اليوم.. أول اجتماع للجنة تطوير الإعلام برئاسة خالد عبد العزيز    جامعة حلوان تشارك في المعرض السنوي للثقافات العسكرية    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر    ارتفاع أسعار الذهب في بداية التعاملات بالبورصة العالمية اليوم الثلاثاء    وزير البترول يعقد مباحثات ثنائية فى مجال التعدين خلال مشاركته فى منتدى الطاقة    فنزويلا تغلق سفارتها في النرويج بعد فوز ماريا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام    جورجيا ميلونى عبر x: ناقشت مع الرئيس السيسي مراحل تنفيذ خطة السلام    معا من أجل السلام.. ماكرون يستعرض لقائه الرئيس السيسى بقمة شرم الشيخ    دبلوماسيون: مصر تصنع السلام في الشرق الأوسط من شرم الشيخ    «الأرصاد»: طقس اليوم خريفي مائل للبرودة.. والعظمى بالقاهرة 28 درجة    وزارة الصحة تغلق مركزا غير مرخص للتجميل بمدينة نصر.. التفاصيل صادمة    إحالة أوراق المتهم بقتل عجوز في نجع حمادي إلى المفتي    العد التنازلي بدأ.. المتحف المصري الكبير يستعد لإبهار زواره بكنوز الفرعون الذهبي    خبير سياسي: مطالبة حركة حماس بنزع سلاحها مطلبا مهينا وغير واقعي    أستاذ علوم سياسية توضح سبب سعي "ترامب" لتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية بالمنطقة (فيديو)    وزير الصحة يبحث مع وزيرة الصحة الألمانية تعزيز التعاون المشترك    إبراهيم حسن: هناك من يكره وجودنا في منتخب مصر    المكسب هو الحل.. ماذا يحتاج المنتخب السعودي والعراقي من أجل حسم التأهل إلى كأس العالم؟    تصفيات المونديال في 3 قارات.. مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء    رئيس جامعة جنوب الوادي يتابع المشروعات التطويرية بالمدن الجامعية    أسعار الحديد والأسمنت في مصر اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025    «التضامن» تطلق حملة «خليك سند» لتقديم حزمة أنشطة تنموية لطلاب المرحلة الابتدائية بمدارس مشروعات السكن البديل    اليوم.. الحكم على 4 متهمين ب"خلية الحدائق"    مصرع شاب إثر سقوطه من الطابق الرابع في الغردقة    الأمن يفحص فيديو لشاب يستعرض بدراجة نارية بطريقة خطرة في أحد الطرق العامة    وزير الزراعة يبحث مع نظيره الموريتاني تعزيز سبل التعاون الزراعي المشترك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر    «حل مشكلتك» عماد النحاس يحرج نجم الأهلي برسالة صريحة    تصفيات كأس العالم - رأسية فولتماده تمنح ألمانيا الفوز على إيرلندا الشمالية وصدارة المجموعة    موعد الإجازة الرسمية المقبلة في مصر للقطاع العام والخاص (5 أيام بأكتوبر عطلة أسبوعية)    ارتفاع جديد في أسعار الذهب اليوم في مصر مع تحركات الأسواق العالمية    "آخر المعجزات".. فيلم ممنوع يعود للحياة عبر بوابة القاهرة السينمائي    عاكف المصري: قمة شرم الشيخ أكدت أن مصر الحارس الأمين للقضية الفلسطينية وخط الدفاع الأخير    النادي المصري يُثمن جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني    شادي محمد: حسام غالي خالف مبادئ الأهلي وأصول النادي تمنعني من الحديث    وفاة شقيق عبد المنعم إبراهيم .. تعرف على موعد ومكان العزاء    توفير أكثر من 16 ألف يومية عمل ضمن اتفاقية تحسين مستوى المعيشة بالإسكندرية    هبة أبوجامع أول محللة أداء تتحدث ل «المصري اليوم»: حبي لكرة القدم جعلني أتحدى كل الصعاب.. وحلم التدريب يراودني    «شرم الشيخ» تتصدر مواقع التواصل ب«2 مليار و800 ألف» مشاهدة عبر 18 ألف منشور    «زي النهارده».. وفاة الشاعر والإعلامي واللغوي فاروق شوشة 14 أكتوبر 2016    توتر داخلي وعدم رضا.. حظ برج الدلو اليوم 14 أكتوبر    ارتياح بعد فترة من التوتر.. حظ برج القوس اليوم 14 أكتوبر    بعد استبعاد أسماء جلال، هنا الزاهد مفاجأة "شمس الزناتي 2"    أحمد التايب للتليفزيون المصرى: مصر تحشد العالم لدعم القضية الفلسطينية    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025    دولة التلاوة.. تاريخ ينطق بالقرآن    «التعليم» توضح موعد بداية ونهاية إجازة نصف العام 2025-2026 لجميع المراحل التعليمية    التفاح والقرنبيط.. أطعمة فعالة في دعم صحة الكلى    4 طرق لتعزيز قوة العقل والوقاية من الزهايمر    علماء يحذرون: عمر الأب يحدد صحة الجنين وهذا ما يحدث للطفرات الجينية في سن 75 عاما    قرار جديد للشيخ سمير مصطفى وتجديد حبس صفاء الكوربيجي.. ونيجيريا تُخفي علي ونيس للشهر الثاني    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في بني سويف    أردوغان لميلوني في قمة شرم الشيخ: تبدين رائعة (فيديو)    محافظ قنا يشهد احتفالية قصور الثقافة بذكرى انتصارات أكتوبر    قرار من النيابة ضد رجل أعمال نصب على راغبي السفر بشركات سياحة وهمية    قلادة النيل لترامب.. تكريم رئاسي يعكس متانة العلاقات المصرية الأمريكية    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفهوم الحرية فى الإسلام
نشر في مصر الجديدة يوم 12 - 09 - 2009


مشكلة الحرية
يعود المؤلف فى معالجة مفهوم الحرية إلى عصور ما قبل التاريخ حتى العصر الحاضر وفى النطاق القانوني، ويلاحظ أن مفهوم الحرية هو أهم محرك تاريخى عرفه العالم، وأن "الحرية" استطاعت أن تعتق نفسها من إطار قيود التعريفات، وأن تتطور إلى مصطلح ليس له وجود خارجى يمكن تحديده إلا ما يعطيه لها العقل الإنساني.
ويجد المؤلف أن للحرية مستويين، الأول: هو المستوى الفلسفى الوجودى الذى يضيف إليه الإسلام والمجتمعات الدينية الأخرى بعدا كلاميا.
والثاني: هو المستوى الاجتماعي، ويقيم المسلمون تلقائيا فصلا قاطعا بين هذين المستويين، فمفهوم حرية الإرادة وحرية الاختيار يعبر عنه بمصطلح يختلف عن ذاك الذى يستخدم للتعبير عن الحرية الاجتماعية.
ولكن المؤلف يهتم بمفهوم الحرية الذى يعنى تسليم الفرد للقانون والنظام الإلهي، لأنه ينطبق على الوضع السائد فى الإسلام.
ويقول إن الإسلام والمسيحية يشتركان فى أمر واحد بالنسبة للحرية، فكلاهما على حد سواء يقف ضد البحث اللامشروع عن حرية متوهمة، وكما يقول غارديه "إن الحرية فى الإسلام هى حرية مربوطة بالخضوع".
ويجد المؤلف أن أقدم تعريفات الحرية فى الشرق الإسلامى لم تصدر عن دوائر إسلامية، ولم يعبر عنها فى اللغة العربية، بل وردت فى الأعمال السريانية، على أساس أن الحرية هى القوة غير المحددة للطبائع العاقلة التى تتعلق بالحواس والإدراك العقلي.
ويورد المؤلف نصا مقتبسا عن أبى حيان التوحيدي، الذى استفتى مسكوية عن معانى الخير والاختيار، فقال "إن الإنسان تصدر عنه حركات وأفعال كثيرة لا تشبه بعضها بعضا، فيظهر منه فعل من حيث إنه جسم طبيعي، يناسب به الجماد، وبعض الأفعال تتناسب بفعل البهائم، ويظهر من فعل حيث يكون ناطقا فيناسب بذلك الفعل الملائكة، ولكل فعل له دواع ولها أسباب، وتعرض لها عوائق كثيرة، وموانع مختلفة، بعضها طبيعية، وبعضها اتفاقية، وبعضها قهرية.
"الاختيار له مكانة رفيعة فى ميزان المعايير عند الفلاسفة، فالحرية كما يقول القدماء هى "هبة الله" ولكن الإنسان بعيد عن تلك الحرية الشاملة، فأى نظرية فى الاختيار ترفض قبول ضرب من الحرية الإنسانية فى التصرف لم تكن لتلقى قبولا واسعا" ثم يصل الفيلسوف إلى القول إن الإنسان لا يفكر ولا يجيل رأيه فى الشيء الممتنع، إنما يفكر ويجيل رأيه فى الشيء الممكن، التى تخص بالفعل الإنساني، وإذا كان الفعل مما ينظر فيه على طريق الإضافة أن يكون طاعة لمن تجب طاعته أو معونة لمن تجب معونته، أو غير ذلك من وجوه الإضافات الواجبة ثم امتنع من الفعل، فهو ملوم غير معذور، لأنه قادر ومتمكن، ولأجل ذلك تلحقه الندامة، من نفسه، والعقوبة من غيره، أو العيب والذم، وهذه الجهة التى تخص الإنسان من جهات الفعل المتعلقة بالفكر وإجالة الرأى المسمى بالاختيار، هى ثمرة العقل ونتيجته، ولولا هذه الجهة لما كان لوجود العقل فائدة، بل يصير وجوده عبثا ولغوا، ونحن نتيقن أن العقل أجل الموجودات، أشرف ما من الله تعالى به ووهبه للإنسان.
من هنا نجد أن الاختيار له مكانة رفيعة فى ميزان المعايير عند الفلاسفة، فالحرية كما يقول القدماء هى "هبة الله" ولكن الإنسان بعيد عن تلك الحرية الشاملة، فأى نظرية فى الاختيار ترفض قبول ضرب من الحرية الإنسانية فى التصرف لم تكن لتلقى قبولا واسعا.
ويتتبع المؤلف مفهوم الحرية ومصطلحاتها فى المصادر الإسلامية، فتعريفات "الحر" "الحرية" عند المؤلفين المسلمين، بدأت بتعريف الحر بأنه ضد الرقيق، فالرجل الحر يمتلك كبرياء وأخلاقا تبعثه على طلب الأخلاق الحميدة، والعبد بخلاف ذلك، فتفهم الحرية على أنها خاصية أخلاقية تتلاقى أيضا مع مضامين كلمة "حر" كما عُرفت قبل الإسلام.
أما الرازى فيقدم تعريفا فلسفيا للحرية، حرية النفس، ويقع ضمن التقليد الأخلاقى الذى يربط حرية النفس ب"sophrosyne eleutheritos"، أما التعريفات الصوفية للحرية فترد فى رسالة القشيرى التى تهدف إلى إعطاء عرض متكامل لموقف المتصوفة من مفهوم الحرية.
فالحرية هى الخروج عن رق الكائنات وقطع جميع العلائق والأغيار، وهى على مراتب: حرية العامة عن رق الشهوات، وحرية الخاصة عن رق المرادات لفناء إرادتهم فى إرادة الحق، وحرية خاصة الخاصة عن رق الرسوم والآثار لانمحاقهم فى تجلى نور الأنوار".
ويلاحظ المؤلف أن الفقهاء المسلمين قبلوا بالعبودية كمؤسسة، وأقصى ما وصل إليه الفقهاء فى مواقفهم من العبودية كان أن وقفوا من الأمر الواقع موقف عدم الارتياح لعدم قيامه على أسس أخلاقية ثابتة، خاصة أن الرقيق محرومون فى مواطن متعددة، مثل عدم أهليتهم للمناصب العليا وانتقاص حقهم فى ممارسة واجباتهم المدنية، والطريف فى الأمر أنه فى بعض حالات العقوبات كان الأمر ينقلب لصالحهم.
فقد أعفوا من بعض الفروض الدينية كالقيام بأداء شعائر الحج، ولم يكن هناك اعتراض على المبدأ العام القائل بأن العبودية ليست قدرا طبيعيا على بعض الناس، رغم أن العبودية وجدت نتيجة لتطورات تاريخية معينة ونتيجة للآثام البشرية، ورغم استمرار وجودها يتمسك الفقهاء المسلمون بأن الأصل فى الناس الحرية.
وما يتناقض مع مفهوم الحرية هو السجن، وتبدو مؤسسة السجن مألوفة فى القرآن الكريم، وقد كانت السجون معروفة فى الجزيرة العربية أيام النبى كما كانت موجودة بكثرة فى الجزيرة قبل الإسلام، هذا الوضع انعكس فى تصرف النبي، كما انعكس فى النظرية القانونية الإسلامية.
فقد احتجز الرسول عليه السلام أحدهم عندما ساورته الشكوك فى أمره، وقد اشترى عمر بن الخطاب بيتا وحوله إلى سجن، وقد شكل هذا فيما يبدو سابقة قانونية.
مهما يكن من أمر الممارسات الشعبية فى بعض الحقب وفى بعض أجزاء العالم الإسلامى فإن النظرية المعترف بها زكانت تحترم باعتبارها حقا أساسيا للمسلم الحر، كانت حرية العمل وحرية الكسب وحرية سعى المرء حسب هواه
وتبدو أدلة كافية فى التدليل على مشروعية السجن، رغم أن العقوبات الست التى تحددها الشريعة حدودا للجرائم الرئيسية لا يدخل فيها السجن، فيمكن القول إن الشريعة الإسلامية لم تكن تميل فى الأساس إلى حرمان الأفراد من حريتهم، وقد كان التحدى الأكبر للحرية الفردية، فقد نتج عن واقعة أن الحاكم بيده السلطة الفعلية فى سجن ألأفراد حسب إرادته عندما يرى ذلك ضروريا.
وقد عرف المجتمع الإسلامى "السخرة"، وكانت على وجه العموم ممقوتة، وهى لم توجد فى أى سند فقهى أو قانوني، فقد رأى ابن خلدون أن السخرة تعيق الاقتصاد أولا ثم تدمره ومعه المجتمع السياسي، وهذا ما لاحظه فى شمال غرب أفريقيا، وهو ناشئ عن ملاحظاته الشخصية التى أثبتت له أن الحكام الذين عمل معهم كانوا يميلون ميلا واضحا إلى تسخير الناس، وكذلك فى مصر عندما كان المماليك يحملون الناس على ذلك.
ولقد كان العمل القسرى على أى حال ممقوتا فى الإسلام وقليلا ما يلجأ إليه، إن حضارة كالحضارة الإسلامية نشأت حول التجارة والحياة المدنية لم يكن يمكن المساس فيها بالتوازن الاقتصادي، وكان أمر كهذا يؤدى عواقب وخيمة.
فلسفة الحرية
يعتقد المؤلف أن الأفكار والنظريات اليونانية حول الحرية على المستوى الفلسفى والأخلاقى والسياسى والميتافيزيقى صارت جزءا من النسيج العام للفكر الإسلامي، وكانت الأخلاق أحد فروع الفلسفة التى ارتبطت بالحرية.
فالحرية خاصية وموقف للفرد، ولا ترتبط بالظروف السياسية والاجتماعية، كما أنها لا تتجزأ، فالإنسان لا يمكن أن يكون نصف حر ونصف عبد فى شخصه الأخلاقي.
والحرية الأخلاقية تعنى رغبة الإنسان فى أن يكون طيبا، وضبط الإنسان بنفسه هو شرط ضرورى لسيطرته على غيره، إن الحرية تعطى الإنسان العاقل القدرة على تحرير نفسه من قيود بيئته الطبيعية وعاداته الرتيبة، وبذلك تجعل منه إنسانا حكيما.
الإنسان الحر يمثل كل الصفات النبيلة، فى حين يمثل العبد كل ما هو شرير ودنيء فى الطبيعة البشرية، وهذا المعنى يتلاءم والاستخدام العربى القديم لكلمة "حر"، فأخلاقيات الإنسان هى التى تحدد كونه حرا أو عبدا
وسئل من أحق الناس أن يؤتمن على تدبير المدينة؟ فقيل "من كان فى تدبير نفسه حسن المذهب، فالحر النفس هو سيد لناموس الطبيعة، ومن شروط العالم والمفكر الحقيقى أن يولد حرا، وقد جعل أبقراط فى وصيته الحرية بالمولد لطالب الطب، أما إذا نظرنا إلى الحرية من الناحية السلبية فهى التحرر من عوامل الإرغام ومن أعباء الحياة اليومية، أما العالم رشيد الدين بن خليفة فيرى أن "الحرية هى الحياة الخيرة"، ويعرف الحرية بالسلب على أنها التحرر من الشر، ومن العوامل التى تعيق الإنسان عن بلوغ الهدف الحقيقى لإنسانيته، إن تجنب الشرور التى ترتكبها الكائنات البشرية عادة هو الحرية الحقيقية، "فعسير على الإنسان أن يكون حرا وهو ينصاع للأفعال القبيحة الجارية مجرى العادة".
ويقول رشيد الدين بن خليفة "الرضا هو باب الحرية" ويرى شاعر عربى أن عبودية الرغبات هى عبودية أبدية، وتعرف التوراة الحرية باعتبارها تقوم على رفض الشهوات، ويعتبر المتكلمون أن كلمة "الدنيا" مصطلح لكل الرغبات الضارة، فيعشقها الجهول ويأنف منها الحر، فالحرية باعتبارها تعنى التحرر من الرغبات الدنيا هى أحد فروع فضيلة العفة، والتحرر من الشهوات هو أحد جوانب الكمال الإنساني، إنه يرتفع بالإنسان إلى درجة كمال إنسانيته.
والغاية القصوى للفلسفة -وهى السعادة- يمكن بلوغها عندما تتحرر النفس بكمالها، فالحرية تقوم مقام الخصائص التى تميز الإنسان الأخلاقي، فالإنسان الحر يمثل كل الصفات النبيلة، فى حين يمثل العبد كل ما هو شرير ودنيء فى الطبيعة البشرية، وهذا المعنى يتلاءم والاستخدام العربى القديم لكلمة "حر"، فأخلاقيات الإنسان هى التى تحدد كونه حرا أو عبدا، ولا توسط بينهما.
وقد وصل الفكر السياسى المتعلق بالحرية إلى المسلمين بالطريقة نفسها التى وصلت بها كثير من الأعمال السياسية لأفلاطون وأرسطو التى ترجمت إلى العربية، فقد فسر ابن رشد جمهورية أفلاطون بأن على كل إنسان أن يقتنع بأنه حر، وأن شكل الدولة التى تمثل الحرية هو الديمقراطية، ويبقى هنا على كل حال احتمال تحول الزيادة فى الحرية لغير صالحها.
فالإنسان المنحط يستطيع أن يدعى لنفسه الحرية المطلقة، ويعطى نفسه الحق فى التخلى أو فى رفض كل القيود الأخلاقية، وبالمثل فإن دولة الحرية يمكن أن تفقد شخصيتها.
ويتبنى الفارابى الفكرة القائلة بأن الديمقراطية هى مدينة الحرية، ويرى أن أشكال الحكومات الموجودة فى هذا العالم غير كاملة، إنها نتيجة حاجة الإنسان للتنظيم الاجتماعى لضمان بقائه.
من هذه المدن الجماعية التى يتمتع أفرادها بالحرية التامة، وهى مؤسسة المساواة حيث يكون زعيما عليهم وإنهم على استعداد لتسليم السلطة لأولئك الذين يعدونهم بمزيد من الحرية.
ميتافيزيقا الحرية
ثمة فكرة قديمة قبل الإسلام بأن الجسد الإنسانى هو سجن النفس، وأن العالم سجن للإنسان، وأن الموت يعنى التحرر من ذلك السجن وهذا ما يرغب فيه كل المؤمنين الحقيقيين.
يرى ابن عربى أن الإنسان الحر هو الذى لا يستعبده امتلاك أو رتبة، إنه يحكم الأشياء كلها ولا تحكمه، وبالنسبة له فإن الإنسان هو عبد لله فقط لا لأحد أو شيء غيره أيا كان ومهما كان، وعلى هذا فالحرية الحقيقية تكمن فى العبودية الحقيقية لله
ويقول المؤلف إن الفكرة هذه لقيت قبولا واسعا عند المسلمين الأتقياء، وهنا توضح العلاقة مع الفلسفة الإغريقية، والذين تحدثوا عن الجسد الإنسانى على أنه سجن، وقد وجدت الفكرة القائلة إن الحياة سجن أو قبر مكانا لها فى مجموعات الأحاديث المنسوبة إلى النبي، "الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر"، وطبعا تبنى الصوفية هذه الفكرة بحماس.
وفى نظرية وحدة الوجود عند ابن عربى يختفى كل من السيد والعبد باختفاء التمايز بينهما اختفاء تاما، ويرى أن الإنسان الحر هو الذى لا يستعبده امتلاك أو رتبة، إنه يحكم الأشياء كلها ولا تحكمه، وبالنسبة لابن عربى فإن الإنسان هو عبد لله فقط لا لأحد أو شيء غيره أيا كان ومهما كان، وعلى هذا فالحرية الحقيقية تكمن فى العبودية الحقيقية لله.
ومع ذلك فإن العبودية لا توضع عادة مقابل الحرية بل تقابل عادة بالربوبية، فالمصطلحات الصوفية مثل الإمساك والابتعاد عن الأمور الدنيوية واجتناب صحبة الناس وتفضيل العزلة لا تهدف إلى تمجيد الحرية الفردية، إذ إن التحرر من الأمور الدنيوية عند الصوفية يهدف إلى الاستعداد للقبول التام بالعبودية لله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.