ليس لديهم اعداد نفسى لتلقى الموعظة فإنه كان لا يلقيها عليهم بل إنه صلى الله عليه وسلم كان يخصص من وقته جزءا يروح عن أصحابه فيه وكان يقول صلى الله عليه وسلم "روحوا عن القلوب ساعة لما بعد ساعة فإن القلوب إذا اكلت عميت" وهذا هو جوهر الاسلام فى المحافظة على الوقت باعتبار أن له قيمة إسلامية عالية باعتباره مكونا من مكونات عمر الانسان. ويضيف الشبح عبدالقادر الوزيرى بأوقاف الجيزة أن لقيمة الزمن عند الله جعله من علامة رضا الله أو غضبه على العبد فإذا ضيع العبد وقته كان ذلك من علامة مقته هذا العبد ، وإذا كان وقت العبد مشغولا كان ذلك من علامة حب الله ورضاه لهذا العبد ، لأن صاحب الفراغ أكثر الناس جرأة على معصية الله وأكثر بيئة يرعى فيها الشيطان هى الفراغ لكن المشغول أو صاحب العمل لا يوجد عنده وقت للمعصية كما أن الفراغ يجعل التفكير دائما ما يكون فى الشر والمعصية، ومما يدل على أهمية الزمن أن الله عز وجل ربط العبادات به كالصلاة والصيام والحج والزكاة لقوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أى العمل أحب إلى الله قال: الصلاة لوقتها وبر الوالدين وجهاد فى سبيل الله، والمتأمل فى القرآن الكريم يلاحظ أن الآيات الكونية فى القرآن الكريم مرتبطة بالوقت لقول تعالى "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب "فضلا عن أن الله تعالى لا يقسم إلا بعظيم وأنه سبحانه وتعالى أقسم بالزمن فى قوله تعالى "والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى" وقوله أيضا "والعصر إن الإنسان لفى خسر". وإلى جانب ذلك يؤكد القرآن الكريم "وسارعوا إلى مفغره من ربكم "وقوله وسابقوا" وقوله أيضا واستبقوا الخيرات وقوله "ويسارعون فى الخيرات" ومما يدل على قيمة الزمن فى الإسلام أيضا أنه النبى صلى الله عليه وسلم كان يواصل الليل بالنهار ويواظب على أربع عبادات فى يومه وليله هى "قيام الليل، وقراءة القرآن والذكر والدعاء" وفى وصية لابن عباس رضى الله عنهما قال "اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل مرضك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: أنا إن نمت النهار أضعت رعيتى وإن نمت الليل أضعت نفسى مع ربى لعدم قيام الليل. ومن الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم أن عدد أشهر السنة الأثنى عشر التى وردت فى قوله تعالى "إن عدة الشهور عند الله إثنى عشر شهرا" قد تكررت كلمة شهر فى القرآن الكريم 12 مرة بعدد أشهر السنة كما وردت كلمة يوم بمشتقاتها يومين وأيام 365 مرة بعدد أيام السنة.