قبل عدة شهور أصيب نحو ثلاثين ألف جهاز كمبيوتر ضمن برنامج إيران النووي بفيروس أدي إلي تأخير عملية شحن محطة بوشهر الإيرانية بالوقود النووي, وبعدها بأسابيع تكرر الأمر بتوقف البرنامج مرة أخري, وكشفت التطورات اللاحقة عن تبني الدول الغربية وعلي رأسها الولاياتالمتحدة لخيارات غير عسكرية من أجل إعاقة برنامج إيران النووي, وتتشكل هذه الحزمة من الخيارات من تكثيف العقوبات الدولية, محاولة تعطيل عمل البرنامج عبر عمليات تخريب نظامية من الداخل, تجنيد العملاء, العمل علي سرعة ظهور تداعيات العقوبات الدولية علي إيران سريعا من أجل تحريك المعارضة للنشاط مجددا. في هذا الإطار أعد معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي, دراسة اثارت نقاشا واسعا حول برنامج إيران النووي. لم تشغل الدراسة نفسها بقضية نوايا إيران النووية هل هي سلمية أم عسكرية, إذ انها تحسم الموقف بأن غاية إيران من برنامجها النووي, عسكرية. السؤال الرئيسي الذي تشغل الورقة نفسها به هو سؤال مركب وينطوي في داخله علي عشرات الأسئلة الفرعية ويمكن تلخيصها علي النحو التالي: هل يمكن لهجوم عسكري إسرائيلي وقف البرنامج النووي الإيراني, وهل هذا الهجوم يمكن أن يحقق الهدف بالقضاء علي البرنامج أم أنه يؤخره أو يعطله فقط ؟ وهل العمل العسكري يكون في شكل ضربة عسكرية واسعة النطاق أم مجموعة من الضربات المتلاحقة والمتواصلة ؟ وهل الهدف يتحقق مباشرة من خلال الضربة أو الضربات العسكرية أم يفتح الطريق أمام تحركات لاحقة غير عسكرية( اقتصادية, داخلية, دولية) تدفع إيران إلي التخلي عن البرنامج النووي؟ تنطلق الدراسة من التأكيد علي أن القرار بشأن ما ينبغي عمله في مواجهة البرنامج النووي الإيراني هو أحد أصعب القرارات التي تواجه إسرائيل منذ تأسيسها, وفي هذا السياق يمكن القول أن النقاش الذي تدعو الدراسة إلي فتحه, ينطلق من أرضية سياسية وعسكرية مركبة تتمثل في أن النخبة الإسرائيلية تدرك أن قضية البرنامج النووي الإيراني من القضايا التي يقع بشأنها تباين في الرؤية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل, فالاتجاه السائد في الولاياتالمتحدة, وتحديدا بعد الصعوبات التي واجهتها واشنطن في العراق وأفغانستان, باتت أكثر حرصا علي التريث في التعامل مع قضية استخدام القوة العسكرية, أيضا فإن مجيء إدارة أوباما أضاف المزيد من القيود علي الاندفاع باتجاه استخدام القوة. وقد عكست الدراسة التي أعدها جون ميرشامير وستيفن والت عن' اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية' هذه التحولات, كما أنها كشفت عن بعض جوانب التباينات تجاه هذه القضية تحديدا والتي وصلت إلي القول بأن استهداف برنامج إيران النووي هو مصلحة إسرائيلية وليست أمريكية, بل أن المؤلفين وصلا إلي القول بأنه لا مشكلة في تحول إيران إلي دولة نووية, فواشنطن بإمكانها التعامل مع إيران نووية مثلما تعاملت مع باكستان. فإيران ووية من وجهة نظر المؤلفين لا تشكل خطرا وجوديا علي واشنطن, وتشكل هذا الخطر علي إسرائيل, ومن ثم فإن إسرائيل تري في إيران نووية خطرا شديدا عليها من أكثر من زاوية منها أن نووي إيران سوف يحرم إسرائيل من ميزة الانفراد بحيازة السلاح النووي في الشرق الأوسط, وأن تحول إيران إلي دولة نووية سيزيد من الدعوات إلي نزع السلاح النووي في المنطقة وفي مقدمته الإسرائيلي, أو يقود ذلك أكثر من دولة عربية إلي محاولة الحصول علي هذا السلاح حتي تحقق لنفسها المكانة الإقليمية أو تستعيد التوازن المفقود بفعل النووي الإيراني. ومن بين أبرز القضايا التي تسعي الدراسة إلي الترويج لها وعلي نحو مكثف, فكرة تقول بوجود توافق إسرائيلي, مصري سعودي, إماراتي تجاه البرنامج النووي الإيراني, ومن ثم تتعامل مع المواقف المصرية السعودية الإماراتية علي أنها داعمة للتوجه الإسرائيلي, وهو أمر غير حقيقي, فالمواقف المصرية السعودية الإماراتية تسعي بالفعل إلي ضمان عدم وصول إيران إلي حيازة السلاح النووي لما ينطوي عليه ذلك من مخاطر علي المنطقة ككل, وهو نفس الموقف الذي تتبعه هذه الدول تجاه القدرات النووية الإسرائيلية, فمصر والدول العربية الأخري تطرح باستمرار قضية القدرات النووية الإسرائيلية, وتدعو إلي نزع السلاح النووي الإسرائيلي عبر إعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي, وبالتالي فالجهود المصرية والعربية في مواجهة البرنامج النووي الإيراني تأتي علي خلفية عدم تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة النووية, إضافة إلي تزايد الشكوك في نوايا إيران النووية, وأن ذلك لا يعني مطلقا تلاقي هذه الدول مع إسرائيل, لأن الأخيرة دولة نووية, وقدراتها النووية تكمن وراء سعي أكثر من دولة من المنطقة إلي حيازة السلاح النووي في محاولة لتحييد السلاح النووي الإسرائيلي. وفي هذا السياق تقلل الدراسة إلي حد كبير من فعالية وتأثيرات الأدوات غير العسكرية لتعطيل وربما وقف البرنامج النووي الإيراني, فالدول الغربية وعلي رأسها الولاياتالمتحدة, وانطلاقا من إدراكها للمخاطر المترتبة علي أي عمل عسكري ضد إيران, تفضل التركيز في الوقت الراهن علي الأدوات غير العسكرية مثل فرض أنماط جديدة من العقوبات, مضاعفة هذه العقوبات, تشجيع المعارضة الداخلية, تشجيع عمليات الانشقاق السياسي والدبلوماسي, والأكثر أهمية العمل علي تخريب البرنامج من الداخل عبر استخدام التقنية الحديثة مثل فيروسات الكمبيوتر, وربما أعمال التخريب المادي المباشر في قطاعات محددة عن طريق تجنيد العملاء في الداخل, وهو أمر كانت قد أشارت إليه بعض الدراسات الإسرائيلية علي اعتبار أنه بديل آمن مقارنة بالعمل العسكري المباشر ضد إيران. ومن هنا فإن الاختيار الأمريكي( الغربي) والدولي عامة في الوقت الراهن هو اتباع إستراتيجية شاملة تتمثل في فرض المزيد من العقوبات, تشجيع المعارضة الإيرانية, العمل علي كشف أزمة النظام الإيراني وتعميقها, العمل علي تخريب البرنامج من الداخل, والرؤية هنا أن تفاعل هذه العوامل معا يمكن أن يمنع إيران من الوصول إلي السلاح النووي. وهذه الرؤية تحتاج إلي سياسة النفس الطويل, وليست لديها مشكلة مع عامل الوقت, وهي جميعها لا تتوافر لدي صانع القرار الإسرائيلي الذي يريد اتباع خطوات متتالية تضمن علي نحو كامل عدم وصول إيران إلي السلاح النووي, ويطرح العمل العسكري باعتباره خيارا قائما, ويقع ضمن البدائل المتقدمة للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني, هذا بينما لدي الولاياتالمتحدة والدول الغربية قائمة أخري من الخيارات يحتل العمل العسكري موقعا متأخرا في الترتيب, لكنه غير مستبعد تماما, ويمكن توقع تقدم مكانته كلما بدا أثر العقوبات محدودا, والعكس صحيح كلما بدأت العقوبات وحزمة السياسات المتبعة حاليا تؤتي ثمارها, كلما تراجع موقع بديل القوة العسكرية في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني, فالخلافات في الرؤية تدور حول سلم ترتيب الأولويات ومن ثم موقع الخيار العسكري علي هذا السلم, أكثر من كونها تدور حول الموقف من حيازة إيران للسلاح النووي.