مصر تشهد جهودا وطنية متواصلة للاصلاح الاقتصادي والسياسي, وسيادة قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية, واحترام حقوق الانسان, وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية في كل مجالات العمل الوطني. والاسئلة التي تطرح نفسها: أين القطاع التعاوني الذي يضم12 مليون أسرة في إطار18 ألف منظمة تعاونية شعبية.. تعتبر من أبرز منظمات المجتمع المدني.ما هي مكانة القطاع التعاوني علي خريطة المتغيرات الاقتصادية والسياسية السريعة المتلاحقة في ظل الأزمة المالية العالمية..؟! إلي متي تهميش دور القطاع التعاوني.. وتجاهل دوره في مسيرة التنمية.. وخدمة أهداف المجتمع لتحديث ونهضة مصر؟! الحقيقة ان النهضة التعاونية أصبحت ضرورة وطنية عاجلة ولابد أن يساير خطوات الاصلاحات الاقتصادية والسياسية. وقد مرت الحركات التعاونية في مصر بمراحل عديدة وتجارب كثيرة واجتازت العديد من المحن والصعاب حتي وصلت إلي صورتها الحالية. ويعتبر النظام التعاوني احدي صور الملكية الثلاث في المجتمع المصري المقررة بحكم الدستور وهي الملكية العامة والملكية الخاصة, والملكية التعاونية, وذلك باعتبار أن التعاون جهاز اقتصادي اجتماعي ديمقراطي يهدف إلي النهوض بالمجتمع وذلك بتنظيم جهود الفرد لصالح المجموع وجهود المجموع لصالح الفرد فيما يتعلق بشتي مرافق الحياة انتاجية كانت أم استهلاكية أم خدمية. وتنص المادة28 من الدستور علي أن ترعي الدولة المنشآت التعاونية بكل صورها وتشجع الصناعات الحرفية بما يكفل تطوير الانتاج وزيادة الدخل, وتعمل الدولة علي دعم الجمعيات التعاونية الزراعية وفق الأسس العلمية الحديثة. يعتبر القانون التعاوني أداة لتنفيذ خطة الحكومة لرعاية التنمية التعاونية. والقوانين التعاونية اعتراف رسمي من جانب الدولة والحكومة بالجمعيات التعاونية بوصفها شكلا ينظم المساعدة الذاتية علي أساس من التضامن بعد أن أثبتت التجربة العالمية أن هناك احتياجا حقيقيا لمثل هذا النوع من المنظمات. وقانون التعاون عبارة عن مجموعة من الأحكام تنفذ المبادئ التعاونية تحت الشروط السائدة وطبقا لسياسة الحكومة الخاصة بالتنمية التعاونية. وتنص القوانين التعاونية في مصر علي أن الجمعيات التعاونية أيا كان نوعها تعتبر تنظيمات شعبية ديمقراطية تقوم أساسا علي مبادئ التعاون وخططه وأساليبه باعتباره من وسائل تحقيق العدالة الاجتماعية, وتباشر نشاطها بهدف تحسين الشئون الاجتماعية والاقتصادية لأعضائها في حدود الخطة العامة للدولة. ويخضع القطاع التعاوني بمختلف أنشطته في ممارسته لأهداف سبعة قوانين تعاونية. التعاونيات منظمات أهلية تعمل في مجال التنمية الاجتماعية من خلال ممارسة النشاط الاقتصادي لمحدودي الدخل وصغار المنتجين, وتضم التعاونيات المصرية أكثر من12 مليون عضو, ينتظمون في نحو18 ألف جمعية تعاونية, تتوزع بين خمسة قطاعات نشاط وهي: التعاونيات الاستهلاكية, والتعاونيات الانتاجية الحرفية, والتعاونيات الزراعية, والتعاونيات الاسكانية, وتعاونيات الثروة المائية, علاوة علي تعاونيات التعليم والخدمات. وهذه الجمعيات هي منظمات لا تستهدف الربح, وتقوم ادارتها المنتخبة ديمقراطيا من الأعضاء علي التطوع, وتقوم بتزويد أعضائها وغيرهم من الجمهور بالسلع والخدمات ومستلزمات الانتاج بسعر التكلفة, وتؤدي هذه التعاونيات بأموالهاالذاتية ودون تحميل ميزانية الدولة أية أعباء أدوارا بالغة الأهمية في الاقتصاد الوطني سواء في التخفيف من حدة الفقر, أو موازنة الأسعار, أو التشغيل أو التمويل الذاتي لاستثماراتها. ولهذا فإنها تعد جزءا رئيسيا من رأس المال الاجتماعي, يؤدي تجاوزه إلي تحمل المجتمع تكاليف باهظة مالية وإدارية سواء في تكلفة البدائل أو انفلات الأسعار أو تزايد البطالة. إن واقع المجتمع المصري بمشكلاته وهمومه وآماله في المستقبل يؤكد ان التنظيمات التعاونية الشعبية الديمقراطية هي الطريق الصحيح والدعامة الأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية. والتنظيمات التعاونية هي الترجمة الصحيحة لقيم المحبة وتقديس العمل, وتعميق الممارسة الديمقراطية, وكل الأخلاقيات التي يتمسك بها المجتمع المصري, وهي الأداة السليمة للتوازن بين الفرد والجماعة وتحقيق مبدأ الفرد للمجموع والمجموع للفرد. لقد صنع النظام التعاوني حياة الرفاهية للملايين علي امتداد خريطة العالم. إن الحركة التعاونية المعاصرة علي امتداد خريطة العالم اقتحمت آفاقا جديدة وواسعة ومتنوعة لخدمة المنتجين والمستهلكين والتي تحمي الإنسان من كل صور الاستغلال وتحقق له العدل الاجتماعي والحياة الكريمة. لقد استطاعت المنظمات التعاونية سواء في العالم المتقدم أوالعالم النامي أن تمارس وظائف جديدة في مجالات الإنتاج والتصنيع والتوزيع والخدمات في مجالاتها وصورها, وتقيم المشروعات التعاونية الضخمة وأن تقف علي قدم المساواة في وجه المنافسة الشرسة للمشروعات الخاصة الرأسمالية والشركات المتعددة الجنسية. أصبح القطاع التعاوني في الوقت الراهن يمارس دورا بارزا في حركة تجديد المجتمع وتوفير واشباع احتياجات الإنسان المتغيرة والمتزايدة بالجودة الممتازة والأسعار الملائمة. ومصر تملك أقدم الحركات التعاونية في العالم الثالث ولها تراث وتقاليدعريقة في مجال الفكر والتطبيق التعاوني. مصر اليوم.. هي المركز الرئيسي والأساسي لإعداد الكوادر,التعاونية الشعبية والفنية من العالم العربي..ومن بلدان آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية. إن الحركة التعاونية المصرية تقف اليوم وجها لوجه أمام تحديات كبري تفرضها مشاكل المجتمع المصري. إن الحركة التعاونية المصرية مطالبة اليوم بأن تثبت وجودها وتشارك بفاعلية في مسيرة البناء والتنمية وإلا حكمت علي نفسها بالجمود والعزلة. الحركة التعاونية المصرية اليوم في موقف أن تكون أو لاتكون. ورغم الجمود الطويل,والسلبيات القاتلة التي تعيشها الحركة التعاونية المصرية, إلا أنها تملك رصيدا ضخما وصفحات مضيئة ومقومات هائلة للانطلاق إلي الآفاق التعاونية العصرية. المجتمع المصري يشهد اليوم تحولات اقتصادية واجتماعية جذرية وعميقة..والتعاون بمنظماته غائب تماما عن الساحة..القطاع الخاص يناقش أوضاعه ومشاكله..والقطاع العام يطور نفسه, ولامكان للقطاع التعاوني.. القطاع الثالث بحكم الدستور علي خريطة العمل الوطني اليوم. وكانت النتيجة المنطقية لغياب القطاع التعاوني عن ساحة العمل الوطني..تجاهله تماما من جميع المسئولين. القطاع التعاوني في حاجة سريعة إلي هزة عنيفة ليستيقظ من سباته العميق ومصارحة ومكاشفة لأمراضه.