المتأمل مباريات كأس العالم لكرة القدم التي تدور رحاها هذه الأيام يمكنه أن يعرف أن الجماهير في العالم كله قد وزعت انتماءاتها ما بين الفرق التي تتصارع علي الكأس بصرف النظر عن وجود دولة المشجع ومشاركتها بالمونديال من عدمه. وقد ساهمت في رفع شعبية بعض المنتخبات متابعة الجماهير لدوريات كرة القدم في أوروبا وأمريكا الجنوبية ومعرفتهم لاعبي ريال مدريد وبرشلونة ومانشستر يونايتد وتشيلسي وميلانو وروما وأياكس وإيندهوفن وجلطة سراي وبوكا جونيور، وهو الأمر الذي لم يكن متوفراً للجماهير من قبل، وكانوا في الماضي يتعرفون علي اللاعبين كل كأس عالم ثم تنقطع سيرتهم لمدة أربع سنوات ثم يلتقونهم في الكأس التالية أو يكونون قد اعتزلوا وحل محلهم لاعبون آخرون. شكّلت كأس العالم عام 1978 حالة غير مسبوقة في الوطن العربي، إذ إنها كانت المونديال الأول الذي ينقل التليفزيون كل مبارياته علي الهواء مباشرة، وقبل ذلك كانت تأتينا النتائج ثم نشاهد المباريات في اليوم التالي لوقوعها. حدث هذا في كأس 74 التي استضافتها ألمانيا وشاهدنا بالتليفزيون المصري قليلاً من مبارياتها البايتة التي عرفنا نتائجها، وقبلها مر كأس عام 70 التي شاركت بها المغرب كأول دولة عربية بعد مشاركة مصر في عام 34، وقد مرت مرور الكرام حيث جرت وقائعها في ذروة حرب الاستنزاف مع الوحش الإسرائيلي وفي السنة التي تخصصت فيها إسرائيل في قصف مدارس الأطفال والمصانع والمنشآت المدنية. وقد سبقتها كأس عام 66 وكانت مصر تنقل مبارياتها المهمة بعد ثلاثة أيام من المباراة وكان هذا يعد إنجازاً في ذلك الوقت وقد تم بفضل الكابتن محمد لطيف وصلاته الكروية بإنجلترا التي جرت مباريات الكأس علي أراضيها!.لهذا فإن كأس عام 78 كانت هي الأولي التي يشتري التليفزيون المصري مبارياتها كاملة، وكان لاستضافة الأرجنتين لها مع فارق التوقيت الرهيب أثر في أننا كنا نبدأ المشاهدة من العاشرة مساء وحتي ساعات الصباح الأولي.. أتذكر في هذه الكأس الحماس الجنوني للجمهور العربي في تشجيع هولندا التي وصلت للمباراة النهائية لتقابل منتخب الأرجنتين صاحب الأرض، وكان حب الجماهير للفريق الهولندي مرجعه أنه يصل للمرة الثانية علي التوالي للمباراة النهائية ليواجه صاحب الأرض بعد أن واجه في الكأس السابقة المنتخب الألماني علي أرضه أيضاً، وكان لخسارته في المرتين أثر مرير علي الجماهير العربية التي شجعته بجنون!. بعد ذلك عرفنا التليفزيون الملون وشاهدنا المباريات اعتباراً من كأس 82 بصورة مختلفة، لكن كان علينا أن نتعرف علي النجوم ثم لا ندري شيئاً عنهم بعد ذلك، إلي أن ظهرت القنوات الفضائية وملأت السماء فأصبحت الجماهير تتابع الدوري الإنجليزي والإسباني والهولندي والإيطالي وتعرف سعر كل لاعب وسيرته الذاتية وأين نشأ والفرق التي لعب لها وكم يقبض في الأسبوع وتشكلت روابط لمشجعي فرق أوروبا في بلادنا وأصبحت المشاحنات تقع بين مشجعي إيه سي ميلان ومشجعي بارما في البحرين أو بين مشجعي برشلونة ومشجعي أتليتكو مدريد في الرياض أو بين مشجعي ليفربول ومشجعي أرسنال في القاهرة، وقد ظهر هذا واضحاً في الكأس الحالية حيث انفطرت قلوب الشباب حزناً علي خروج الفريق الإنجليزي ثم خروج الفريق البرازيلي وتلاه الأرجنتيني ولكل منها مشجعون ومريدون من شبابنا. وأعتقد أن انتماء الإنسان إلي فريق يشجعه هو أمر يلبي احتياجاً طبيعياً لديه، ولا غضاضة إذا كانت المنتخبات العربية قد غابت أن يشجع المرء فريقاً يختاره من بين فرق العالم حتي لو كان ينتمي لدولة تعتبر العرب جرذاناً لا تستحق الحياة.. فلكرة القدم أحكامها!.