هذه هي إسرائيل منذ كانت.. لن تغادر أو تتخلي عن سياساتها الدموية واستراتيجيتها التوسعية ومطالبها الاقليمية ومؤامراتها الدولية, هذه هي إسرائيل المنحرفة عن مسارات التاريخ. هذه إسرائيل التي لا تعترف بحقائق الجغرافيا, هذه هي إسرائيل التي تسحق القانون, هذه هي إسرائيل التي تلفظ الآدمية وتقشعر من المباديء وتكره القيم, هذه هي إسرائيل ذات الكيان المريض الناقل لعدواه عبر المحيط الأرضي, هذه هي إسرائيل المتجبرة والتي ينخر الخوف خلاياها, هذه هي إسرائيل التي يتوسم العرب أن تكف أذاها وتثوب إلي رشدها وهم قعود ساهون غارقون في أحلام اليوتوبيا والتصوف السياسي انتظارا لأن يجود الزمان بالأماني والمستحيلات!! إسرائيل هي إسرائيل منذ كانت بالأمس القريب والبعيد وستظل هي إسرائيل الغد وبعد الغد. نعم انها تلك التي مزقت أوصال المنطق الإنساني وانتهكت المقدسات وأنهكت أصحابها. هذه هي إسرائيل التي كان ومازال يتشدق أربابها بمقولات اللؤم والمكر والخديعة والمراوغة والفتن, فهذه هي جولدا مائير التي طالما رددت أن القضية الفلسطينية سوف تموت مع الزمن لأن الكبار سوف يموتون والصغار سوف ينسون!! وذاك هو هرتزل الذي قال( إذا ما حصلنا علي القدس في يوم من الأيام سنبدأ بتنظيفها من كل ما هو غير مقدس), أما نيتانياهو فيصرح بان الروابط القائمة بين الشعب اليهودي والقدس أقوي من أي روابط يمكن أن تقيمها شعوب أخري بهذه المدينة.. تلك الروابط التي صمدت علي مدي آلاف السنين!! ثم نراه يطرح الاستراتيجية الإسرائيلية القبيحة علي اجمالها وتفصيلها في عبارته الخطرة حين يؤكد للأمة العربية أنه عندما يقاتل أعداؤك بعضهم بعضا فلا تقوي أحدهما علي الآخر بل عليك أن تضعف الاثنين!! وقبل كل ذلك قالها بن جورين في حسم وصرامة أنه لا معني لإسرائيل بدون القدس ولا معني للقدس بدون الهيكل!! ولعل الواقع السياسي يشهد بمدي التجسيد المباشر لكل تلك المقولات وأكثر منها. لكن التساؤل المرير الذي يظل ثابتا شكلا ومحتوي هو: هل تغير رد الفعل العربي تجاه المرات العديدة التي ضربت أو دكت فيها غزة أو غيرها من المدن الفلسطينية أو ما هو الفارق النوعي بين ضرب غزة ماضيا وحاضرا!؟ أو ضربها حاضرا والتخطيط لضربها مستقبلا؟! ان التساؤلات مهما تختلف وتتباين لا يمكن أن تظل ذات إجابة واحدة إلا لدي العرب!! أن ما يفوق الجنون في قضية غزة أو يبرر الخيانة للقضية الفلسطينية وللشعب المهيض انما يتمثل في موقف حركة حماس تلك الحركة المشبوهة العميلة الرافضة للمبادرة المصرية الداعمة لوقف اطلاق النار وهي تدرك جيدا أن ذلك الرفض لا يعني إلا استمرار نزيف الدم الفلسطيني, وبدلا من أن تساوم العدو الإسرائيلي نراها تساوم مصر لتدويل معبر رفح مقابل الموافقة علي المبادرة بينما الجبهة الإسرائيلية بكل ميكانيزماتها قد قبلت تلك المبادرة ورحبت بها أيضا الحكومة الفلسطينية بل وتساومها أيضا علي أن رفض المبادرة يعني استمرار الحرب واستمرار الحرب يعد مهددا للأمن القومي المصري. هذه هي حماس.. الظهير الفعلي للإخوان والتي لا ترجي إلا البقاء في السلطة للاتجار بالقضية الفلسطينية وبث أحقادها المسمومة تجاه مصر التي أبادت الحركة الإخوانية بعد أن فضحتها وأشعلت نيران الكراهية ضدها في الكثير من ارجاء العالم. ولعل حماس لا تستهدف من جراء ذلك إلا إلجاء سكان غزة تحت وطأة القذف والدمار إلي الفرار إلي الحدود المتاخمة والتي هي سيناء, من ثم سوف تمنع إسرائيل مستقبلا عودة هؤلاء المهاجرين إلي غزة, من ثم أيضا تبدأ جولات التفاوض مع مصر علي توطين هؤلاء وبقائهم واعتبار سيناء وطنا بديلا وهو لب مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تنطلق بداياته من زرع خلايا إرهابية داخل سيناء تقوم بعمليات القصف الصاروخي لإسرائيل التي لن تتواني بدورها مطلقا في تفسير فلسفة رد الفعل وشرح موقف الدفاع عن النفس لتبدأ مناوشات عسكرية تعقبها حرب طاحنة, وليس ذلك بغريب فقد أكد تلك الحقيقة أحد أهم الأصوات المناوئة للصهيونية العالمية جدعون ليفي حين قال:( انهم في المجتمع الإسرائيلي يطلقون النار في زمن الحرب وفي زمن السلم والهدوء أيضا) كما أكد أن النقد المجتمعي في إسرائيل مقصور علي مجالات محددة فيجوز انتقاد الزحام وأسعار الجبن وأرباب المال وأسعار القهوة في مطار تل أبيب كما يجوز انتقاد المسرح والسينما واباحة التحقيقات مع رؤساء البلديات والمطربين المتهربين من الضرائب والساسة الذين أقالوا الخادمات العاملات في بيوتهن.. لكن لا كلمة عن جرائم الحرب!! نعم انها لمحة من فضائخ عصر الحداثة وما بعد الحداثة ومن جرائم عصر العولمة والمعلوماتية وبشائع الحضارة المعاصرة, لكنها رغم ذلك لم تمثل استفزازا سافرا أو مستترا لأولئك المستغرقين في سبات عميق.. الذين يرفضون الاستفاقة والصحوة والنهضة وتأكيد الذات علي أي شيء والذين تطلق عليهم القواميس والمعاجم والموسوعات مسمي العرب.