دقت أجراس جامعة القاهرة بصوت مدو معلنة عن بدء عام دراسي جديد.. وازدحمت الطرقات, واكتظت القاعات بالطلبة القادمين من كل حدب وصوب طلبا للعلم وتاهت همس. وسط الحشود وأحست ببحر الخوف يبتلعها, وسمعت دقات قلبها تدق مع دقات الجرس, وتخطو مع كل خطوة من قدمها.. وبينما هي تسبح بين أمواج خوفها, وغابات قلقها إذ بها تصطدم بشاب طويل القامة فاضطربت همس حينها, والتفت هو صوبها, فانتحرت الكلمات بين حلقها وشفتيها, وأومأت برأسها فقط معتذرة.. فاخترق بنظراته أعماق نفسها الخائفة مبادرا.. هل أنت طالبة بالعام الأول؟ فأومأت.. فضحك ثم صمت حينما لاحظ ضيقها قائلا.. ملامحك تدل علي مضمون نفسك القلقة, كلنا مررنا بهذا التجربة حينما انخرطنا في اليوم الأول بالجامعة... هل يمكنني معرفة اسمك؟ فقالت برقة ونعومة.. همس فرد.. ما أجمل اسمك ياهمس... أخوك أحمد, وابتسمت هي بتحفظ فأرشدها لمكان كليتها وأدخلها قاعة محاضراتها وقال قبل ذهابه.... سأعود لأطمئن عليك بعد انتهاء محاضرتي... وافترقا وقد دب الأمان في نفسها, وهدأت نبضات قلبها الخائفة, ولكنها دقت معلنة بدء انبثاق حب وليد في قلب طالبة العام الدراسي الجديد. وسطر التاريخ أول سطوره في علاقة حب تربط بين قلبين لم يبزغ فجرهما بعد... واعتاد أحمد أن يوصل همس كل يوم إلي الباص الذي تستقله ليطمئن عليها... واعتاد كذلك أن يلتقيا كل صباح قبل انطلاق كليهما نحو محاضراته, وتفتحت براعم حبهما, وشهد عليها صدق مشاعرهما, وجمال أحلامهما. وتخرج أحمد بتفوق. فرقص قلب همس طربا إلا أن عينيها بكتا اعتياد لقائه ولكنه طمأنها ووعدها أن يبقيا علي عهد لقائهما اليومي مهما كلفه الأمر, فكان يأتيها كل يوم ليغذي قلبيهما بدفء اللقاء وجماله... حتي عثر علي عمل ففرحا لاقتراب تحقيق حلمهما, وما إن نجحت همس بتفوق حتي ذهب أحمد لأهلها حاملا قلبه الألماسي وعشقه النوراني, ولكن الاهل لا يعرفون للحب وحده قيمة... فأسرع والدها بإيجاد الزوج المناسب الثري الذي يعمل بالخليج ورضخت همس بعد عناء وجهد طويل مع أهلها.. وسافرت وسافر معها قلبها المحطم الكسير للخليج, ولكنها ظلت علي عهد الحب باقية.. ولميثاق القرب وفية فهي تتصل بأحمد في يوم مولده من كل عام لتهديه باقة حب صامتة. واعتاد هو أن ينتظر هذا اليوم بفارغ الصبر.. ومرت أربع سنوات دون بارقة أمل, فرضخ أحمد لإلحاح أمه وتزوج ابنة خالته التي حولت حياته لجحيم تحمله لأجل طفله الصغير فقط. وعاش أحمد وهمس حياة بلا روح يتلاقي فيها قلباهما رغم فراق جسديهما.. وفجأة مات الطفل الصغير نتيجة إهمال أمه. الشديد فقرر أحمد الطلاق وتفرغ لهجير الذكريات ولوعتها فقط وهناك علي شط الخليج ذاقت همس الأمرين مع زوج عربيد.. يعشق النساء والشراب فالمال وفير, والوقت كثير.. ولم يشأ المولي أن يرزقها بطفل يؤنس وحدتها ويخفف من ألمها فصبرت واحتسبت حتي تطاول عليها زوجها وضربها ضربا مبرحا, رقدت علي أثره في المستشفي لأسبوع كامل.. رضخ بعدها لطلبها, وأطلق سراحها... وعادت للديار قبل يوم مولد حبيبها بيومين...... وفي نفس الموعد, ونفس المكان, كانت مفاجأة الرحمن. فقد ذهب كلاهما ليرتشفا عبير الذكريات, ولينتظر أحمد منها أجمل الهمسات التي اعتادت أن تثريه بها كل عام, فإذا بها تهديه أجمل مما توقع....... إنها اليوم تهديه نفسها وأروع سنوات عمرها. سمر فضل القاهرة