ثمة أيام في تاريخ الشعوب والامم تشكل بداية حدث قد يغير من مسار ويحدث من تداعيات بحيث يصبح لهذه الايام مذاق خاص يتم استرجاعه كلما دار العام دورته أو حدث ما يذكر به ومن هذه الايام يوم التاسع من سبتمبر في تاريخ مصر الحديث والمعاصر. التاسع من سبتمبر1881 في تاريخ مصر الحديث هو اليوم الذي وقف فيه جندي مصري فلاح هو أحمد عرابي أمام خديوي البلاد توفيق مطالبا بترقية الضباط المصريين وزيادة عدد الجيش المصري وعزل رياض باشا رئيس مجلس النظار( الوزراء). دار في هذه الوقفة الحوار الشهير بين الخديوي وعرابي والذي لا يزال المصريون يسعون إلي وضعه موضع التطبيق في العلاقة بين الحاكم والمحكوم. قال الخديوي لعرابي مستخدما لغة العصر كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن أبائي واجدادي وما أنتم إلا عبيد احساناتنا ورد عرابي بما لم يكن مألوفا في زمانه عن العلاقة التعاقدية بين الحاكم والمحكوم قائلا لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا فوالله الذي لا اله الا هو لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم كان اليوم تأريخا لما عرف بالثورة العرابية التي كانت في العديد من جوانبها قفزة كبيرة للامام والتي تحالف علي اجهاضها ثالوث قوي الداخل المستفيدة من الوضع القائم والخلافة العثمانية التي افتت بأن عرابي خارج علي طاعة ولي الامر والمصالح الاستعمارية الغربية متمثلة بشكل أساسي في بريطانيا وانتهي الامر باحتلال مصر عام.2881 هذا اليوم ذاته كان اختيار مجموعة الضباط الشبان الذين قاموا بثورة يوليو2591 وبعد35 يوما من ثورتهم لاحد أهم واخطر القرارات في تاريخ مصر المعاصر أدي إلي تغيير في التركيبة الاجتماعية لا تزال تداعياته الاجتماعية تتفاعل داخل نسيج المجتمع وهو قرار الاصلاح الزراعي. لم يكن في مصر اقطاع بالمعني الذي يتضمنه اللفظ في المصطلح الاوروبي بمعني أن المالك أو السيد يملك الارض وكل ما ومن عليها من نبات وحيوان وبشر لكن كان في مصر ملكيات كبيرة لافراد وأسر تتحكم بحكم الملكية في حياة ومصائر مئات الالوف من الناس. ولم يكن بعض من الساسة غافلين عن الاثر المدمر لاتساع الهواة بين الاغنياء والفقراء وطالبوا من خلال عضويتهم في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب بتحديد الملكية الزراعية بما لا يتجاوز05 فدانا ضم هؤلاء الساسة محمد خطاب ومريت غالي وابراهيم شكري وغيرهم لكن المناخ السياسي السائد في البلاد لم يكن مواتيا بحيث يسمح لمثل هذه الدعوات ان تجد طريقها إلي المناقشة الجادة ناهيك عن وضعها موضع التطبيق حتي اتخذ ثوار يوليو قرارهم وامتلكوا القدرة علي تنفيذه في أي محاولة لكتابة تاريخ مصر أو تاريخ الفلاح المصري يصبح التاسع من سبتمبر2591 علامة فارقة علي ما قبله وما بعده. لم تكن العلاقة بين مالك الارض وبين المستأجر الذي يقوم بزراعتها علاقة تعاقدية مكتوبة بل كانت علاقة خاضعة لارادة المالك الذي يستطيع انهاءها متي شاء وأن يطرد هذا المستأجر متي أراد. أتوقف هنا لاروي واقعة كنت شاهدا عليها وأنا في الثانية عشرة من عمري كان أبي قد اشتري بضعة فدادين لا تزال في مرحلة الاستزراع الاولي في منطقة البراري في شمال الدلتا كان معظم جيرانها مثلنا من صغار الملاك لكن كان هناك ثلاثة من كبار الملاك تتجاوز ملكية كل منهم بضع مئات من الافدانة اثنان منهما من أصول غير مصرية هما رودوسلي وأجيون والثالث مصري بدأ حياته خفيرا ثم استطاع بشكل أو بآخر ان يصبح ثالث هؤلاء الكبار. في ظهيرة أحد أيام الصيف الحارة وأنا أقف عند الساقية شاهدت موكبا يتقدمة حمار علي ظهره بعض الاشياء وامرأة تحمل علي رأسها قفة وصبيان صغيران ورجل يسحب خلفه بقرة. توقف الرجل وسألني إن كنا نريد مزارعا سألت أخي الاكبر وكان الجواب بالنفي وواصل الرجل وموكبه مسيرته في اتجاه عزبة رودوسلي. هذا المشهد لم يبارح ذهني حتي الان وقد رسخه في وجداني قراءاتي في الادب الروسي وصور أقنان الارض في العهد الاقطاعي. أسرة كاملة بحمارها وبقرتها تمضي علي غير هدي بحثا عمن يستأخر جهدها وعرقها مقابل مأوي وما دون الكفاف من العيش وذلك في وسط موسم زراعي وليس بعد انتهائه. الذين لهم جذور ريفية ويتواصلون مع أهلهم وقراهم يدركون إلي أي حد غير قانون الاصلاح الزراعي من تركيبة المجتمع بمساعدة قوانينز اخري مثل مجانية التعليم قد يتحدث البعض اليوم عن تسبب القانون في تفتيت الملكية الزراعية وصعوبة قيام دورات زراعية موحدة وقد يجادل البعض بعد أكثر من ستين عاما من تطبيق القانون بأن الضريبة التصاعدية ربما كانت أكثر جدوي من الناحية الاقتصادية وقد يتحدث البعض عن أن قانون العلاقة بين المالك والمستأجر الذي ظل قائما حتي بداية التسعينات قد أوقع ظلما فادحا وغير مبرر بصغار ملاك الاراضي الزراعية حيث كان المستأجر هو المتحكم وصاحب القول الفصل في تصرف المالك في بعض ارضع لكي يزوج ابنته أو يعالج زوجته ما كان يحدث في تلك الحالات كان أن يتنازل المالك دون مقابل عن بعض أرضه للمستأجر مقابل أن يسمح له المستأجر ببيع جزء من الارض. لكن ذلك جزء من آفاتنا في مصر حدث ولا يزال يحدث ختي اليوم وهو أمر لا يشين فكرة قانون الاصلاح الزراعي في حد ذاته الذي نقل ملايين المصرين إلي وش الدنيا لكنه عيب ينصرف إلي سن قوانين لها قوة التأييد ولا تكون متوازنة في رسم العلاقة بين أطياف المجتمع وتنتصر لطرف علي حساب طرف آخر. لكن علي الذين لا يزالون ينتقدون قوانين الاصلاح الزراعي أو الذين لم يعاصروا صدوره أو الذين لا يعرفون تأثيره أن يعرفوا حقيقة بسيطة هي أن مئات ألوف المدرسين والمهندسين والاطباء والمحاسبين وغيرهم من المنتمين إلي النقابات المهنية وما يماثلها هم أبناء وأحفاد هؤلاء الذين تملكوا فدانين من الارض في ظل قوانين الاصلاح الزراعي وهم الذين حملوا ويحملون راية البناء والتعمير والتفكير في مصر وهو ما يعطي التاسع من سبتمبر مذاقا خاصا.