تأتي العلوم التطبيقية في ذيل قائمة اهتمامات أجهزة الاعلام العربية علي اختلافها, اذ لا تلتفت غالبا لخبر يتعلق بالعلوم الا إذا انطوي علي ما يثير اهتمام القراء من خلال غموضه او علاقته بالدين, وهو ما دفع المواقع الالكترونية والفضائيات الاخبارية العربية إلي الالتفات خلال الأيام القليلة الماضية إلي مقتطفات عرضت لها الصحف العالمية من كتاب الخطة الكبريTheGrandDesign لعالم الفيزياء البريطاني الكبير ستيفن هوكينجStephenHawking. فقد تشرت الصحف العربية خلال الايام الماضية العديد من التقارير التي استنبطوا فيها ان ستيفن هوكينج ينفي في كتابه وجود خالق للكون مما اطلق موجة من التعليقات الغاضبة دون وجود اي عرض أمين لمحتوي الكتاب العلمي الذي حقق مبيعات ضخمة بالولايات المتحدة وبريطانيا بمجرد صدوره. وعلي العكس من ذلك تتسابق الصحف الغربية لتقديم عروض معمقة لكتاب هوكينج( المختص بالفيزياء النظرية) وزميله عالم الفيزياء التطبيقية ليونارد ملودينوLeonardMlodinow اوضحت من خلاله ان الكتاب يناقش ثلاثة اسئلة رئيسية تتلخص في: لماذا يوجد هناك كون بدلا من العدم؟ ولماذا وجد الانسان؟ واخيرا لماذا تحكم كوننا هذه المنظومة من القوانين لا منظومات أخري؟ هذه الاسئلة الثلاثة التي تفصل السؤال الفلسفي الأكبر لماذا وكيف خلق الكون هي محور الكتاب الذي يمتد شارحا تاريخ الكون والاكتشافات الكبري التي وصلت بهوكينج وملودينو إلي استنتاجاتهما حول الخطة المسيرة للكون والحياة. يبدأ الكتاب بفصل طويل بغرض من خلاله العالمان لنظريات نشأة الكون في فلسفات وعلوم الحضارات القديمة خاصة الحضارة اليونانية التي أهتم فلاسفتها بهذا السؤال ووضعوا نظريات عدة له اثبتت العلوم الحديثة خطأها في المجمل حيث انطلقت كلها من أن الارض هي مركز الكون وان الانسان هو المخلوق الاعظم للالهة ولا مخلوق عاقل غيره, بينما يعترفان لهؤلاء الفلاسفة بوضع اللبنة الأولي للعلوم الحديثة من خلال خروجهم بفكرة ان العالم تحكمه مجموعة من القوانين لا المشيئة الوقتية للالهة مما دفع العلماء بعدهم للبدء في محاولة لاستكشاف هذه القوانين المسيرة للكون. تلا ذلك الاكتشاف الذي وضعه كوبرنيكوس ليفيد ان الأرض ليست هي مركز الكون بل هي مجرد جزء من منظومة اكبر ليندفع العلماء بعده لاكتشاف النظام الشمسي وفهمه بشكل افضل ثم اكتشاف المجرات فالكون المترامي الاطراف مما قاد لاحقا في القرن العشرين لانهدام المفاهيم القديمة التي تري ان الكون بأكمله خلق من اجل الانسان وحده, ليتغير المنظور الذي يتم من خلاله النظر لمنظومة القوانين الحاكمة للكون. يستخدم كل من هوكينج ومولدينو في كتابهما الذي يبحث في هذه الاسئلة الفلسفية العميقة علوم ميكانيكا الكمQuantummechanics ونظرية الفيزياء الكمية التي عرفت في منتصف القرن التاسع عشر, وتتناول الفيزياء علي المستويين الذري وتحت الذري وتعد هي العلم المؤسس لجميع علوم الفيزياء الحديثة بما فيهاعلوم الفضاء. لتقودهما ميكانيكا الكم إلي إجابة يتصورانها عن الاسئلة الثلاثة التي يطرحها الكتاب حول الكون الذي تشكل من عدم, وتبدأ بالتأكيد علي احد الفروض المتداولة منذ بداية القرن الماضي بأنه لا يوجد كون واضح بل عدد من الاكوان المتوازية التي لا توجد سوي فرص فيزيائية محددة لتلاقيها, مما يجعل من الممكن ان توجد بهذه الاكوان منظومات اخري من القوانين التي تسيرها والتي تؤسس لنشأة شكل آخر من اشكال الحياة عليها, اما إذا ما انتظمت القوانين في هذه الاكوان المتوازية بنفس قواعدها في كوننا الذي نحيا فيه لنشأت اشكال شبيهة من الحياة لحياتنا الانسانية, ليخلص هوكينج وملودينو من ذلك إلي عدم دقة الكثير من التفسيرات الدينية التي تضع فرضية ان الله خلق الكون للانسان فقط مما يؤدي بالضرورة إلي طرح فكرة مراجعة منظومة الافكار الانسانية المتعلقة بالخالق بينما لا يجزم الكتاب بنفي وجود الخالق من الاصل كما صورت بعض التقارير المجزأة التي لم تهتم بالاشارة للمضامين العلمية في الكتاب. يذكر ان ستيفن هوكينج واحد من أهم واشهر علماء الفيزياء النظرية في العالم وتحوز كتبه اهتماما جماهيريا واسعا من غير المتخصصين حيث يتناول المسائل الفيزيائية شديدة التخصص ويعرضها باسلوب يسهل فهمه علي العوام خاصة ان نظم التعليم الغربية تفسح المجال لدراسة العلوم والاهتمام بها علي عكس المناهج الدراسية العربية وكان العالم مصطفي ابراهيم فهمي قد ترجم إلي العربية واحدا من اهم وأشهر كتب هوكينج بعنوان تاريخ موجز للزمن كما ترجم كتابه تاريخ اكثر ايجازا للزمن وصدر في طبعة عن دار العين قبل عامين.