لم يكن الراحل بولنت إجيفيت متطرفا أو مؤيدا بالمرة لصدام حسين حينما زار العراق في أتون أزمة الاخير مع المجتمع الدولي في تسعينيات القرن المنصرم سواء بصفته الحزبية كزعيما لليسار الديمقراطي أو رئيسا للحكومة فقد كان جل إهتمامه كمواطن تركي تعظيم مصالح بلاده مع هذا الجار, بل أن أنقرة غامرت في عام2000 وقررت تعيين سفير لها في العاصمة بغداد خلافا لسياسة حلف الناتو التي تحتل العضوية فيه بالاضافة للاتحاد الاوروبي أيضا والذي ترغب أن تكون أحد اعضائه, ولم تكتف العاصمة التركية بذلك بل قامت بتشجيع رجال الاعمال الاتراك للاستثمار وعقد صفقات تجارية نظائرهم العراقيين في تحد سافر للعقوبات المفروضة علي العراق, وبالطبع كان وراء ذلك دوافع اسباب مهمة جعلت تركيا تبذل ما في وسعها من جهود لتجنب حرب كارثية ستطيح بالعراق نفسه وستترك أثارا مدمرة علي التخوم البالغ طولها330 كيلو متر مع الاناضول الذي عاني بدوره من الحصار المفروض علي بغداد عقب غزو الكويت, ثم كان هناك بعدا برجماتيا آخر تمثل في كبح صدام جماح الاكراد في شمال العراق ومن ثم كان وجوده رغم شره بعض المزايا الاستراتيجية التي افتقدتها تركيا عقب سقوط البعث المدوي وإحتلال بلاد الرافدين, ومن ثم فإذا كان هذا البلد قد احتل ولازال صدر النشرات الاخبارية في جميع أنحاء العالم, فطبيعي أن يكون الاهتمام مضاعفا بالنسبة لتركيا وهذا هو الحاصل الآن والمرشح للمزيد مع إقتراب إنسحاب القوات الامريكية والفراغ الامني الذي سيتركه ولاشك وتداعيات ذلك علي أمن تركيا إجمالا. ولهذا لم يكن غريبا في أن تحتل التطورات المحتملة التي سيشهدها هذا البلد الجار محور الاجتماع الاسبوعي الأخير لمجلس الوزراء برئاسة رجب طيب اردوغان وكيفية التعامل مع مرحلة ما بعد الخروج الأمريكي والذي سيبدأ وبشكل تدريجي اعتبارا من نهاية الشهر الجاري, وخلال الساعات التي استغرقها الاجتماع الحكومي تمت مناقشة مقترح قديم اعيد طرحه بشدة ويتمثل في تشكيل قوات خاصة قتالية لنشرها علي الشريط الحدودي بدلا من الوحدات العسكرية النظامية المرابطة في المناطق الحدودية والهدف التصدي بفاعلية أكبر لهجمات العصابات التي شنها الانفصاليين اعضاء منظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية. ويبدو أن واشنطن ادركت مخاوف أنقرة, بيد أن اردوغان تلقي إتصالا هاتفيا من باراك اوباما تركز علي التطورات العراقية و التأكيد في الوقت ذاته علي استمرار التعاون في مجالات مكافحة الارهاب الانفصالي والذي لن يتأثر بانسحاب القوات الأمريكية, وهنا يبرز الهاجس الاول والمعضلة الامنية الاستراتيجية الأهم, فالمنظمة الانفصالية والمعروفة إختصارا بPKK قد تستغل الفراغ الأمني, خاصة مع تأكيد المسئوليين الأمنيين العراقيين أنفسهم بأنهم لن يتمكنوا من بسط سيطرتهم كاملة علي اراضي بلادهم قبل عشرة سنوات كاملة, وبالتالي فالهجمات الارهابية والتي شهدت في الاصل تناميا لافتا خلال الشهور القليلة الماضية قد تزيد وتيرتها, ولهذا ومن أجل تحويل مشروع إيجاد بديل قتالي إحترافي للجيش النظامي ناقش أردوغان مع معاونيه فكرة اعداد قانون يتم بموجبه تشكيل قوات خاصة تتبع طرق قتالية غير التقليدية لحماية الحدود مع العراق بدلا من الوحدات المنتشرة حاليا علي طوال الشريط الحدودي مع العراق والتي ستعود الي مقراتها العسكرية الداخلية في حال إقرار القانون من قبل البرلمان, غير أن تلك الخطوة لا يبدو ان تنفيذها وخروجها إلي الواقع العملي أمرا ميسرا خاصة مع رفض المعارضة بشكل كامل للموضوع برمته كونه سيضر الجيش ويقلل معنويات جنوده وضباطه. ولأن تدهور الداخل في عراق ما بعد البعث يشكل من وجهة نظر أنقرة أحد العوامل الجوهرية في تغذية الانفصاليين من جانب وتقوية المكون الكردي في شمال العراق علي حساب إثنيات أخري يأتي في مقدمتها التركمان, فطبيعي أن يستحوذ أستقرار العراق وسرعة تشكيل حكومة جديدة علي أهتمام القائمين بإدارة شئون البلاد والعباد في تركيا في رهان أن تعيد الحكومة تلك الحكومة