ليست المرة الاولي التي أزور فيها المغرب فقد زرتها منذ أعوام برفقة عمرو موسي عندما كان وزيرا للخارجية ولكنها المرة الاولي التي أزور فيها مدينة مراكش الجميلة, ورغم معلوماتي الكثيرة عن مراكش التاريخية والمزارات المتعددة بها الا ان واقع الامر انني فوجئت تماما بطبيعة المدينة التاريخية القديمة والتي يكسوها لون واحد فقط هو اللون الطوبي والذي يميز مبانيها التاريخية ومساجدها وقلاعها العريقة. وما بين جلسات مؤتمر التغييرات المناخية والتنمية في افريقيا والذي نظمته اللجنة الاقتصادية للامم المتحدة بافريقيا والاتحاد الافريقي وبنك التنمية الافريقي وبين شوارع مراكش و أزقتها الضيقة قضيت سبعة أيام رائعة, فعلي الرغم من ورش العمل وجلسات المؤتمر المتخصصة والتي تستمتع كثيرا بها وترهقك جديتها الشديدة فان جو مراكش المتميز في المساء يجعلك تنسي تماما ارهاق العمل طوال اليوم بل ويعطيك دفعة قوية لليوم التالي. وأعتقد ان طموحات الحكومة المغربية في وضع مراكش في مقدمة المدن العربية في الجذب السياحي بدأت تتحقق بنسبة كبيرة حيث تجاوز عدد السياح الذين تستقبلهم مراكش سنويا2 مليون سائح رغم ان عدد سكانها لايتجاوز900 ألف نسمة يسعون جميعا الي جعل مدينتهم قبلة السائحين من مختلف انحاء العالم, حيث يشعرك المواطن المغربي انك صاحب المدينة فالكل يسعي لخدمتك خاصة عندما تدخل الي احد المحال التجارية والتي تلف المدينة تماما سواء في الاماكن الشعبية او في المناطق الراقية مثل منطقة جليز والتي تجذب الكثير من السائحين خاصة العرب فهي تضم عشرات المحال التجارية الحديثة وتتميز بشوارعها العصرية الجميلة والتي لا تخلو من اللمسات والطابع المغربي الاصيل. أما ساحة مسجد جامع الفناء والتي وضعتها منظمة اليونسكو علي لائحتها عام1997 هي الساحة الاشهر في مراكش كلها علي الاطلاق فهي تشكل فضاء شعبيا للفرجة والترفيه, والقلب النابض للمدينة حيث كانت وما زالت نقطة التقاء, ومحجا للزوار من كل أنحاء العالم للاستمتاع بمشاهدة عروض مشوقة لمروضي الأفاعيورواة الأحاجي والقصص, وعازفيموسيقي الشارعإلي غير ذلك من مظاهر الفرجة الشعبية التي تختزل تراثا غنيا وفريدا يشكل جانبا مهما من الثقافة المغربية الاصيلة والتي تعبر عنها عشرات المباني الاثرية القديمة والمنتشرة حول الميدان. و للحفاظ علي تلك الهوية الثقافية والتاريخية لمدينة مراكش لم تسع الحكومة المغربية الي إحداث اي تغيير في طبيعتها بل تركت الازقة والحارات الضيقة للغاية كما هي بل انها تقوم سنويا بعمل صيانة لها دون تغيير في طبيعتها او جوهرها خاصة ما يتعلق بالبوابات المنتشرة في مداخل المدينة والاقواس التاريخية التي تميزها بالاضافة الي الفنادق المتعددة المستويات والتي تجدها في شوارع لا يتعدي عرضها مترين فقط ولكنها متميزة ومزدحمة بصورة كبيرة ومتجاورة مع مئات بل آلاف المحال التجارية المتميزة والتي تشبه الي حد كبير محال خان الخليلي ولكنها أكبر وأضخم كثيرا وتسعي للحفاظ علي هويتها وطبيعتها الثقافية والتاريخية. ووسط جمال مدينة مراكش تم استعراض عدد من الحقائق المفزعة خلال جلسات المؤتمر بشأن تأثير التغييرات المناخية بالقارة ومن بينها انها تعرضت ل2005 كارثة بيئية عام2013 ونتج عنها فقدان الكثير من الارواح والمرافق, ولذا فان التغييرات المناخية وكوارثها لم تعد رفاهية في القارة ولابد من التعامل معها بجدية كبيرة خاصة ان70% من القارة تواجه التصحر بالاضافة الي عدم قدرة الزراعة في افريقيا علي تلبية احتياجات الاعداد المتزايدة من المواطنين مما جعل حوالي300 مليون شخص بالقارة لايزالون يعانون الجوع وهو ما دفع الحكومات الي انفاق مليارات الدولارات سنويا علي وارداتها من الاغذية لتلبية احتياجات الشعوب الافريقية وهو ما يتطلب ضرورة السعي لدعم قطاع الزراعة بصورة اساسية من خلال دعم بحوث التغييرات المناخية والتي ينعكس اثرها تماما علي معدلات الانتاج الزراعي داخل القارة. وأعتقد ان مدينة مراكش بحدائقها الرائعة والكثيرة يمكن اعتبارها نموذجا لمواجهة التغييرات المناخية والتعامل معها خاصة ان افريقيا تتأثر كثيرا بالتغييرات المناخية ولديها تحد كبير حيث ان الدراسات تؤكد ان20% من الاراضي الزراعية في القارة سوف تتعرض للانقراض وان70% من الدخل في القارة يعتمد علي الزراعة ولذا فان التعامل مع أزمات التغييرات المناخية لم يعد رفاهية بل اصبح ضرورة ملحة تتطلب ضرورة وضع استراتيجيات محددة من قبل كل دول في اطار اتفاقيات الاممالمتحدة لمواجهة تلك التغييرات وتوظيف العلم والتكنولوجيا في خدمة قضايا التنمية في القارة السمراء. [email protected]