يكفي أنه من أسماء الله الحسني التي ندعوه بها, وأيضا يعد من أسباب قيام الدول وتقدمها بين الأمم, أمر به الله في الحكم بين الناس والمعاملات وتوزيع المواريث وغيرها, فمقام العدل في الإسلام عظيم وثوابه عند الله أكبر. ويقول الشيخ عبدالحميد الأطرش أمين عام الدعوة بالأزهر سابقا إن العدل أمر إلهي وآية يقرؤها الخطيب في كل جمعة إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون الآية(90) سورة النحل, والعدل أساس الملك والله تبارك وتعالي ينصر الدولة الكافرة العادلة ولا ينصر الظالمة وان كانت مسلمة ولو اننا تصفحنا في سيرة سلفنا الصالح لوجدنا ان العدل هو اساس حياتهم, وأن الدنيا قامت بالعدل. ولقد حدث أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سقط منه درع وهو عائد من إحدي الغزوات كان ورثه عن النبي محمد صلي الله عليه وسلم وبعد مرور عام أو أكثر جاء رجل إلي الإمام علي وقال له يا أمام إن درعك التي سقطت منك عند جاري اليهودي وهو سيبيعها في السوق فرفع علي رضي الله عنه شكواه إلي القاضي شريح فاستدعي القاضي الاثنين اليهودي والإمام علي وحينما جاء وقت التقاضي قال القاضي لعلي قم يا أبا الحسن وقف بجوار خصمك اليهودي وقام علي وقد تغير لونه وظهر الغضب علي وجهه وقال القاضي لليهودي ماتقول فيما هو منسوب إليك, فقال اليهودي الدرع درعي وفي حوزتي وهي ملكي, فقال القاضي للإمام علي: ماتقول يا علي, فقال رضي الله عنه الدرع درعي ورثته عن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم أبعه لأحد ولم أهبه لأحد, فقال القاضي: ألك بينة( شهود) فقال علي: الحسن والحسين فقال القاضي: إنهما ولداك وشهادة الولد لاتجوز لأبيه في الإسلام, فقال علي: أو ترد شهادة رجلين قال عنهما النبي صلي الله عليه وسلم أنهما سيدا شباب أهل الجنة, عند ذلك التفت علي إلي اليهودي وقال: خذها فليس عندي شاهد غيرهما, فقال القاضي إنه الإسلام, فقال اليهودي: ولكني أشهد بأن الدرع لك يا أمير المؤمنين! ثم أردف قائلا: يا الله.. أمير المؤمنين يقاضيني أمام قاضيه! وقاضيه يقضي لي عليه! اشهد أن هذا الدين الذي يأمر بهذا الحق والعدال والمساواة وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله, فقال القاضي لماذا تغير لونك وتغير الغضب علي وجهك فقال الإمام: لانك كنيتني حين قلت لي يا أبا الحسن ولم تكنه فالقاضي لابد ان يساوي بين الناس بالعدل. وقضاة الإسلام كانوا قضاة عدل فقد اشتهر عن أحد القضاة أنه يحب نوعا معينا من الفاكهة فجاءه رجل يحمل صندوقا مملوءا من هذه الفاكهة قبل أوانها ودخل الحاجب علي القاضي بهذه الفاكهة فسر بها وقال لحاجبه أله قضية عندنا؟ قال: نعم, فقال له: أعطه فاكهته وأحرمها علي نفسي ما حييت وأحال القضية إلي قاض آخر حتي لا توسوس له نفسه بشيء. هذا هو العدل والقضاء الذي قامت به الدنيا ومن أسمائه سبحانه وتعالي العدل وهو القائل في محكم آياته إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنه يضاعفها ويوت من لدنه أجرا عظيما من جانبه يقول الشيخ حسين سيد محمد إمام وخطيب بوزارة الأوقاف إن العدل هو وضع الشيء في موضعه من غير نقص ولا زيادة ولا عدول عن مكانه أو زمانه, وقيل إن العدل هو أخذ ما لك وإعطاء ما عليك, فإذا وضع الشيء في غير موضعه كان ذلك سفها وجهلا, وإذا وضع بنقص أدي ذلك إلي انتشار العداوة والبغضاء, ولذلك لابد من الالتزام بالعدل لاسيما عند توزيع المواريث حرصا علي تماسك الأسرة وحتي لا تجد العداوة مكانا بين الأشقاء. أما إذا وضع العدل في غير موضعه بزيادة أدي ذلك الي الطمع, إذا وضع أو عدل عن مكانه أو زمانه أدي ذلك إلي حدوث الفوضي في المجتمع وبهذا يتحول المجتمع إلي غابة فيكون صوت القوة الغاشمة هو المسموع ولذلك نستطيع أن نقول إن المجتمع يكون متوازنا إذا كان صوت العدل والإنصاف هو المسموع لا صوت القوة والاجحاف. والإسلام أمرنا بالعدل في الأقوال كالشهادات وغيرها ولذلك يقول الله تبارك وتعالي: وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي الآية(152) سورة الأنعام, كما أمرنا أيضا بالالتزام بالعدل في الأمور التي يحدث فيها ميل بسبب قرابة أو مصلحة أو غيرها فقال تعالي: ولا يجر منكم شنان قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون الآية8 سورة المائدة. والعدل مطلوب في الأحكام المترتب عليها جزاءات بالعقاب أو الثواب مصداقا لقوله تعالي: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا الآية58 سورة النساء. والتزام العدل بين الأبناء يعد طاعة لله ورسوله فعنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم فعلي الوالد والوالدة أن يتقوا الله تعالي وأن يعدلوا بين أبنائهم في كل أمور حياتهم, ولا يفرقوا بين أحد منهم, فالعدل بين الأولاد من أعظم أسباب الإعانة علي البر, وعلي النقيض من ذلك فإن التفريق بين الأولاد من أعظم أسباب العقوق والكراهية. ويروي أن بعض عمال عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين كتب إليه: أما بعد, فإن مدينتنا قد خربت, فإن رأي أمير المؤمنين أن يقطع لها مالا يرمها به فعل, فكتب إليه عمر: أما بعد, فقد فهمت كتابك وما ذكرت أن مدينتكم قد خربت, فإذا قرأت كتابي هذا فحصنها بالعدل, ونق طرقها من الظلم, فإنه مرمتها, والسلام.