القارئ والمتابع لأحداث مصر من200 سنة يتأكد كل يوم أن نواة مصر الحديثة كانت علي أيام محمد علي باشا الكبير..لقد عرفنا محمد علي علي أنه نواة الاصلاح الحديث وعرفنا أن الشعب المصري أيامه لم يكن يزيد علي الخمسة ملايين نسمة وعرفنا أنه صاحب مدرسة تعليم المصريين كل فنون الحياة وأن أول من أرسل البعثات المصرية للتعليم في فرنسا ثم انجلترا. لكن هناك جوانب أخري جعلته قضية دولية مؤثرة في تاريخ المنطقة وتاريخ العالم أيضا الأمر الذي دعا مؤرخا له وزن هو الدكتور المؤرخ محمد رفعت يقول إن ما قام به محمد علي لا يختلف عما قام به بطرس الأكبر أو نابليون بونابرت! *هو والسودان وتنظيم شئون الجنوب كانت هناك فكرة وادي النيل وهي التي ظهرت بشكل بارز بعد التدخل البريطاني بعد احتلال مصر عام1882 م وبعد أن شاركت في حكم السودان بعد سقوط الثورة المهدية وذلك بمقتضي اتفاقية مشهورة عام1899 املاها اللورد كرومر المعتمد البريطاني في القاهرة علي الحكومة المصرية. ثم كان هناك تفكير آخر نشأ في كلية جوردون باشا عام1903 م وهي الكلية التي كانت نواة جامعة الخرطوم وهي كما يقول الدكتور يونان لبيب رزق التي سعت منذ بداية ظهورها إلي أن تكون الحضانة التي تربي أجيالا جديدة من المثقفين السودانيين ثقافة غربية وغير اسلامية.. وكان همهم الأكبر وجود إظهار مصر في السودان علي أنه الاستعمار بعينه. ولكن لم يكن ذلك صحيحا والمرجع هنا بقلم يحيي الفضلي وهو كاتب سوداني ومن أبرز الداعين إلي وحدة وادي النيل لعل من أكبر فضائل محمد علي في السودان هو كيانه ذو الحدود السياسية الحاضرة فلقد برز السودان لأول مرة في التاريخ الحديث بحدوده الحالية من صنع محمد علي فإلي ما قبل عهده لم تكن للسودان وحدة سياسية ذات طابع محدد كما هو الحال الآن. لقد قامت في غربيه سلطنة دارفور المستقلة عن باقي أجزائه لتستقل تماما.. كما قامت سلطنة الفونج السلطنة الزرقاء علي ضفتي النيل الأزرق.. وانتشرت في شماله دويلات صغيرة متفرقة, ومشيخات وسلطانات تقوم علي النظام القبلي. مصادفة قادت أحد رؤساء المقاطعات السودانية واسمه الشيخ ناصر مك المريغاب.. لقد شاء له القدر أن يؤدي فريضة الحج في الحجاز التي عاد منها إلي مصر وكان في صحبة الحجيج المصريين وحظي بمقابلة محمد علي باشا.. بل ودعاه في إلحاح أن يأتي إلي السودان ليؤلف مختلف قطاعاته تحت ظله وأن يفيء عليه بما كان علي الشمال من ضروب الاصلاح والعمران.. وهكذا سعي السودانيون إلي مصر.. وادي النيل. وبدأت مرحلة جديدة بين مصر والسودان وكانت سياسة محمد علي في الشطر الجنوبي من الوادي ترمي إلي العمل بكل الوسائل علي تنشيط التبادل التجاري في أكبر مساحة ممكنة من ربوع السودان المترامية وحتي يمكن أن يشترك أكبر عدد من السودانيين في عمليات التجارة وقد استحدث كثيرا من وسائل الترغيب والتشجيع. لقد أثمرت سياسة محمد علي تحسين الانتاج الصناعي في السودان واتسع التبادل التجاري ونجحت سياسته في تشجيع السودانيين علي توسيع رقعة الاراضي المزروعة وادخال زراعات جديدة مثل زراعة النيلة وزراعة القطن واستغلال موارد الغابات السودانية الجيدة والعناية بالمنتجات الحيوانية وتحسين نسلها بقصد الحصول علي خير أنواع الصوف.. وكان يرسل الملح المصري ليدخل في صناعة تمليح الجلود ودبغها حتي يمكن الانتفاع بها علي خير وجه. * هو.. وسقوط عكا وتنبه العقل العربي يقول في هذا المؤرخ محمد رفعت عن مذكرات نابليون بونابرت وهو في المنفي إن الاقاليم التي تخضع للدولة العثمانية ويتكلم أهلها باللسان العربي لتنادي من صميم قلبها تريد احداث انقلاب عظيم وإنها لتنتظر رحيلها وليس من شك ان محمد علي قد ورث عن نابليون فكرة إنهاض العرب والواضح أن في هذا العصر لم يخدم قضية العرب سواء في مصر أو بلاد الشرق الأوسط, أن سبق محمد علي وما فعله ابنه ابراهيم باشا فهو أول من ألف جيشا في العصور الحديثة من العناصر العربية فجند منهم عشرات الألوف يجوب الدول التي تتحدث عن هذه القوة الجديدة واسطولها المصري العربي.. لقد جنت الفكرة العربية في مصر وسائر بلدان العرب من وراء ذلك فوائد أدبية وقومية لاتقدر.. فالجيش كان عنوان الوحدة القومية يخدم المسلم والقبطي أو المسيحي والمصري والسوري والحجازي والسوداني والجميع علي قدم المساواة وأوجد الجيش في هذه الأرجاء جميعا روحا نظامية قومية لا عهد للشرق بها منذ قرون. وقد امتد حكم محمد علي حتي شمل سوريا ولبنان وفلسطين واصبح هو الحاكم المتصرف في دولة عربية واسعة يحدها الخليج الفارسي شرقا وكريت غربا وجبال الطوروس شمالا إلي أعالي النيل الأبيض جنوبا. موضوع محمد علي في تاريخ مصر السياسي من أهم ما يميز الشخصية المصرية ويحللها لكن الدكتور يونان لبيب رزق ترك لنا أسئلة تبحث عن إجابات.. هل كان محمد علي يميل لمحاكاة الغرب مهما كلفه الأمر ؟! أمن العدل هدم محمد علي لانه لم يدع الشعب من أول لحظة إلي الاشتراك في إنهاض مصر ؟