التفجيرات العنيفة التي شهدها العراق في يوم الجمعة الدامي - أصبحت كل أيام الأسبوع دامية في العراق - والتي قتل فيها حوالي 60 مواطنا وأصيب مئات آخرون، جاءت كرد فعل هذه المرة علي نجاح القوات العراقية والقوات الأمريكية في قتل أكبر قياديين في تنظيم القاعدة في العراق وهما أبوعمر البغدادي وأبوأيوب المصري بعد عدة محاولات فاشلة لقتلهما. حيث بالغ تنظيم القاعدة في تضليل القوات العراقية إلي حد إقامة مجلس عزاء منذ عدة أشهر لأبوعمر المصري للادعاء بأنه قتل، وهو ما لم يكن صحيحا حيث واصل التخطيط لعمليات تنظيم القاعدة في العراق، والتي عادت إلي معدلات خطيرة أيام إجراء الانتخابات، وعادت تضرب بقوة وهذه المرة مستهدفة مدينة الصدر ومساجدها «الشيعية» التي شهدت العمليات الإرهابية الأخيرة. جنازات جماعية وشهدت مدينة الصدر جنازات جماعية لقتلي تلك العمليات، توجه جزء منها إلي مدينة النجف «المقدسة» حيث يتبرك الشيعة بدفن أبنائهم هناك إلي جوار المرقد الشريف للإمام علي بن أبي طالب، فيما سادت المدينة أجواء حادة من الغضب ودعاوي الانتقام، واتجهت الاتهامات إلي أكثر من جهة، في المقدمة تنظيم القاعدة وبعض التنظيمات السنية، إضافة إلي الحكومة التي اتهمتها قيادات محلية في المدينة بالفشل في حماية المواطنين وعجز الأجهزة الأمنية عن القيام بمهامها. والغريب في الأمر هي تصريحات الزعيم الشيعي الشاب مقتدي الصدر الموجود في إيران للدراسة الدينية العليا بهدف الحصول علي رتبة «آية الله» حيث دعا مواطني مدينة الصدر أهم معاقله إلي الهدوء وعدم الانجرار وراء مخططات أمريكية تهدف إلي جر العراق إلي مزيد من الحروب لتبرر استمرار الاحتلال إلي سنوات أخري قادمة. وأبدي الصدر استعداده لتقديم مئات من أنصاره للانخراط في صفوف القوات الأمنية لتشكيل سرايا رسمية لحماية المساجد، وأن يكون هؤلاء سرايا رسمية في جيش العراق أو شرطته، وذلك علي غرار تجربة السنة في تشكيل جماعات الصحوة التي نجحت في التصدي لتنظيم القاعدة في عديد من المدن العراقية، واستطاعوا تأمينها إلي حد بعيد. ميليشيات جديدة ولكن الحكومة العراقية رفضت السماح بتشكيل أي ميليشيات جديدة في إطار سعيها لجمع السلاح من الشارع، وإبقاء المهام الأمنية منوطة بالقوات الرسمية فقط. وبعيدا عن السجال في الشارع العراقي حول أبعاد العمليات الإرهابية الجديدة، فإن تلك العمليات تكشف بالفعل عن أبعاد خطيرة للمشهد العراقي الراهن. فالقوات الأمنية لاتزال بعيدة عن ضمان الأوضاع الأمنية بشكل كامل، وتوجد شبهات حول اختراق لتلك القوات، وقد جرت بالفعل عملية محاكمة لقادة أمنيين وحكم عليهم بالسجن أو بالطرد. الأزمة السياسية استمرار الأزمة السياسية الخاصة بتشكيل الحكومة، والنزاع بين رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي ورئيس القائمة العراقية إياد علاوي الفائز ب 91 مقعدا في الانتخابات الأخيرة متفوقا علي كتلة ائتلاف دولة القانون بمقعدين، وبالتالي تحول الشارع العراقي إلي رهينة في يد النزاعات السياسية، ولا يبتعد تورط جهة سياسية في تنظيم تلك الانفجارات لحصد مكاسب سياسية علي مائدة المفاوضات الخاصة بتشكيل الائتلاف الحكومي الجديد. حرب أهلية المحاولات المستميتة لتنظيم القاعدة لاستمرار إبقاء الجبهة العراقية مفتوحة للقتال ضد القوات الأمريكية، رغم انسحابها بالكامل بعيدا عن المدن، ومحاولة تفجير الوضع بجر العراق نحو حرب أهلية، واستهداف مساجد وتجمعات الشيعة من شأنه دعوة منظمات وميليشيات الشيعة للرد بهجمات علي المساجد والأسواق وأماكن تجمعات السنة، وهو ما حدث في السنوات الأولي التي تلت الغزو الأمريكي، وأمكن السيطرة علي انفجار مثل تلك الحروب من خلال جهود عقلاء الشيعة والسنة في العراق معا. يبقي أنه لا يوجد أفق لحل مشاكل العراق سوي التأكيد علي أهمية بناء ائتلاف وطني واسع يضم أهم القوي الفائزة في الانتخابات الأخيرة لضمان دولة القانون وتحقيق الأمن وبناء دولة المواطنة، وهو تحد يواجه بمحاولات مستمرة من جانب القاعدة التي لا تنوي التفريط في العراق.