الحدث الأهم الذي يترقبه العالم الآن وستظهر تفاصيله خلال الساعات المقبلة من داخل البيت الابيض ايذانا ببدء المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين بعد طول توقف, هذا الحدث لم يكن ليتم بدون الجهد والصبر المصري الذي استطاع ان يحافظ علي شريان الحياة لعملية السلام رغم كثرة الطعنات التي اصابتها من كل جانب, وخاصة من الحكومة الاسرائيلية اليمينية الحريصة علي وضع العبوات الناسفة علي طريق المفاوضات. وإذا كان الرئيس مبارك يرفض منذ توليه مسئولياته التاريخية استخدام الشعارات والمسميات التي تدغدغ مشاعر الشعوب علي خلفية قضاياها المصيرية, الا أن الاحداث والتطورات المتلاحقة التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية تؤكد بما لايدع مجالا للشك ان الرئيس مبارك وليس غيره هو الذي يقود معركة السلام بكل ما عرف عنه من صلابة وشجاعة ورباط جأش وعدم الاكتراث بالصغائر من حوله. نعم.. لقد تحمل مبارك امانة المسئولية في وقت راهن فيه البعض علي امكانية ان تعود مصر الي دائرة لاتنتهي من الحروب التي تخلف وراءها الخراب والدمار ولاتتيح امكانية النهوض بالوطن والمضي علي طريق التنمية والاعمار والتحديث. وبرؤية ثاقبة يعترف بها الجميع لهذا القائد المحنك جاءت خطواته واثقة نحو الاهداف المنشودة التي تنتصر فقط للمصالح المصرية العليا, وللقضايا العربية دون تفريط في السلام وبلا شبهة تنازل عن حق من الحقوق المشروعة التي تتفق مع قواعد الشرعية الدولية. وبعد ان رفع الرئيس مبارك العلم المصري فوق طابا معلنا تحرير كامل التراب المقدس, كان التوجه ولايزال نحو استكمال بناء عملية السلام التي جاءت اصلا بمبادرة مصرية تاريخية نصت علي ضرورة استحقاقها علي كل المسارات الاخري لضمان عودة الحقوق العربية كاملة غير منقوصة. ويسجل التاريخ ثبات الخطي المصرية ووضوح الرؤية للقائد في اشد الظروف صعوبة وعندما ارتفعت السحب السوداء في سماء المنطقة نتيجة المخططات المشبوهة التي حاولت ان تعيد رسم الخرائط من جديد وتحت مسميات واهية مثل الشرق الاوسط الجديد أو الكبير, ووقت ان استعرت الحروب والغزوات وتصاعدت اعمال العنف في العراق ولبنان فضلا عن الاراضي الفسلطينية التي شهدت عمليات مد وجزر لعملية السلام حيث تقدمت في بعض الاوقات ولكنها تراجعت في معظمها بسبب الممارسات الاسرائيلية الاكثر عنفا والتي انتهت بوفاة عرفات والوقيعة بين الضفة وغزة ثم العدوان الاسرائيلي الواسع علي القطاع الامر الذي دفع الغالبية العظمي من القادة والزعماء فضلا عن الرأي العام للاعتقاد بأن عملية السلام قد ماتت وانتهت علي ارض الواقع ولم يعد لها وجود وما بقي منها ينتظر بيانا رسميا من الجامعة العربية حتي يحدد موعد قبول العزاء فيها. وسط هذا كله, ظل الرئيس مبارك متمسكا بالرؤية المصرية التي تنادي بالسلام العادل والدائم باعتباره المدخل الوحيد لحل بقية ملفات المنطقة, وبضرورة فتح ابواب الامل امام الشعب الفلسطيني الذي يعاني من اليأس والاحباط مما يدفعة الي دوامة العنف التي لانهاية لها. ظلت الأجندة المصرية محددة المعالم, لاتتغير بضغوط ايا كان مصدرها, وتحتفظ ذاكرة العالم بمواقف الرئيس مبارك تجاه سياسات بوش ومحاولاته المستميتة لتوريط مصر في مغامراته وغزواته, بالترغيب والترهيب سواء عن طريق المساعدات الاقتصادية المقررة سلفا أو بتحريك عوامل اثارة الفوضي والتدخل في الشأن المصري, وقوبل كل ذلك بالرفض القاطع, وعزوف الرئيس عن زيارة واشنطن الي ان انتهت ولاية بوش. وعندما اعلن الرئيس اوباما عقب انتخابه عن بداية حقبة امريكية جديدة تعيد الامن والاستقرار الي هذا العالم المضطرب, سارعت مصر الي الترحيب بالسياسة الخارجية لواشنطن التي تدعم مصداقيتها كدولة عظمي عليها ان تتحمل مسئولياتها ازاء الملفات والمشاكل العالقة والقابلة للانفجار خاصة ان الرأي العام الامريكي بات علي يقين بانه يدفع هو الآخر ثمن تصاعد العنف في الكثير من مناطق العالم وانه ليس في مأمن من شظاياه. وفي خطوة تنم عن ادراك ووعي برسالة مصر وثقلها ودورها, اختار اوباما القاهرة ليوجه من خلالها خطابه الشهير الي الامتين العربية والاسلامية وليؤكد التزامه بوعوده التي قطعها علي نفسه لاحلال الامن والاستقرار والسلام. ومن الانصاف القول بان الرئيس الامريكي لايستطيع وحده معالجة الارث الثقيل الذي ورثه عن سلفه بوش, كذلك لايمكن تجاهل الضغوط الاسرائيلية عليه من خلال اللوبي المؤيد لها ويجد ادواته في دائرة صناعة القرار في الكونجرس ووسائل الاعلام وبقية الجهاز العصبي الذي يحكم السلوك الامريكي. وهذا لايمنع من مشروعية الغضب العربي من تراجع اوباما عن تنفيذ وعوده بالشكل الذي يناسب رئيس اكبر واقوي دولة في العالم, وبعد مرور اكثر من عام بدأت الشعوب العربية تعيد النظر في مصداقية اوباما وقدرته علي انجاز حلم السلام. ومرة اخري يسارع سيد البيت الابيض الي تصحيح خطواته ويمارس ضغوطه علي الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني للدخول الي المفاوضات المباشرة حتي يمكن تحقيق خطوات ملموسة يحقق بها وعوده. ورغم التحفظات علي ما يطلبه اوباما من الفلسطينيين وتجاهله للاستفزازات الاسرائيلية المتعمدة ابتداء من التصريحات الاخيرة لرئيس الوزراء نيتانياهو التي يؤكد فيها استمرار بناء المستوطنات عقب المهلة المحددة, وانتهاء بالدعوات التي اطلقها الحاخام عوفاديا يوسف بان يبتلي الله الفلسطينيين ورئيسهم بوباء الطاعون, فإن الاستجابة المصرية والفلسطينية لدعوة أوباما تضع اسرائيل امام العالم اجمع وامام الرئيس الامريكي في تحمل مسئولية اهدار فرصة جديدة لانقاذ عملية السلام. ومن المؤكد ان الاستفزازات الاسرائيلية سوف تتواصل خلال المرحلة القادمة وهو السلوك المعتاد الذي يحاول دفع الطرف الفلسطيني الي الظهور علي انه المعارض للتقدم في المفاوضات وانه المسئول عن فشلها. ولكن وجود الرئيس مبارك قائد معركة السلام يمثل الضمانة الاكيدة للحفاظ علي مصالح الشعب الفلسطيني ويساند موقف رئيس السلطة ابو مازن وهو ما اظهرته كل التصريحات الفلسطينية التي اكدت انها لن تذهب الي واشنطن الا بوجود الرئيس مبارك. واذا كان هناك من يراهن ومعه كل الحق في عدم جدية واستعداد حكومة نيتانياهو للمضي قدما في دفع استحقاقات السلام, الا ان ذلك لايعني اعطاء اسرائيل المبررات الكاذبة بان تقول للعالم انها لاتجد شريكا حقيقيا يمكن التفاوض معه. وايا كانت نتائج المحاولة الامريكيةالجديدة, الا ان الثقة تبقي في الموقف المصري الثابت الذي لن يقبل بالتفريط في الحقوق, وان السلام وان كان خيارا استراتيجيا, فإنه يعني التوصل الي انهاء معاناة الشعب الفلسطيني والوصول الي دولته المنشودة وعاصمتها القدس.