لم يكن الأمر في الدراما المصرية تلفاز وسينما علي السواء ولازال يقتصر علي مشهد واحد أو اثنين أو ثلاث بل قل عشرات ومئات, فتحت وطأة الضغط الوهابي العارم من جانب, ومن جاب ثان الردة الحادة لقطاعات عريضة بالمجتمع التي راحت تتلقف مع أموال النفط قيما وتقاليد لم تكن مألوفة وبدت وتلك هي المفارقة تصنف علي أنها وافدة, أعيد النظر كليا وبدءا من منتصف سبعينيات القرن المنصرم في ما وصف بأنه خلل وعوار لا يتناسب وجلال التراث فضلا عن قيم الأسر الرفيعة التي لم تعرف الخلاعة والمجون قط, بيد ان كليهما حملهما الغرب الصهيوني الامبريالي الكافر لزعزعة البنية الاصيلة للمحروسة وتحطيم أسس الفضيلة والشرف في ربوع الكنانة, ولأن مصر كيان إسلامي بامتياز ورئيسها الراحل المؤمن محمد انور السادات مسلم لدولة إسلامية, كان ولابد أن تتلاحم الدراما مع الاصول والقواعد الاخلاقية وبحيث لا تحيد عنها قيد أنملة, وجاءت لحظة التطبيق, وكم كانت مروعة إذ هبت رياح خماسينية مرعبة متذرعة بحماية البلاد والعباد من فتن الإساءة لسمعة الارض الطيبة الطاهرة مسقط رأس بهية الشامخة الأبية. والتزامن ومع العودة غير القانونية, لمثيري الأحقاد والضغائن, قتلة النقراشي باشا رحمة الله ورضوانه عليه نهاية الأربعينيات, عقدت محاكم تفتيش وبرعاية حكومية, والتي شارك فيها وياللعار, كتاب كبار وحملة قلم كان يشار لهم بالبنان, وبعد شهور من عرضه تذكروا' المذنبون' الشريط الفذ لسعيد مرزوق, والذي وضع له السيناريو والحوار السينارسيت الكبير ممدوح الليثي عن قصة للراحل نجيب محفوظ, وعلي الفور اصدر الجلادون أحكاما تأديبية بحق عدد من موظفي المصنفات الفنية وعلي رأسهم السيدة إعتدال ممتاز التي عوقبت بخصم خمسة وسبعين جنيها من راتبها لسماحهم ببث صور تسيء لسمعة مصر كونها تتضمن خدشا للحياء والحض علي الرذيلة ونشر الفاحشة. وكاتب تلك السطور يتذكر جيدا علامات الأسي وقد ارتسمت علي وجه السيدة ممتاز, وهي تتساءل في عبارات حزينة لا تخلو من سخرية اثناء حوار معها بمنزلها بحي الدقي الراقي: هل هذه مكافأة نهاية الخدمة ؟ وبعد هذه الواقعة الرمزية ودلالتها المأساوية, لم يعد هناك أدني شك في سيطرة خفافيش الظلام أو علي الأقل في تمدد نفوذها السرطاني في كافة أركان الإبداع. وهكذا أصبحت عبارة' الأحوط' هي الدستور الجديد لمن يتولون إدارات المصنفات الفنية ولمن هم أصغر في السلم الوظيفي, فحتي لو كان' المشهد' المطلوب التصريح به سليما ومتطابقا مع السيناريو الذي سبق ونال ترخيصا بالإجازة, إلا أنه يمكن لموظف الرقابة محوه وقصه انطلاقا من مقولة' الأحوط' فغير مسموح البتة بذرة شك واحدة قد يلتقطها حاقد ويرفع شكوي لأولي الأمر وتكون النتيجة خصم خمسة جنيهات من راتبه! فلماذا المخاطرة والجازفة برزق الأولاد الذين لن يطعمهم الابداع بل الخمسة جنيهات! الغريب أننا كنا ننتقد بعنف الراحل احمد بدرخان ومشروعه الرقابي الذي اعده عام1936 متضمنا مبدأ فضفاضا أسمه' وقاية النظام الاجتماعي' ومن خلاله يمكن العصف بالكثير من الافكار والرؤي الجادة وحتي نصف الجادة, وياله من عبث فما حدث في تلك الحقبة لم يتماثل فقط مع مفاهيم الثلاثينيات الرجعية في الاصل بل تراجع أكثر من ذلك بكثير متجاوزا المراحل البدائية الاولي في مسيرة السينما المصرية وروادها الاوائل عزيزة أمير وبدر لاما وداود عرفي وإستيفان روستي وتوجو مزراحي. فكيف تظهر الزوجة وهي نائمة بجوار زوجها في حجرة النوم, أليس هذا عنوانا علي الفجور وانعدام الأخلاق الحميدة, حتي لو كان ما يظهر علي الشاشة بؤسا وشقاء, فمحرم تمام التحريم ظهور امراة بجوار شريك حياتها يفترشان كمدا وحزنا الحسيرة, أما المنطق الذي كان يساق تبريرا لذلك هو أن الرجل( الممثل) في النهاية غريبا علي الست( الممثلة)! رغم هذه الممنوعات وقائمة المحاذير التي لا تنتهي إلا أن بعضا من الإعمال تسللت خلسة في لحظات توهان أسطورية, نذكر منها' الحب قصة أخيرة' لرأفت الميهي, لكن العقاب الذي واجه القائمين علي هذا الفيلم كان مخيفا وفظيعا, بيد أنه وجهت لبطلي الشريط يحيي الفخراني ومعالي زايد تهمة القيام بأعمال منافية للآدب, فقد اعتبر لقاؤهما الحميم علي الشاشة الفضية جريمة آداب يعاقب عليها القانون. ولا يهم أن اللقطات المنعوتة ب' الإباحية' صورت وسط عشرات من الفنيين, وتحت إضاءات ملتهبة!! والحق كانت تلك الحادثة بمثابة إنذار للكافة خصوصا الفنانات اللاتي آثرن السلامة والابتعاد عن المنغصات أما الإبداع فليذهب حيث يشاء له أن يذهب, وبطبيعة الحال حدثت أشياء لو نظرنا لها بعين متفحصة لوجدناه وقد غلب عليها السذاجه والاستخفاف وستكون الطامة أكبر عندما نعرف أن بعضا منها مازال موجودا بشكل أو باخر حتي وقتنا هذا الفارق أن الآني المعاش من صلف وتطرف لا علاقة للدولة به بل صار البشر هم جميعا رقباء يحاصرون أي فكر أو أي نص أو لقطة علي الشاشة صغيرة كانت أو كبيرة وخوفا ورعبا من حكام المنابر الذين لا يهدأون ملوحين دائما وأبدا بصكوك الغفران, والويل للمتجبرين العاصين وخصوصا المتبرجات, وارضاء للاصوليين من ناحية و نزولا علي طلبات الموزع والمسئولين عن التسويق من ناحية ثانية, فلا احضان أو قبلات, والأخيرة هي اصلا ليس لها مجال في التليفزيون, ولعلي اتذكر هنا مسلسلا ضاع اسمه من الذاكرة, لكن ما أعيه جيدا أن دور الأم فيه كان من أداء الفنانة العائدة استثناء مديحة سالم, ولأن الأحداث قالت أنها افترقت عن الاب' جلال عيسي' فقد كان عليها أن تعتني بأبنتها الوحيدة لعبت الدور هالة صدقي, وبعد ربع قرن وفي حفل زفاف الابنة, جاء الاب الذي لم يرها منذ شهورها الاولي, وبدا ما نراه مفتعلا رغم أنه كان يفترض أن نبكي تأثرا, فالعائد من منفاه لا يستطيع أن يحضن ابنته والفتاة أيضا وكان البديل أن يتصافحا فقط بالأيدي ولا بأس من بعض قطرات الجلسرين لزوم دموع اللقاء فهل هذا يعقل ؟ نفس الشيء حدث قبل سنتين أو ثلاث مع المعتزلة العائدة بغطاء الرأس سهير رمزي فطبقا لشروطها ألا يكون هناك مشهد تحضن فيه أبنها فطبقا لفتوي سهير البابلي التي واجهت نفس الموقف في عمل آخر اسمه قلب حبيبة لا يجوز فالابن الممثل يحل لها في النهاية فكيف تضمه في صدرها!! أمام هذا العنف المعنوي كيف للفنانات أن يجدن علمهن والقانون بات لا يفرق بينهن وبين الساقطات كما مثال الحب قصة أخيرة, ثم هناك المجتمع وعيونه التي لا ترحم, حتي نقاد الفن السابع فقد راح بعضهم يدقون علي الوتر الحساس يعايرون فنانة هنا أو هناك لأنها خالفت ما سبق ووعدت به جمهورها بألا تحيد عن السينما النظيفة فإذ بها تظهر في البانيو وقد غطتها رغاو كثيفة من كل جانب, فقط ما رآه المشاهد هو رأسها لا أكثر ولا أقل, المذهل أن تلك الفنانة يبدو أنها ندمت فكان يجب ألا تؤدي هذا المشهد القبيح!!