العراق يشتعل مجددا. تزايدت حوادث العنف وهجمات القاعدة في الشهور الأخيرة. غير أن ما حدث في الأيام الأخيرة يدل علي أن كل ما حدث قبل ذلك لم يكن سوي مقدمة لمرحلة مختلفة نوعيا عن كل ما سبق استعادة الأمن للعراق, وكبح جماح المليشيات السنية والشيعية المتطرفة كان هو الإنجاز الأكبر لحكومة السيد نوري المالكي طوال السنوات الأربع التي قضتها في الحكم. العامان2005-2006 كانا الأسوأ أمنيا في العراق, تحسن الوضع عندما شرعت الحكومة في كسب ود السنة العراقيين, خاصة في محافظة الأنبار, وعندما ساعدتهم في تشكيل الصحوات, تلك التنظيمات القبلية المسلحة شبه الرسمية, فكانت الصحوات كما كان انقلاب السنة ضد القاعدة هما السلاح الفعال لمحاصرة القاعدة في العراق. المواجهات المتتالية التي شنتها قوات الحكومة ضد المليشيات الشيعية المتطرفة في مدينة الصدر والنجف والبصرة قلمت أظافر المتطرفون الشيعة, فتمت استعادة الهدوء لمناطق الشيعة بعد أن تمت استعادته في مناطق السنة. الشهور الثمانية التي أهدرها قادة العراق وهم عاجزون عن تشكيل حكومة شرعية خلقت فراغا سياسيا تقدم المتطرفون لشغله. كالعادة كانت القاعدة هي البادئة والمبادرة والأسرع حركة. القاعدة التي كانت قد فقدت تعاطف الأهالي من السنة عادت لتتمتع ببيئة شعبية صديقة بين السنة. أهملت الحكومة وعودها للصحوات بدمجهم في الجيش والشرطة, وتأخرت مستحقاتهم لدي الحكومة ففتحوا أذرعهم للقاعدة. الإصرار علي حرمان القائمة العراقية وزعيمها الشيعي المعتدل إياد علاوي من حصاد الفوز الانتخابي الذي حققوه بفضل أصوات أهل السنة أوصل لسنة العراق رسالة مفادها أن لا فائدة, فانفتحت ثغرة في عقولهم وقلوبهم نفذ منها الإرهاب. احتجاز الرهائن ثم قتلهم في كنيسة في بغداد, ثم سلسلة التفجيرات المميتة في أحياء الشيعة هناك, أعمال تحمل بصمات القاعدة التي اعترفت بالفعل بالمسئولية عن بعضها. المسيحيون في العراق مستضعفون ولن يهب أحد لنجدتهم, لكن الشيعة ليسوا كذلك, وليس من المستبعد في مقبل الأيام إذا استمر الحال في التدهور أن تستيقظ خلايا المليشيات الشيعية النائمة, لترد الصاع صاعين, لتتجدد أعمال العنف الطائفي, تماما كما حدث في العام2005 بعد تفجير مراقد الأئمة المقدسين لدي الشيعة في سامراء. الوضع في العراق خطير ولكنه ليس ميئوسا منه, وفي يد قادة العراق إخراج بلدهم من المنحدر الخطير الذي تنزلق عليه. أما كلمة للخروج من المأزق فهي تشكيل حكومة لا تستبعد أحدا من طوائف العراق.