"يقولون لى إذا رأيت عبدا نائما فلا توقظه لئلا يحلم بالحرية، وأقول لهم: إنى كلما رأيت عبدا نائما أيقظته وحدثته عن الحرية". لم يكن تشى جيفارا قائد الثورة الكوبية سواء اتفقتا أو اختلفنا معه. يحلم حين أطلق هذه المقولة سوى بالحرية لكل الشعوب دون تمييز. كام يؤمن بأن الإنسان خلق حرا طليقا كالطير. فهكذا أراد له الله لخليفته على الأرض منذ نفخ فيه الروح وحمله الرسالة. وهكذا أراد لذلك المخلوق من طين أن يكون مكلفا بالأمانة. تكليف تخيير وليس تسييرا وتلك هى الميزة والمنحة التى وهبها الله الإنسان وميزه بها على سائر المخلوقات بما فيها الملائكة. ميزه بالحرية حتى إنه سبحانه وتعالى حين أراد لهذا المخلوق الضعيف أن يحمل الأمانة لم يأمره بذلك بل خيره بين الرفض أو القبول. يقول الله عز وجل فى محكم آياته "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا". "الأحزاب" واتفق المفسرون على أن كلمة الأمانة فى الآية الكريمة تعنى الطاعات والعبادات وأوامر الله ونواهيه، فإن أدوها أثابهم بالجنة وإن ضيعوها عذبهم وهذا قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما. ولم يمنح الله عز وجل عرض حمل الأمانة على هذا الإنسان الجهول الظلوم لنفسه إلا بعد أن منحه الحرية وجعله قادرا على الاختيار. فلا عقاب تحت العبودية أيا كان توضيفها ولا ذنب لمكره. هكذا تعلمنا من ديننا الحنيف. لكن يبقى السؤال المهم كيف ننشئ جيلا حرا. وما هو مفهوم الحرية؟ هذا السؤال الأخير فاجأتنى به ابنتى الكبرى "نانسى" ونحن نتنافش فى أمر ما، وللحق فقد وقع على كالصاعقة. فالحرية كلمة فضفاضة المفهوم والمعنى بل من المستحيل الوصول لتعريف محدد لها. فكلمة "حر" تعنى فى المعجم الكثير من المعانى السامية فالحر من الناس: أخيارهم وأفضالهم، وحرية العرب: أشرفهم. ويقال: هو من حرية قومه أى من خالصهم. وهى عند الفلاسفة تعنى "اختيار الفعل عن روية مع استطاعة عدم اختياره أو اختيار ضده" كما تعنى قدرة المرء على فعل مايريد. وللكلمة عند الحقوقيين والسياسيين والاقتصاديين معان مختلفة. وفى الدساتير تعنى "الحرية" قدرة الإنسان على إتيان أى عمل لايضر بالآخرين وأن الحدود المفروضة على هذه الحرية لايجوز فرضها إلا بالقانون. إلخ. أى باختصار كما يقول المثل العامى "أنت حر مالم تضر" فالحرية هى أصل التكليف والحق وسيلة لممارستها فالحرية هى حق الإنسان وقدرته على اختيار تصرفاته بنسبة ما وممارسة نشاطاته المختلفة دون عوائق مع مراعاة القيود المفروضة لمصلحة المجتمع. وبالطبع لم تقتنع ابنتى بالإجابة ولا أنا.!. ونعود الآن للسؤال الأساسى. كيف ننشئ جيلا حرا ومسئولا وقادرا على الإبداع والنهوض بوطنه وممارسة حقوقه المشروعة؟ ومن أين تكون بداية المسئولية. هل من البيت. أم المدرسة. أم المسجد والكنيسة. أم من أين؟ والسؤال الأهم ما در الدولة فى كل ذلك؟ وهل الحرية تتعلق فقط بالعقيدة والاعتقاد أم تمتد لكل سلوكيات الفرد وتفاعله مع المجتمع المحيط به؟!. ولماذا يدعى العرب دائما أنه أكثر منا حرية؟ هل لأنه كما يروج لنفسه. أن كل عضو فى هذه المجتمعات يعرف حقوقه وواجباته؟ ما له وما عليه؟ ترى هل هو أكثر حرية منها. أم أكثر تحررا؟ وهل نحن فعلا كما يقال علينا مجتمعات عشوائية متخلفة تعشق العبودية والتبعية. ولا يصلح لتولى الحكم فيها إلا فرعون يقودها بالحديد والنار وأننا شعوب لا تستحق الحرية؟ بالطبع هذا كذب وافتراء فنحن شعوب متحضرة تعيش فى أوضاع وبيئة متخلفة. فالكثير من المصريين على وجه الخصوص والعرب على وجه العموم هم الآن قادة بالفكر والعلم فى العديد من الدول الأوروبية، وهناك عشرات الآلاف من هذه النماذج الناجحة لا يتسع المجال لذكره. نحن إذن لسنا أغبياء ولا حمقى ولا عبيدا ولا حتى فراعنة كما يروج لنا ونروج نحن على أنفسنا. نحن شعوب تمتلك كل مفاتيح الحضارة لكنها تصر على أن تقف فى المنطقة المظلمة. منطقة التبعية والاستكانة. نحن فقط نحتاج لمن يعيد لنا ثقتنا فى أنفسنا وينير لنا طريق الحرية بكل ما تحتويه الكلمة من معنى. حرية الفكر والإبداع والعقيدة. وقبل كل ذلك حرية القرار. والعلاج لابد أن يبدأ من الآن. فالأسرة المصرية فقدت تواصلها وترابطها. لم يعد الآب يستمع لأبنائه. يصاحبهم. يحتويهم. يعلمهم كيف يكونون أحرارا؟ بالقطع ليست الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هى كل السبب. ولكنه البعد عن الدين والإحساس بعدم الانتماء وبعدم القيمة. الاسباب متعددة والأمر محير بالفعل. لكن الحقيقة التى نتفق عليها جميعا هى أننا لا نشعر بالحرية. لم نترب عليها. لم نمارسها بشكلها الصحيح. لم نتعلمها فى بيوتنا وفى مدراسنا أو مساجدنا أو كنائسنا بالشكل الذى ينشىء جيلا سويا وحرا. نحن فى حاجة إلى ان نشعر بأننا أحرار. وذلك لن يحدث إلا إذا تحررنا من عبودية أفكارنا ومعتقداتنا البالية. وقبل كل ذلك من عبودية الحاجة. فالشعوب مثل الأفراد تتحرر عندما تشعر بالاكتفاء الذاتى. عندما تملك قوتها وقرارها. وقتها فقط يكون للحرية مفهوم واضح. ترى هل وصلت الرسالة؟ هذا ما نأمله. وللحديث بقية.