مكتوب علي هكاري ومثيلتها من مدن التوتر في جنوب شرق الأناضول أن تذرف الدمع دائما علي أرواح أبنائها الذين يسقطون صرعي رصاص الارهاب وها هم حفارو القبور لا يتوقفون فما أن ينتهوا من مراسم دفن أحد الاشخاص سرعان ما يعودون فثمة آخر لا بد من مواراته الثري والاسر الثكالي أضناها السؤال متي يتوقف الشر ؟ لكن لا إجابة سواء في اللحظة أو في الافق المنظور. وبالأمس القريب فقط استيقظت المدينة التي تحاصرها التلال والجبال الشاهقة علي دوي انفجار مروع أطاح بعشرة مواطنين صادف أنهم استقلوا الحافلة التي زرعت فيها القنبلة وفي اليوم التالي خرج الاهالي ليودعوا الضحايا في موكب حزين بائس وفي اسطنبول حيث استقبل الخبر ارتسم الوجوم علي وجهه وبكلمات صادقة عبر رجب طيب اردوغان عن خالص عزائه لذوي الشهداء الذين أهدرت دماؤهم دون ذنب أو جريرة وبالتوازي وجه رئيس الجمهورية عبد الله جول ورئاسة الاركان أصابع الاتهام إلي منظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية لقيامها بعمل أرهابي ضد المواطنيين العزل غير أن المنظمة الانفصالية المعروفة اختصاراPKK نفت ان تكون لها أي علاقة بهذا الانفجار. وبما زاد المشهد الكئيب غموضا هو إدانة صلاح الدين ديميراتش زعيم حزب السلام والديمقراطية الكردي الحادث الجبان لأنه أودي بحياة أكراد علي حد وصفه متهما عناصر يمينية متطرفة بأنها وراء الجريمة كي تفسد مقدما اي مشروع للحوار بين الدولة والاكراد وكانت هناك نية حكومية لعقد لقاء في البرلمان بين نائب رئيس الوزراء جميل شيشك وزعيم حزب السلام والديمقراطية لهدف مناقشة ورسم خريطة لحوار من أجل التوصل لحل المشكلة الكردية, عبد الله أوجلان نفسه والمحكوم عليه بالسجن مدي الحياة ويقبع منذ1999 في سجن محص بجزيرة إكرالي أوجلان لم يستبعد وقوف إيران وراء تفجير حافلة الركاب. وعلي الرغم من أن إنفجار' هكاري' التي تقع علي الحدود مع العراق تزامن مع بدء زيارة رئيس فنلندا السابق مارتي هيتساريMarttiAhtisaari والحائز علي جائزة نوبل للسلام عام2008 لمدينة ديار بكر لمواصلة جهود السلام في جنوب شرق الاناضول, وهو ما أوحي للكثيرين بأن تلك المساعي وئدت في مهدها, إلا أن الحاصل بدا هو العكس, فقد كان هناك اصرار للمضي قدما نحو وضع بداية لنهاية لهذا الصراع المزمن. صحيح أن حكومة العدالة والتنمية, أكدت إستمرارها في محاربة الأرهاب, إلا أنها أجرت ولازالت إتصالات مع رموز كردية, وهذا امر لا تخفيه, وتأمل في أن تكون هي صاحبة السبق نحو وضع أفق ينهي مواجهات مسلحة دامية أستمرت ستة وعشرين عاما, ولعلها تريد رد الجميل للمواطنين الاكراد الذين اعلنوا عصيانهم ورفضهم الذهاب إلي صناديق الاقتراع يوم الاحد قبل الماضي, إحتجاجا علي التعديلات الدستورية التي لم تحمل لهم أي شئيء يرضيهم, وهو ما يعني أنهم لو كانوا ذهبوا وقالوا لا في استفتاء الثاني عشر من سبتمبر, لما جاءت النتيجة وتمكن الحزب الحاكم من اقتناص النسبة المعلنة وهي58%, وليس مستبعدا في أن الجهود التي بذلت كانت وراء قيام المنظمة الانفصالية عن طريق زعيمها أوجلان, بإعلان مهلة جديدة غير تلك التي انتهت أمس لوقف إطلاق النار لمدة أسبوع آخر ينتهي الاثنين القادم. ثمة تطور آخر طرأ علي القضية ليس بعيدا عن أهل الحل والعقد في العاصمة أنقرة وتمثل في دخول جماعات دينية باتت تنمو في بقاع مختلفة بالجنوب الشرقي وهي ذات صبغة محافظة من جانب ونفوذ أخلاقي ومعنوي علي أتباعها وجلهم من الاكراد علي خط الحلول يحدوها أمل أن تجد المعضلة مرفأ, خاصة أنها مدعومة بغالبية ترفض الكفاح المسلح مفضلة عليه حوارا بناء يوقف نزيف الدماء وإهدار الموارد, وبطبيعة الحال لا تبتعد مقترحاتهم إجمالا عن مطالب الانفصاليين والتي تتمثل في حكم ذاتي علي غرار النموذج الاسباني من خلال تعايش الحكومات المحلية مع السلطة المركزية, ومن ثم القاء السلاح وتسليمه الي الاممالمتحدة وهذا المقترح الأخير اعلن عنه' مراد قارايلان' ابرز مسئولي حزب العمال الكردستاني, وحتي هذه اللحظة لم يعلق أدروغان ومساعديه, فلا أحد يجرؤ علي طرحه حتي للنقاش الواسع للفوارق الهائلة بين الصراعيين, فصراع ايتا اسفر عن سقوط800 شخص منذ اندلاعه قبل42 عاما, أما الحالة الكردية التركية فشديدة الأختلاف فالضحايا تجاوزوا ال40 ألف قتيل منذ عام1984 ثم وهذا هو الأهم أن الحكم الذاتي نفسه لم ينهي حلم الباسك في إنفصال كامل عن أسبانيا. وهكذا تبقي الأمور معلقة في انتظار المعجزة في زمن خلا من المعجزات!!