الفقر المدقع يشاركهم أحلامهم، رمق الجوع يطاردهم حتى يئسوا من حياتهم ولم يبق لديهم هدف يسعون لتحقيقه فى ظل وجود من يعتبرونهم سبة فى حق وطنهم، حالهم كحال كل سكان العشوائيات فى مصر ضحايا الإهمال الحكومى وأخطاء كبار الدولة، وهم اهالى أحشاء بطن البقرة كناية عن مدى قذارة المكان الذى أجبروا على العيش فيه بسبب حاجتهم إلى مكان يأويهم وجدران وأسقف خشبية تحميهم من العراء وأشعة الشمس الحارقة! وأنت تتجول فى حارتهم الضيقة وتتغرس أرجلك فى مياه الصرف الصحى وتكتم أنفاسك من شدة الروائح الكريهة تجدهم يستقبلونك بابتسامة ممزوجة بحزن وأول ما يتردد على السنتهم هما صحيح هيهدوا بطن البقرة. هو صحيح محمد صبحى هيدينا شقة! كثيرا ما نسمع من أفواه المسئولين وعودا بتطوير المناطق العشوائية ولكنها مجرد كدبة لا تتحقق ولا تحرك لهم ساكنا فينصف فينتصب اهتمامهم على تطوير الميادين التى قد لا تكون بحاجة إلى إهدار ملايين من الجنيهات عليها! فهنا يطرح السؤال نفسه أين ذهبت الملايين التى تبرعت بها بعض البلاد العربية كالسعودية والإمارات وبعض الجهات كالقوات المسلحة لتطوير العشوائيات فى مصر؟ ولماذا لم يتم متابعة المشروعات غير المعلن تفاصيلها والذى يتبناها الفنان محمد صبحى وأصبحت حلم جميع أهالى العشوائيات؟ وما هو دور وزارة التنمية الحضارية الغائب الذى لا نراه؟ فى البداية تقول الحاجة اعتدال عبدالمعز 70 عاما والتى تقطن بطن البقرة منذ 30 عاما تعيش فى غرفة صغيرة تحتوى على سرير واحد وتقوم ببيع المناديل للحصول على ما يكفى ثمن العيش الحاف لسد جوع بناتها الخمسة، وعن معاناة القرية تقول ان المشكلة الأساسية فى بطن البقرة تنحصر فى عدم وجود شبكة صرف صحى وأن القرية بكاملها تعتمد على الترانشات مما يتسبب فى انسداد مياه الصرف فى مداخل المنازل والشوارع ونظرا للتكلفة المرتفعة لتأجير عربة الإزاحة جعلهم يلجأون إلى استخدام الدلو للتخلص من المياه خارج المنطقة وهى مهمة يقوم بها الأطفال بخلاف ترك بلاعات الصرف مكشوفة مما اضطر الأهالى إلى سدادها بالقمامة خوفا من تعرض أطفالهم للموت بداخلها. مشيرة إلى ان تسرب مياه الصرف الصحى أدى إلى تصدع جميع المنازل الموجودة فى بطن البقرة وجعلها آيلة للسقوط مما يهدد حياتهم بالموت تحت انقاضها فى أى لحظة، لافتة إلى أن كثرة المشاجرات ومشاهد العنف اليومية بين السكان والتى تصل إلى حد القتل بسبب مياه الصرف الصحى جعلت القرية تبدو كالغابة. ويقول محمد سعد عامل باليومية: ان المنزل الذى يعيش فيه والذى يتكون من دورين ويضم عشر حجرات فى شارع مسجد الرحمن قابل للإنهيار بسبب مياه الصرف الصحى وأنه قام بتقديم شكوى لرئيس حى مصر القديمة وجاء أحد المواطنين لعمل معاينة ولكن لم يتلقى رد حتى الآن ولا حياة لمن تنادى. كما ان بطن البقرة محرومة من وجود شبكة لتوزيع المياه وان المعاناة تبدأ بطابور أما صنبور مياه واحد فى كل حارة تم تركيبه بالمجهود الذاتى وبمشاركة بعضهم البعض علاوة على ذلك انقطاع المياه لمدة تصل إلى عشرة أيام فيضطر الأهالى إلى تعبئة المياه من منطقة الزهراء أو عزبة خير الله. مشيرا إلى ان هناك الكثير من الشركات والمؤسسات تنشر دعاية كاذبة لها عن طريق نشر أخبار عن قيامها بتبنى عمل اصلاحات ومشروعات داخل القرية وهو شىء لا يمت للواقع بأى صلة مثل مؤسسة السلام والتنمية الحضارية التى أدعت أنها تبنت مبادرة لمساعدة أسر الحرفيين فى بطن البقرة. وتشتكى هالة الصفتى - من سكان المنطقة - من ما يسمى دولاب المخدرات كناية عن احتوائه على جميع أصناف المخدرات وهو عبارة عن حجرة صغيرة يقطنها مجموعة من البلطجية يعيشون على تجارة مغيبات العقل تسبب فى إساءة سمعة القرية ويشكل خطرا كبيرا على أهلها. وتحكى رضا حسن ابراهيم من سكان شارع محمد المغربى عن معاناتها بعدما انهار سقف حجرتها التى تقع فى حضن جبل المقطم بسبب سقوط صخرة من شدة الرياح والأمطار الغزيرة فى شهر فبراير الماضى مؤكدة ان العناية الألهية انقذتها هى وطفليها من الموت تحتها ولكن محتويات الغرفة تحطمت وغطاها الركام إلا أنها مازالت تحتمى بجدران حجرتها التى تهدمت خوفا من النوم فى العراء لحين ميسرة خاصة أنه لا يوجد مأوى آخر فكل تفكيرها ينحصر حول المعاناة التى ستلقاها فى فصل الشتاء دون سقف عند هطول الأمطار وسط العواصف الرعدية والرياح! وتشتكى من كثرة تصاعد الأدخنة المضرة من الفاخورة وهو مكان لصنع أوانى الفخار مما تسبب فى اصابتها هى وأطفالها ومعظم الأهالى بالربو وحساسية الصدر ورغم تقديم شكاوى كثيرة هى وأكثر من 50 أسرة بأسمائهم فإنها لم تجد جدوى. أما فى منطقة القلالية فى بطن البقرة معاناة بلا نهاية فتشتكى الحاجة صباح يحيى من كثرة تصاعد الأدخنة المضرة من الفاخورة كناية عن صناعة الأوانى الفخارية حيث يقوم العاملون بها باحراق كاوتش السيارات ومخلفات البلاستيك لإشعال النيران وتسوية الفخار ليصبح أكثر صلابة، مما تسبب فى انتشار مرض حساسية الصدر بالقرية وارتفاع حالات الإصابة بداء الربو وهو الأمر الذى أدى إلى وفاة زوجها بنفس المرض بالإضافة إلى انسداد فى الشرايين موضحة أنه من كثرة الأدخنة والغازات تعبىء الملابس بالغاز الأسود حتى وهى داخل خزانة الملابس وهو الأمر الذى يؤدى إلى كثير من المشادات بين العمال والأهالى بشكل مستمر وتتحول إلى محاضر فى قسم الشرطة. وتقول ميرفت فؤاد ربة منزل وأم لثلاثة أولاد فى عمر الزهور والتى يعمل زوجها بائع بيكيا كغالبية رجال القرية - انها تخشى الموت المحقق جراء الحشرات والثعابين والقوارض المنتشرة فى القرية بسبب وجود القمامة والمخلفات فى كل مكان والتى نتج عنها انتشار أمراض الفشل الكلوى وحساسية الصدر وفيروس سى فضلا عن الأمراض الجلدية، وتحكى عن تعرض طفلتها التى تبلغ من العمر ثلاث سنوات للموت عندما طاردها عقرب ولكت العناية الألهية أنقذتها عندما صرخت وقام زوجها بحرقه. بينما عزة جمال، سجن زوجها لمدة 6 أشهر بسبب مشادة بينه وبين أحد الجيران على ازاحة مياه الصرف الصحى، تقول انها تقوم ببيع الذرة المشوى بعد صلاة العصر حتى تتمكن من سد رمق أطفالها الخمسة من الطعام خاصة وانها لديها توأمان عمرهما 5 أشهر وبحاجة إلى عبوة لبن كل يومين وثمنها 17 جنيها. وتضيف ان التلوث البيئى الذى يحيط بهم ومياه الصرف الصحى التى تنساب حولهم كانت سببا فى حرمانها من فلذة كبدها كريم بسبب اصابته بالتهاب رئوى حاد وعندما حاولت إنقاذه ذهبت به إلى مستشفى هرمل ولكن لسوء الإمكانات رفض العاملون به استقباله وتم تحويلها إلى مستشفى أبوالريش ولكن قد فات الأوان ومات الطفل ضحية للاهمال الحكومى.