بينما كنت أحاول أن أفك لوغاريتمات مواطن الجمال مع ابنتي ذات ال11 عاما, وهي للعلم تنتمي لجيل لا يعترف بهذا الأسلوب العقيم المميت والسخيف في الشرح والتلقين والحفظ والصم وجدت العبارة الشهيرة وبالضد تعرف الأشياء, هذه العبارة المحفورة في داخل أجيال متعاقبة, ليس عن فهم او اقتناع او اعجاب او حتي اندهاش, ولكن عن حقن وتزغيط( كما تخضع البطة لعملية تزغيط تحت وطأة سيقان فلاحاتنا حتي تكتسب المسكينة بضعة جرامات تجعلها اكثر استدارة وامتلاء ومن ثم اكثر اشباعا حين يقضي الله امرا كان مفعولا) قلما استرعت انتباهي. فاستاذ عبدالرحمن مدرس اللغة العربية في مرحلة الابتدائي, ومن بعده استاذ عبدالباسط مدرس اللغة العربية في المرحلة الاعدادية, ومن بعدهما استاذ عبدالفتاح مدرس اللغةالعربية في المرحلة الثانوية لم يشرحوا لنا المقصود بأنه بالضد تعرف الأشياء, لذلك اعتبرتها وكثيرات غيري من صديقاتي زميلاتي احدي العبارات الكثيرة التي يجب دسها في مواطن الجمال ما أن نري كلمتين متضادتين! والحقيقة لم أع أهمية وعبقرية هذه العبارة إلا وأنا منهمكة في محاولة تحفيظ العبارة لابنتي التي ترفض رفضا عاتيا فكرة الحفظ الصم, فبعد محاولات عديدة باءت جميعها بالفشل لجعلها تردد عبارة بالضد تعرف الأشياء بنفس هذا الترتيب, وليس الأشياء تعرف بالضد أو ان تعرف الاشياء بالضد أو حتي بالعكس تعرف الأشياء فاجأتني بقولها أنا عايزة أعرف العبارة دي اللي بأصمها زي البغبغان هتفيدني ازاي؟ الأم العصية وقع علي السؤال وقوعا مدوبا! ولم تفلح محاولاتي السخيفة في أن اتقمص دور الأم العصبية, اوالست المجنونة, أو حتي المدرسة المقروفة في تخويفها وتهديدها لأجبرها علي الحفظ دون حكاية الفهم دي! ولم ترحم الصغيرة قلة حيلتي, أو انتمائي لجيل لم ينشأ علي حكاية الفهم دي, او عدم تقبلي لمبدأ الحفظ المشروط بالتوضيح, وباغتتني بسؤال آخر أشد قسوة وأكثر ضراوة يعني لما أشوف عربيتك ياماما جنب عربية طنط فادية وهما الاتنين ضد بعض خالص, إيه اللي ممكن أعرفه؟ زادت صدمتي, وتعمقت حيرتي أكثر فأكثر, فسيارتي الصغيرة الشعبية في حالة يرثي لها, وتضامنت الأزمة المالية العالمية مع أزمة الطماطم الحالية ومنعتني كل منهما من تحديثها, في حين لم تنل الازمتان من طنط فادية التي تحدث سيارتها بمعدل مرة كل عام واحيانا مرتين, وها هي سيارتها الفارهة الفاخرة ذات الدفع الرباعي تقف في إباء وشموخ وشمم أمام سيارتي المسكينة المتهاوية ذات الدفع الاحادي في تضاد واضح وصريح إلي درجة الفجاجة. هنا ايقنت ان الصغيرة نجحت فيما فشلت فيه أجيال متعاقبة, لقد طبقت المبدأ المدرس تطبيقا عمليا يسهل عملية الفهم بدلا من الصم, ولكن كل ما فات كوم, وما هو قادم كوم تاني خالص, فقد سألتني الصغيرة عن الأشياء التي يمكن ان نفهمها من هذا التضاد كما ورد في العبارة, هنا اسقط في يدي تماما, فهل أقول لها ان هذا التضاد يوضح الفوارق المادية بيني وبين طنط فادية؟ أم أقول لها إن زوج طنط فادية الذي كان بالأمس القريب يركب سيارة لاتكاد تصل إلي أول الشارع حتي تصيبها أعطال الدنيا والآخرة بات اليوم يمتلك واسرته اسطولا من السيارات الفارهة التي تناسب كل منها مناسبة معينة, فهناك سيارة للمشاوير القريبة وأخري للسفر وثالثة لاستخدام السائق ورابعة للعمل وهكذا ام افصح لها عن المزيد واقول لها ان طنط فادية وزوج طنط فادية يعملان في مجالات بيزنيس مختلفة يؤكد بعض الخبثاء انها ملتوية او معوجة او منحرفة؟ حماية وتأمين وبغض النظر عما آلت إليه جلسة مذاكرة اللغة العربية, ومواطن الجمال التي دوختني, إلا أن النتيجة بالتأكيد كان مفيدة جدا, فقد طبقت العبارة علي الكثير من الظواهر من حولي, ووجدت انها عبارة عبقرية, فمثلا تذكرت أيام كنت أدرس في جامعة سيتي في لندن, تلك الجامعة العريقة التي تقع في قلب لندن الحيوي والنابض والمزدحم, وكيف انني لم ار ولم أشعر يوما بوجود عناصر امن رسمي امام أو حول او داخل ابواب الجامعة, بالطبع هناك موظفون علي البوابات لتسهيل عملية الدخول والخروج والاطلاع احيانا علي كارنيهات الطلاب, بالإضافة إلي مساعدة الزوار للوصول إلي وجهاتهم, لكن هذا الشعور الذي ينتابك وأنت مقدم علي الدخول إلي جامعة في المحروسة, وهل سيسمح لك الضابط او أمين الشرطة او العسكري اوالصول بملابسه الرسمية بالدخول ام لا, وان سمح لك, هل سيتم ذلك بسلاسة, ام بعد تعقيدات واسئلة توجه لك كأنك جئت لتفجر المكان, وان أمرك مفضوح أمام البيه الضابط, وأن أية محاولة للإنكار ستبوء بالفشل الذريع؟ هذا التضاد, الذي لا يعني بأي حال من الأحوال وجود تراخ أمني في الجامعات الخالية من الأمن الرسمي, هل يوضح لنا أشياء ما؟ ربما! فيس بوك والضبة و المفتاح مثال آخر مستقي من العبارة فرض نفسه علي وأنا أطالع خبرا صغيرا نشرته جريدة الحياة الدولية مفاده أن عددا من الشركات الألمانية منعت موظفيها من استخدام موقع فيس بوك الإلكتروني أثناء وجودهم في العمل, وذلك خوفا من التعرض للتجسس, ومن حدوث خسارة في الإنتاجية نتيجة انغماس الموظفين في الموقع. لم تشر الشركات من قريب أو بعيد إلي أنها تطالب بإغلاق فيس بوك كلية, أو حرقه أو ما شابه, لأنها تعرف تماما أن مثل هذه المطالبات إنما هي ضرب من السفه وانعكاس للضحالة في التفكير واستدعيت في الوقت نفسه مطالبات محلية بإغلاق فيس بوك وأخري تسبه وتلعنه وكأنه مؤامرة مدسوسة لإثارة البلبلة وزرع فتيل الفتنة وعرقلة مسيرة الأمة أولئك نسوا أو تناسوا أن مثل هذه الاتجاهات المدمرة ليست من فعل ال فيس بوك ولا التويتر, ولا حتي الرسائل القصيرة, لكنها نتاج تعليم متدن, وسكن عشوائي, ورعاية صحية شبه منعدمة, وفروق اجتماعية فجة, وانتشار مزر للفقر, ومؤسسات دينية تعيش في قرون مضت, وقائمة طويلة جدا من الأسباب قد يكون ال فيس بوك أو غيره من التقنيات الحديثة يسهل نقل بعض الرسائل المغلوطة, ولكن أين ذهبت الرسائل الصحيحة الواعية الهادفة؟ ولماذا انسحبت وتركت الساحة للمفسدين ومثيري البلبلة؟ وإن لم تنسحب فأين هي؟ ولماذا لا تحظ بالدرجة نفسها من الشعبية؟ وحتي لو افترضنا أن ال فيس بوك وغيره ينقل الموبقات, فهل الحل يكمن في إغلاقه بالضبة والمفتاح؟ وهل تم بحث سبل ضمان إبقائه مغلقا, وهل سيتم ذلك عن طريق التعاقد مع شركات أمن خاصة أم كلاب حراسة للتأكد من بقائه مغلقا أم ماذا؟! قصص تاريخية اضداد لا حصر لها تستدعيها الذاكرة منها ما يأتي مهرولا من التاريخ الحديث, ومنها ما يفضل الانزواء في جانب بعيد من التاريخ القديم ومادمنا ذكرنا التاريخ القديم, فلا يسعنا سوي الوقوف إجلالا وتقديرا للأهرامات وبناتها فمن بني هذه الصروح العظيمة التي ظلت واقفة علي مدي قرون عدة, تتحدي الزلازل وظروف الطقس المتقلبة بين حر وبرد, ومطر وجفاف, وبالإضافة لذلك فهي مبنية حسب تصميم هندسي وفلكي أقل ما يمكن ان يوصف به هو أنه روعة ليس هذا فقط, بل إن لون الأهرامات واحد ومناسب للبيئة المحيطة به, ونحمد الله عز وجل أن الملك خوفو( رحمه الله) لم يقرر أن يميز نفسه عن بقية الأهرامات, فيطليه باللون البنفسجي الغامق أو البمبي المزهزه ومن حسن حظنا أن خفرع لم ينصع لاية ميول فنية مزرية, فترك هرمه علي حالته المناسبة جدا لما حوله, ولم يفتتح مقهي علي باب الهرم, ولم يقرر أن يفرش المنطقة المواجهة له ببضع طاولات ومقاعد, وروبما حفنة من القراطيس ليحجز بها المنطقة المحيطة لزبائن المقهي حتي يوقفوا سياراتهم والحمد لله أن آخر العنقود منقرع لم يقرر ان يضرب بالقوانين عرض الحائط, فيضيف طابقين أو ثلاثة علي هرمه حتي ينتفع بالمساحة الإضافية. وإذا عدنا إلي مبدأ معرفة الأشياء بالضد, فما علينا سوي النظر حولنا في أي بقعة من بقاع القاهرة الكبري أو حتي الصغري, لنعرف طرف النقيض الآخر شرفات باللون البنفسجي وأخري بالأخضر وثالثة بالفستقي في تداخل مريع للألوان, واستقلالية تامة للآراء والاتجاهات الفنية الصارخة كل عمارة بشكل يختلف تماما عن تلك التي تجاورها أو تقابلها, ناهيك عن الارتفاعات التي تناطح سحابات التلوث في سماء القاهرة ويبدو أن المصريين القدماء لم يفهموا الديمقراطية والحرية صح كما نفهمها نحن فها نحن نتعامل مع الارصفة وكأنها ملكية خاصة لكل منا, يفعل بها ما يحلو لها كما أننا صادقون جدا مع انفسنا, فما ان نتمني عمل شيء ما أو القيام بأي نوع من أنواع الأنشطة حتي نحوله إلي حقيقة, دون أي تفكير هذا ما لم يفهمه أجدادنا والحمد لله أنهم لم يفعلوا, وإلا لما تركوا لنا شيئا نفتخر به اليوم, ونركن اليه باعتباره كل ما نملك! ويبدو أن هذا المبدأ من عبقريته أبي أن يظل حكرا علي الأشياء والمفاهيم الكبري, بل هو جزء لا يتجزأ من حياة كل منا اليومية فالزوج الذي كان قانعا ممتنا بزوجته التي أقنعته أم حسن الخاطبة بأنها أحلي بنت في الحتة, استيقظ ذات يوم ليجد أن اختراعا جديد إسمه الفيديو كليب قد أثبت له بما لا يدع مجالا للشك أن المدام ليست أحلي بنت في الحتة ولا حاجة, بل أن هناك العشرات إن لم يكن المئات من الفتيات والنساء اللاتي يثبتن كل ثانية ان هناك الأحلي والأكثر رشاقة وهو لو لم ير وجها أو سيدة عكس وجه زوجته ونقيض قوامها لما شعر بهذا الفارق الضخم الذي بات هاجسا له! عموما, الحياة ما هي إلا سلسلة من التجارب, منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي المهم هو أن نتعلم مما مضي, ومما فعله ويفعله الآخرون وأن نواجه أنفسنا فإن واجهتنا صعوبة في تقييم أنفسنا, فما علينا سوي مقارنة انفسنا أو أفعالنا أو تفاصيل حياتنا بآخرين, فبالضد تعرف الأشياء!