كشفت واقعة سرقة لوحة زهرة الخشخاش للفنان العالمي فان جوخ من متحف محمد محمود خليل الاسبوع الماضي ثغرات كثيرة في أنظمة الحراسة وتأمين الثروة الفنية والأثرية التي تملكها المتاحف في مصر, وبغض النظر عن الإجراءات التي أعلنت وزارة الثقافة عن بدء تطبيقها في أعقاب الأزمة إلا أن السؤال بقي معلقا فيما يتعلق بالمتاحف الفنية اذ كشفت الازمة الأخيرة أن اللوحات الفنية في المتاحف لا يؤمن عليها لا عند سفرها للعرض في الخارج وهي حقيقة كارثية يكشفها التحقيق التالي: يؤكد الناقد عز الدين نجيب في البداية علي ضرورة التأمين علي مقتنيات المتاحف لكنه يري أن التأمين ليس الضرورة الوحيدة لضمان سلامة اللوحات, لأن شركات التأمين لن تتحمل مسئولية أعمال تقدر بالمليارات قبل أن توفر وزارة الثقافة نظاما دقيقا لحراسة الأعمال المعروضة حتي لا يتكرر ما حدث من قبل. ويري نجيب ان واقعة سرقة لوحة زهرة الخشخاش كشفت جوانب من القصور لا تتعلق بعجز الموارد المالية بدليل موافقة رئيس الوزراء علي تخصيص ما يقارب30 مليون جنيه منذ أكثر من عام ونصف العام لصيانة المتاحف, وصدور تكليفات من الوزير ببدء التنفيذ وبالفعل تم تكليف شركة المقاولون العرب بالأمر المباشر نظرا لأهمية الموضوع, والغريب انه لم يتم تنفيذ اي خطوة في هذا الاتجاه ويشير نجيب إلي انه لابد من البحث في مسئولية الكادر البشري عن كوارث من هذا النوع, حيث كشفت التحقيقات ايضا وجود خلاف بين أمناء متحف محمود خليل ورئيس قطاع الفنون التشكيلية الموقوف عن العمل, لإحساسهم بالظلم والتمييز بينهم وبين غيرهم من الإداريين. ويري عز الدين نجيب ان عملية التأمين لن تفيد إذا لم يكن القائمون علي الامور لديهم شعور بالمسئولية الوطنية ومن المؤسف حسب تأكيدات نجيب أن تعيش وزارة الثقافة صراعات بين رجالها تأتي علي حساب المهمة الوطنية, ومن المؤسف كذلك ان تخصص عشرات الملايين لاقامة مبان وأجهزة دون تطوير الكوادر البشرية التي تدير تلك المواقع. ومن جهته يشير الفنان التشكيلي عادل السيوي إلي أن الأعمال الفنية داخل المتاحف ملكية عامة لذلك يجب أن يؤمن عليها من شركات تأمين كبيرة, تعوض قيمتها المالية علي الأقل كما ينبغي خضوعها لتأمين كامل ضد التلف والحريق والسرقة. ويري السيوي ان الميزة في شركات التأمين أنها معنية بوسائل الحماية وسد الثغرات الامنية كما يحدث في المتاحف العالمية وعلي أساس دراسة شاملة تقبل الشركات أو ترفض عرض التأمين. ويؤكد السيوي انه عند سرقة الاعمال المعروفة عالميا يتم ابلاغ الانتربول لكي لا يتم بيعها إلي أحد المتاحف في الخارج, كما لا يمكن بيعها إلا لهواة الاقتناء وهؤلاء مرضي وعددهم قليل في العالم وبالتالي لا يجد السارق سبيلا لتصريف العمل المسروق الا عبر الاتصال بشركات التأمين للتفاوض علي مبلغ من المال لاستعادة اللوحة وهذا حدث مع اكثر من لوحة عالمية تمت سرقتها بمتاحف كبري. ويقسم الناقد التشكيلي سيد هويدي تأمين المتاحف من الناحية الأمنية, إلي ثلاثة مستويات, المستوي الأول بشري يعني الاعتماد علي العنصر الانساني, والثاني يعتمد علي التكنولوجيا, أما الثالث: فيجمع بين الاثنين. وحسب هويدي فإن الإنسان في مصر أصابه العطب منذ عقود, في الوقت الذي تحتاج الفنون إلي كوادر خاصة تعي قيمتها, وتستطيع الدفاع عنها عن قناعة, ولذلك همشت الكوادر البشرية وتم الاعتماد علي التكنولوجيا المستوردة, كما أدي استخدام التكنولوجيا إلي حالة استرخاء, وحدثت فجوة بين إمكانات الاجهزة وقدرات الافراد, وأصبح الأداء متخبطا, أو علي حد تعبير د. صبري منصور مقرر لجنة الفنون التشكيلية بالمجلس الأعلي للثقافة فقد كان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية الموقوف علي ذمة التحقيقات يعك وهذا التعبير جري اثباته في محضر رسمي للجنة, لذلك لم يكن مستغربا علي الإطلاق, ان تكون نتيجة ادارته ما وصلنا إليه من خسائر, ليس في المتاحف فقط, لكن في مفهوم تقديم نشاط كالفنون التشكيلية في دولة من العالم الثالث, دولة قومية, تمتلك ثقافة بالفطرة, وتراثا عريقا, ويساهم الشعب من أمواله في تقديم هذه الخدمة للناس, باعتبارها فنا رفيعا, لكن طوال الوقت كان يتم التكريس للإجراءات علي حساب الاهداف. وينتهي هويدي إلي القول الإدانة تشمل المجتمع ككل, فما حدث من سرقة للوحة زهرة الخشخاش يكشف تدني مفهوم الأمن, بداية من الانضباط, والالتزام, وصولا إلي الاعتماد علي التكنولوجيا, التي نستوردها, بدون خجل, ونعتقد أنها سوف تحمي وتكفل الأمن, وننسي أنها وسيلة, تحتاج إلي كوادر للتشغيل والصيانة, وادارك ووعي بالإحلال. ومن الناحية الإجرائية يتساءل هويدي: لماذا لم يتم التأمين علي اللوحات والاعمال الفنية داخل المتاحف,؟ ويجيب: ليس لدي تفسير لغياب هذا التأمين, إلا إذا كنا نعيش بمنطق القرن التاسع عشر, وأظنه كذلك, فقد تناقلت كل وكالات الأنباء أن43 كاميرا لا تعمل في المتحف, وصرح مدير المتحف السابق الفنان سالم صلاح, بأن أجهزة الانذار المبكر, التي تم تركيبها مع بداية افتتاح المتحف, لم تعمل من يوم تركيبها, وإذا صحت هذه المعلومة, فهي إدانة للكل, وتفضح عملية تسليم وتسلم المواقع الثقافية, من المقاول, وهنا تظهر علامات الاستفهام الكبيرة, لان أغلب ما تم في المتاحف المصرية يخص الحجر وليس البشر. ومن جانبه يعتقد الفنان جورج بهجوري أن ما حدث بعد سرقة لوحة زهرة الخشخاش, فيه قدر من المبالغة لان كل متاحف العالم تحدث فيها سرقات فالمأساة تتكرر لكن تكرارها لا يعني قبول الاهمال ونقص اجراءات التأمين. ويكشف الناقد أسامة عفيفي انه لا يوجد في مصر تأمين علي الآثار ولا اللوحات الفنية كما لا يوجد فرع لدي شركات التأمين تحت هذا المسمي, علي اعتبار أن هذه الثروات من الصعب تأمينها, فاللوحات يمكن أن يتم التأمين عليها, لكن عندما تعرض في الخارج فقط ومن خلال شركات أجنبية. ويري عفيفي ان شركات التأمين المصرية مش مجنونة لكي تؤمن علي لوحات تقدر بمليارات الدولارات بينما لا تتوافر الاشتراطات الأمنية التي تضمن حمايتها فكل الأجهزة المعدة للحماية معطلة, إلا اذا قامت الشركة نفسها بتعيين حراس, وفي مصر أغلب المتاحف أثرية لا يمكن تقديرها بثمن, واللوحات تحتاج إلي اشتراطات خاصة بدرجة الحرارة والرطوبة لأنها بدون ذلك ستتعرض للتلف وهذا غير موجود بمصر إلا في متاحف المومياوات والنسيج. ويتفق الفنان محمد عبلة مع فكرة عفيفي مؤكدا انه لا توجد في مصر ثقافة تأمين كما أن المتاحف العالمية لا تعتمد علي نظام التأمين الأمني بقدر اعتمادها علي العنصر البشري لانه الاهم ففي أمريكا وأوربا حراس المتاحف متطوعون لحماية المتاحف نتيجة وعيهم بقيمتها الفنية وكونها ملكا للشعب وليس للحكومة وهذه الثقافة التطوعية نتيجة لتراكم حزمة من الاجراءات التربوية غائبة بالكامل عن الشعب المصري. فيما يري الناقد جمال القصاص أن المسألة تتعلق في البداية بالضمير المهني, لو وضعنا علي كل حجرة بالمتحف رجل أمن وقام بحمايتها بالشكل البدائي لن تتكرر هذه السرقات, ويعتقد القصاص انه يجب تغيير سياسة ادارة المتاحف, وأنا لست ضد التأمين, لكن يجب تغيير الثقافة ونشر الوعي لدي الناس لكي يعرفوا اهمية هذه المعروضات وانها جزء من ثروتهم القومية, كما تجب دراسة طبيعة العاملين بالمتاحف وتقديم الوعي الثقافي والفني لهم لمعرفة قيمة هذه المعروضات.