ارتسمت ملامح الحزن والأسى على وجوه الأمهات الثكالى وهن يستقبلن نبأ استشهاد أبنائهن وفقد جميع أهالى الشهداء النطق سوى ترديد هذه الكلمات: "حسبنا الله ونعم الوكيل. منهم لله الكفرة. ذنبهم إيه ولادنا.!". فما أن ذاع خبر استشهاد المجندين محمد مرسى ومحمد صبرى عريفى الشرطة فى ربوع محافظة القليوبية فى الجريمة الإرهابية الخسيسة التى استهدفتهما بمكان تأدية واجبهما على طريق الوفاق فى محافظة شمال سيناء اختفت البسمة من الوجوه وحلت السكينة على قلوب الأهالى الذين شعروا بأن الملائكة تزف الشهيدين إلى مثواهما الأخير فى جنة الفردوس. ففى مدينة طوخ وتحديدا قرية "سنهره" القابعة فى أطراف المركز تختفى سيارات الأجرة القليلة من المدينة بعد الساعة الثانية ظهرا وتتمركز أمام "مزلقان زكي" على طريق "مصر- إسكندرية" الزراعى ويصبح أمامك طريق واحد للوصول إلى موقف القرية من خلال سيارات مدينتى قها وقليوب. وقبل أن تطأ قدمك منطقة المزلقان تجد الحاج عبدالنبى الرجل الأربعينى أحد أبناء القرية واقفا وعلى وجهه علامات التعب بالكاد يفتح عينيه اللتان لم تذق طعم النوم منذ ليلة أمس الأول عقب سماع خبر وفاة محمد صبرى ابن قريتهم يتفحص وجوه القادمين لمواساتهم فى الشهيد مبديا كلمات الترحيب المغلفة بالحزن على الفقيد فيما استولى الحزن على الجميع الذين ارتدوا السواد وامتلأت الصدور بالكآبة. وقال متحسرا "محمد الله يرحمه من أفضل شباب القرية عمره ما افتعل أى مشكلة مع أى شخص كان حريصاً على تأدية الصلاة فى المسجد أثناء وجوده بالقرية فى الإجازات". وأضاف محاولا صدّ دموعه "صلينا الجنازة على الشهيد الساعة الثالثة فجر أمس ومنذ سماع خبر استشهاده شعرنا كأن البسمة غابت عن وجوهنا بلا عودة. وتساءل من هؤلاء الذين يغتالون أبناءنا.؟ ربنا ينتقم منهم". وأمام منزل أسرة الشهيد لا تسمع غير صوت آيات الذكر الحكيم من القرآن الكريم على روحه الطاهرة التى ذهبت لربها راضية مرضية. وخرج صوت عماد الشقيق الأكبر للشهيد مغلفا بالوجع والدموع تنهمر على وجنتيه وهو يقول: "أنا كنت فى مبنى التليفزيون بالقاهرة مقر عملى وتلقيت اتصالا من أحد الجيران يعمل ضابطا بقطاع الأمن المركزى بقويسنا وقال لى محمد اتصاب فى العمل وهو بخير الآن". يصمت "عماد" قليلا محاولا استجماع قواه واستكمل بكلمات متقطعة تركت عملى مسرعا وعدت للمنزل وبمجرد وصولى إلى القرية وجدت جميع الأهل والجيران بالمنزل فوجدت أمى فى شبه غيبوبة غير قادرة على النطق بغير كلمات هاتولى "محمد" إنت فين يا "ضناي".؟ صرخ شقيق الشهيد فجأة مرددا "محمد كان نفسه يوصل "نادين" بنته ذات الثلاث سنوات أول يوم للحضانة فى بداية شهر سبتمبر ولكن الأوغاد لم يسمحوا له بتحقيق حلم حياته دا عمره 27 سنة ومتزوج من 5 سنوات وربنا رزقه ب"صبري" لم يكمل عامه الأول". أمسك الأخ المكلوم بهاتفه المحمول ونظر لصورة الشهيد وهو واقف أمام المدرعة محمد "كان بيدرس فى كلية الحقوق بجامعة بنها وفى الإجازة الماضية سدد كل الرسوم الدراسية للعام الثانى فهو دائما كان يحلم بأن يكون ضابطا يخدم الوطن لكن الكفرة لم يمهلوه غير عامين هى مدة خدمته بجهاز الشرطة الذى فضل العمل بمنطقة رفح منذ تخرجه". تركنا موجات الأسي،ونقلتنا رياح الحزن إلى قرية كفر عطا الله بمركز بنها التى كانت تئن بمرارة فراق ابنها، وتسابق الآلاف فى مواساة أهالى الشهيد عريف الشرطة محمد مرسى عبدالله ونار الانتقام تغلى فى صدور النساء قبل الرجال يريدون أن يثأروا لما حل بفلذات أكبادهم وهم يلبون أشرف واجب على وجه الأرض دفاعا عن الوطن. وبين صفوف المعزين لا تعرف من شقيق الشهيد من صديقه، فالمصيبة واحدة والكل يشعر بالفاجعة التى ألمت بهم غير مصدقين عدم رؤية الشهيد مرة ثانية متسائلين فى لهجة شديدة "لماذا ننتظر كل يوم يتحرق قلبنا على ولادنا؟ كفاية كده" وطالبوا بضرورة تأمين طريق الوفاق البالغة مساحته 5 كيلو مترات بتكثيف الدوريات. وفى أحد جنبات مضيفة العزاء التقينا "وليد" ذا الثلاثين عاما شقيق الشهيد وقال والدموع تنهمر من عينيه "أخوى متطوع منذ سنتين فى الشرطة ومنذ تخرجه طالب بالخدمة فى رفح وتحديدا منطقة الشيخ زويد". وأضاف بصوت تدغدغ كلماته الدموع : ""محمد" كان المفروض ينزل إجازة من حوالى ثلاثة أيام ولكن تم تأجيلها لينفذ أمر الله وينال شقيقى الشهادة ربنا يصبرنا على فراقك". ارتعش جسد وليد وهو يتذكر كريمة الشهيد "شاهندة" ذات الثلاث سنوات قائلا ماذا سأقول لها عندما تسأل عن والدها. وماذا ستفعل زوجته الحامل فى سبعة أشهر.؟!. ويقول محمود عبدالجواد صديق الشهيد "محمد اتصل بيّ يوم الاثنين الساعة الواحدة والنصف ليلا وقال لى هطلع مأمورية ادعيلى يا صديقى ارجع بالسلامة. وأطمأن على جميع الأصدقاء. وقال بصوت خافت: وكانت أخر مأمورية. وآخر مرة أسمع صوتك يا "محمد" الله يرحمك".