تبدأ يوم الأربعاء القادم جلسة تدشين المفاوضات المباشرة الفلسطينية الاسرائيلية, يجري تدشين المفاوضات بقمة يشارك فيها الرئيس مبارك والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني, والسؤال المطروح هنا هل هناك من جدوي لهذه المفاوضات مع وجود حكومة يمينية في إسرائيل يقف علي رأسها نتنياهو ومعه ليبرمان ودرعي؟ بكلمات أخري, هل يقبل نتنياهو بتسوية سياسية وفق مباديء كلينتون التي طرحها في ديسمبر عام2000, أم أنه يقف علي رأس ائتلاف يميني لا يمكن أن يقبل بهذه المباديء, ومن ثم فإن موافقته علي دخول المفاوضات المباشرة جاءت تجنبا لمزيد من التوتر في العلاقة مع واشنطن, وهو يملك من الاوراق ما يمكنه من التلاعب بهذه المفاوضات وأبرزها ورقة إسقاط الحكومة والدعوة لانتخابات مبكرة في ظل غلبة اليمين في الشارع الاسرائيلي؟ بداية تعقد المفاوضات هذه المرة بضغوط أمريكية علي طرفي المعادلة, أي الفلسطينيين والاسرائيليين, فلم يأت أي منهما طوعا, فقد تم جلبهما مكرهين علي هذه المفاوضات وهو امرلم يسبق أن حدث علي المسار الفلسطيني الاسرائيلي, فالمفاوضات التي بدأت في أوسلو كانت بإرادة الطرفين وبعيدا عن تدخلات القوي الكبري وتحديدا الولاياتالمتحدة, أما مفاوضات كامب ديفيد الثانية التي جرت في شهر يوليو من عام2000, فقد شهدت جلب الطرف الفلسطيني جلبا إلي هذه المفاوضات التي أرادها رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود باراك بهدف إبرام صفقة شاملة, وهو ما انتهي إلي الفشل نتيجة توتر الطرف الفلسطيني الذي جاء مكرها, وتبني الطرف الأمريكي للرؤية الاسرائيلية, وعدم استعداد باراك في ذلك الوقت لابرام صفقة شاملة لانهاء الصراع. هذه المرة تبدأ المفاوضات رغما عن الطرفين, فقد مارست إدارة أوباما ضغوطا هائلة علي الحكومة الاسرائيلية للدخول في هذه المفاوضات, كما مارست ضغوطا أشد علي الطرف الفلسطيني للتجاوب مع دعوة بدء المفاوضات, ومن ثم فإن كل منهما يأتي إلي التفاوض مكرها, ويريد البرهنة علي أن الطرف الآخر غير مستعد بعد لابرام صفقة تاريخية لانهاء الصراع, فكل منهما يرغب في عدم إغضاب واشنطن, وتحميل الطرف الآخر مسئولية عدم التوصل إلي تسوية سياسية شاملة. وتكشف إعادة قراءة ما كتبه أبو علاء( أحمد قريع) عن خبايا مفاوضات كامب ديفيد, وما سجله دينيس روس في كتابه عن السلام الضائع في الشرق الأوسط, عن أن خبرة المفاوضات التي جرت بين السلطة الوطنية وحكومة نتنياهو في الفترة من1996 إلي1998, كانت خبرة سلبية للغاية وأن نتنياهو كشخص يتسم بالمراوغة والمناورة, ولا يؤمن بالتسوية التعاقدية, ولايري إمكانية لقيام دولة فلسطينية لها سمات السيادة. كما تكشف الخبرة السابقة أن حكومة حزب العمل التي رأسها باراك لم تستطع أن تقترب من المواقف التي طرحتها الادارة الأمريكية في مفاوضات كامب ديفيد الثانية التي جرت في يوليو من عام2000, فظلت علي مسافة بعيدة عن المطالب الفلسطينية التي تمثلت في تسوية وفق قرارات الشرعية الدولية مع قبول بتعديلات علي الحدود في ظل صيغة تبادل الأراضي. من هنا فإن بدء مفاوضات مباشرة مع حكومة يقودها نتنياهو لا تنبيء بأن جديدا يمكن أن يتحقق, ندرك أن الرئيس الأمريكي يعمل من أجل التوصل إلي تسوية نهائية لهذا الصراع الذي مس بصورة واشنطن في المنطقة, وأن مبعوثه السيناتور ميتشيل يملك من الخبرة والمهارة والموضوعية ما يقطع بقدرته علي التعامل مع أعقد الصراعات الدولية, فسبق له التعامل مع صراع ايرلندا إلي أن تم التوصل إلي اتفاق الجمعة العظيمة. لكن المشكلة تظل حكومة نتنياهو التي تتكون من عناصر من اليمين وجناحه المتطرف, فهذه الحكومة تملك الكثير من الأوراق للخروج من هذه المفاوضات دون أن تلاحقها لعنات الادارة الأمريكية بطرق مختلفة, فهذه الحكومة قد تجد ضالتها المنشودة في عدة صواريخ من حركة حماس باتجاه مدن الجنوب الاسرائيلي, فترد بعدوان واسع النطاق علي القطاع, توظفه حركة حماس عبر أبواق إعلامية معروفة من أجل التشهير بالسلطة التي تتفاوض مع مجرمين يقتلون أبناء شعبنا المناضل وقد لا تجد السلطة من مفر سوي الانسحاب من المفاوضات احتجاجا وبمعني أدق إحراجا. أيضا قد تتفاوض الحكومة الاسرائيلية لشهور طويلة دون التقدم خطوة واحدة, أو قد تتقدم المفاوضات وتصل إلي مراحل متقدمة وهي غير مستعدة لدفع الاستحقاقات, وهنا تبحث عن ذرائع لنسف التفاوض, ولم تعدم عشرات المبررات وفي نهاية القائمة يوجد خيار تفكيك الائتلاف الحكومي, والدعوة لانتخابات مبكرة في عملية تستغرق قرابة العام بدء من الدعوة إلي الانتخابات المبكرة وصولا إلي إعلان النتائج وتكليف رأس القائمة الحاصلة علي أعلي عدد من المقاعد, وتشكيل الائتلاف الحكومي وإعادة ترتيب الأوراق.. وهي انتخابات تفيد استطلاعات الرأي العام في إسرائيل بأنها لن تأتي بنتائج مغايرة لانتخابات السابقة, بل ربما تزيد غلة أحزاب اليمين, فالحكومة القادمة في إسرائيل ستكون يمينية.. وفترة عام ستكون كفيلة بحدوث تغييرات كثيرة في مياه الشرق الأوسط أبرزها سيكون زيادة نفوذ حركة حماس بفعل فشل المفاوضات ودغدغة مشاعر العامة بخطاب ضد الغرب والصهيونية.. نتيناياهو يعلم هذه التقديرات, ولذلك كثف من الحديث عن أنه سيفاجيء الجميع, ويوقع اتفاقا تاريخيا مع الفلسطينيين وهو أمر لا يلوح في الأفق, ومن ثم يكون السؤال هنا كيف يمكن مواجهة ألاعيب نتنياهو لا سيما في ضوء الغطاء العربي المقدم للسلطة الوطنية ومشاركة الرئيس مبارك والعاهل الأردني في حفل إطلاق المفاوضات, فالفشل سوف يصيب قوي الاعتدال في العالم العربي ويمس بدور مصر والأردن ومعهما باقي أطراف معسكر الاعتدال هذا ما سوف نتناوله الأسبوع القادم إن شاء الله.