«التنظيم والإدارة» يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف حتى نهاية العام    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    رئيس تجارية القليوبية: التمويل التنموي يحفز الاستثمارات ويعزز تنافسية القطاع الخاص    الأردن: انتهاك مجالنا الجوي محاولة لجرنا إلى صراع إسرائيل وإيران    السعودية: وصول طلائع الحجاج الإيرانيين إلى مطار "عرعر" تمهيدًا لمغادرتهم    أوليس أفضل لاعب بمباراة بايرن ميونخ ضد أوكلاند سيتى فى كأس العالم للأندية    قافلة الصمود تتراجع إلى نقطة آمنة بسرت في ليبيا "حتى إطلاق سراح الموقوفين"    بايرن ميونخ يكتب التاريخ في مونديال الأندية| رقمان جديدان    تحفظ جديد من إدارة الزمالك بشأن صفقات فريق الكرة    مصر لا تنسى تضحيات أبنائها المخلصين| إطلاق مبادرة للأبناء القصّر لشهداء القوات المسلحة والشرطة والمدنيين    تأجيل مؤتمر مهرجان جرش للثقافة والفنون    نجوى كرم تطرح أحدث أغانيها «حالة طوارئ» | فيديو    وجدي زين الدين: إسرائيل تخوض حربًا دينية والهدف الحقيقي من التصعيد هو مصر    طرح البوستر الرسمي ل «مملكة الحرير» بطولة كريم محمود عبد العزيز    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    العمليات العسكرية الإسرائيلية وتوجيهات رئاسية جديدة تتصدر نشاط السيسي اليوم    صراع مع آلة لا تعرف الرحمة.. «نيويورك تايمز»: الذكاء الاصطناعي يدفع البشر للجنون    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وإلقاء جثته بمقابر أسوان    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    توتر في الأهلي.. لماذا انفجر بن شرقي بسبب صدام إنتر ميامي؟    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    رامي جمال يوجه رسالة لجمهور جدة بعد حفله الأخير    «جزار الوراق» ينكر التعدي على تلميذة: «ردت علىَّ بقلة ذوق فضربتها بس» (خاص)    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    10 سلوكيات خاطئة ابتعدى عنهم مع أطفالك حفاظا على صحتهم    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    المتحف المصري الكبير يستقبل الزائرين.. وإلغاء قرار الغلق بداية من اليوم    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    رئيس وزراء العراق: نرفض اختراق أجوائنا ونبذل أقصى درجات ضبط النفس    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    طريقة عمل فطيرة السكر باللبن في خطوات بسيطة    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    تعليم الأقصر: غرفة العمليات لم تتلقَ أي شكاوى بشأن امتحاني مادتي التربية الوطنية والدين للثانوية العامة    توتنهام يضم الفرنسي ماتيل تيل بشكل نهائي من بايرن ميونخ    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    استمرار استقبال محصول القمح المحلي للمواقع التخزينية بالشرقية    "طوارئ" بشركات الكهرباء تزامنًا مع امتحانات الثانوية العامة    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    ماراثون الثانوية العامة بدأ.. طلاب الأقصر يتوافدون على اللجان لأداء أول يوم امتحانات    الأهلي أوقفه.. ميسي يتعطل لأول مرة في كأس العالم للأندية    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    تعليق ساخر من مجدي عبد الغني على مدرب الأهلي قبل مواجهة إنتر ميامي    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احد المستشرقين‏:‏ ياسين التهامي‏..‏ بلبل الصعيد

تحقيق ديوان ابن الفارض لايكتمل بدون سماع أشعاره من الشيخ ياسين الشيخ ياسين من انشد لهم ليسوا شعراء‏..‏ انهم لسان حال كان من الممكن ان يصبح قارئا كبيرا لكنه فضل الإنشاد بحثا عن الحرية كان يتعب من يستضيفه لاحياء حفلة‏..‏
ومع ذلك كان الاقبال عليه يفوق الوصف عندما اشتري بيتا بعد عشر سنوات من الغناء اختار حيا شعبيا فقيرا في اسيوط ليعيش فيه
يعتبر نفسه احد سميعة ام كلثوم الكبار‏..‏ لكنه يرفض التغني باجزاء من قصائدها
هذه المشاهد تؤكد ان تأثير الشيخ ياسين علي أهالي الصعيد كان ومازال‏..‏ بلا حدود
كيف تصدي صوت الشيخ ياسين لتغلغل الأفكار الوهابية في عقول الأصوات
لم يدخل استوديو بقدميه‏..‏ ويرفض الغناء المعلب‏..‏ ويهرب من القيم الاستهلاكية بشكل عام
باحث أمريكي خصص دراسة كاملة عن ادائه الصوتي ومستشرق الماني افرد له قسما مستقلا في كتاب عن الموسيقي الشرقية‏.‏
جوانا البريطانية تقدم دراسة اكاديمية للاعتماد علي حالة غناء الشيخ ياسين في العلاج النفسي‏.‏
هيئة الاذاعة البريطانية‏:‏ انه صاحب صوت انساني فضفاض يستوعب اي انسان علي اختلاف لغته وموسيقاه اكبر من الشعر‏.‏
سبع سنوات قضاها الأب الكاثوليكي الايطالي جوزيبي سكاتولين في تحقيق ديوان ابن الفارض‏,‏ وكان سكاتولين له مساعد واحد في عملية التحقيق هو كاتب هذه السطور‏,‏ عندما انتهينا من دراسة المخطوطات التي بين ايدينا قال الكاهن الأوروبي لايمكن ان نعتبر انفسنا قد انتهينا من دراسة ابن الفارض إلا اذا سمعنا اشعاره عبر صوت الشيخ ياسين التهامي‏,‏ فهو موصل جيد لحرارة الصوفية‏,‏ وهو مشهور جدا في أوروبا بموسيقاه وانشاده‏,‏ كان ذلك عام‏2003‏ وهكذا كنا نسلك طريقنا إلي المركز الثقافي الفرنسي حيث يحيي الشيخ حفلة للانشاد الصوفي‏.‏
اتذكر تماما تلك الليلة التي التقينا فيها بالشيخ‏,‏ وانا اسعي للبحث عنه حاليا‏,‏ فهو كالفراشة‏,‏ يحيي ليلة الفرغل في العاشر من يوليو ليطير بعدها إلي بلاد الله سواحا يحيي ليالي الذكر في اي مكان علي وجه البسيطة‏.‏
عندما التقينا بالشيخ كان ينشد لابن الفارض‏,‏ ولغير ابن الفارض‏,‏ حتي انه انشد ابياتا للمتنبي وعنترة بن شداد وغيرهما ممن لم يعرف عنهم الشعر الصوفي‏,‏ كان ينتقي ابياتا من هنا ومن هناك‏,‏ لكنك تشعر دائما بان النفس الصوفي موجود فيها‏,‏ وأصبح موجودا بعد ان تغني به الشيخ‏,‏ واستمر الذكر لساعات وصل فيها الحاضرون لقمة الانتشاء‏,‏ وعقب الانتهاء من الحفل‏,‏ سأله الاب سكاتولين لماذا يشتهر بادائه لاشعار ابن الفارض‏,‏ اذا كان يغني له ولغيره من الشعراء‏,‏ لم يهتم الشيخ بالاجابة بقدر ما تحفظ علي وصف شعراء وانما هم لسان حال‏,‏ وقال إنه لايتغني بالشعر بل يعيش حالة صوفية متكاملة تصبح فيها الكلمات اكبر من الاشعار‏.‏
البداية
قبل هذه الليلة بسنوات طويلة‏,‏ كان كاتب هذه السطور يعيش في مدينة اسيوط تحديدا في شارع رياض‏,‏ كنا اطفالا وعرفنا‏,‏ ان الشيخ ياسين او بلبل الصعيد اشتري بيتا في نفس الشارع ليعيش فيه‏,‏ وكانت الدهشة كبيرة‏,‏ لان الشيخ اختار حيا متواضعا للسكني‏,‏ كان ذلك في بداية الثمانينيات‏,‏ وكانت شهرة الشيخ قد وصلت حدا غير معقول في الصعيد‏,‏ كان هناك جمهور عريض يتقبل النقد في اي شخص كان لكنه لايتحمل كلمة تمس كروان الشرق احد القابه الكثيرة‏,‏ كان ياسين قد بدأ الأنشاد منذ عام‏1973‏ وكان عمره وقتها‏24‏ عاما فقط لاغير فهو مولود في‏6‏ ديسمبر‏1946‏ ورغم حداثة سنه‏,‏ ورغم وجود الشيخ الكبير احمد التوني‏,‏ ورغم عغدم تعود اذان الجمهور علي الاشعار الصوفية‏,‏ بالكاد كانوا يتقبلونها من الشيخ التوني‏,‏ ورغم ورغم ورغم‏,‏ فان الشيخ قد وصل في سنوات قليلة إلي ان يصبح الأول جماهيريا وشعبيا بلا منازع‏.‏
كان الشيخ متعبا جدا لمن يستضيفه لاحياء ليلة‏,‏ فالقواعد كانت معروفة‏,‏ واهمها عدم ضرب النار ايا كانت الاسباب‏,‏ وايا كانت الشخصية التي تحيي الليلة‏,‏ وكان ضرب النار واحدا من ابجديات الليالي في الصعيد لكنه كان حاسما في ذلك قد يتفاوض في المقابل المالي‏,‏ وقد يتنازل عنه‏,‏ لكنه لايسمح بخرق القواعد التي كانت تضم إلي جانب عدم ضرب النار‏,‏ عدم وجود اي نوع من انواع الكحوليات‏,‏ وبعض الامور الاخري المتعلقة بالاداب والاخلاق‏.‏
ورغم صعوبة هذه الامور إلا ان الجميع كانوا يستجيبون لان احياء الشيخ لليلة قد يكون ختمة قرآن‏,‏ أو ختانا لذكر كان التعامل مع ختان الذكور في الصعيد له جوانب روحية تتعلق بمفهوم الطهارة وتتفوق علي كونها مجرد عادة اجتماعية أو وفاء لنذر احياء ياسين التهامي لليلتك معناة البركة والقبول باذن الله‏.‏
الحواتكة
كنا قد اشرنا في عرضنا لحياة الشيخ التوني إلي قرية الحواتكة التابعة اداريا لمركز منفلوط‏,‏ والتي يهتم اهلها بالجوانب الروحانية‏,‏ والذكر واولياء الله الصالحين‏,‏ وبحسب محمود الرفاعي‏,‏ احد مريدي الشيخ ياسين فان الحواتكة بها مساجد جامعة ومساجد غير جامعة منها مسجد السلام ومسجد الشيخ ابي الحسن المحمدي‏,‏ ومسجد الشيخ التهامي وله مئذنة تعد اعلي مئذنة بالوجه القبلي والصعيد‏.‏
وبقرية الحواتكة العديد من اضرحة اولياء الله الصحالين‏,‏ وتقام لهم موالد سنوية‏,‏ يستقبل فيها أهالي القرية الرواد من جميع انحاء الجمهورية‏,‏ وتظل القرية في افراح طوال ايام الموالد من كل عام‏.‏
ومن الاضرحة الموجودة بها‏:‏ ضريح الشيخ التهامي حسانين وهو والد الشيخ ياسين التهامي وضريح ابي الحسن المحمدي‏,‏ والشيخ عبدرب النبي‏,‏ والشيخ الحلوي‏,‏ والشيخ الريدي وغيرهم ومعظم ابناء القرية ينتمون إلي الطرق الصوفية ومن عشاق ومحاسيب آل البيت‏,‏ ويقومون باقامة الخدمات اثناء موالدهم‏.‏
وفي هذه الاجواء خرج التهامي ويختلف ياسين عمن سبقوه في انه تعلم بالأزهر تعليما نظاميا‏,‏ وهو ما مكنه من حفظ القرآن الكريم كاملا‏,‏ والأهم انه تعلم قواعد تجويده‏,‏ الشيخ ياسين التهامي‏,‏ لايري انه كان من الممكن ان يصبح وقارئا للقرآن شأنه شأن الشيوخ محمد رفعت ومصطفي اسماعيل وعبدالباسط عبدالصمد رغم اجادته التامة للتجويد‏,‏ هو يري ان الانشاد والمديح اكثر حرية‏,‏ وأكثر التصاقا بالتصوف‏,‏ وقربا من أهل البيت الذين يعتبر الشيخ نفسه عابر سبيل علي رصيفهم‏.‏
لكن التهامي لم يستمر في الدراسة‏,‏ وخرج من الثانوية الأزهرية‏,‏ ويحاول اتباعه يسوقوا الاعذار في ذلك ويعطوا الأمر ملمحا اسطوريا‏,‏ إلا انه هو نفسه يعتبر السبب الوحيد في عدم اكماله للدراسة هو فشله في هذا المضمار‏,‏ فقد شعر انه اخذ من الدراسة مايكفيه‏,‏ فهو ليس بحاجة لاستكمال دراسة الفقه بعد سلوكه للتصوف‏,‏ ولا البلاغة بعد تذوقه للأشعار وهو ما يشير إليه احمد عمر احمد من المراغة محافظة سوهاج‏,‏ واحد محبي الشيخ‏,‏ احمد دارس للادب الصوفي‏,‏ لكنه يعتبر انشاد التهامي يوجد له معاني اكبر من كلماته‏.‏
الانشاد لامزيد
يعي الشيخ ياسين المسافة بين التجويد والانشاد‏,‏ لكنه يعي بشكل اكبر المسافة بين الانشاد والغناء فالتهامي متصوف حقيقي والتصوف هو الذي قاده للانشاد وليس العكسي بحسب كلماته وهو يرفض ما يروي عن أنه قرر الغناء لابن الفارض بعد ان رآه في المنام‏,‏ ويقول‏:‏ لست بحاجة لان اراه في المنام‏..‏ انا اراه في اليقظة وذات مرة كنت انشد ووجدت الحلاج امامي‏,‏ انني اعيش حالة كاملة متكاملة من التصوف والوجد‏,‏ ومن لايصدق فهو حر‏.‏
صحيح ان التهامي سار علي خلاف عمه التوني‏,‏ ولجأ لتخت موسيقي كبير‏,‏ إلا انه لايعتمد علي الحان سابقة التجهيز‏,‏ وانما يشترك مع التوني في اعتبار الانشاد فيضا إلهيا‏.‏
ضد العجوز
ربما لهذا السبب كانت هناك انتقادات ساقها التهامي للمنشد محمد العجوز‏,‏ وسنرويها بكل تفصيل عندما نروي سيرة العجوز‏,‏ لكن ما يعنينا هنا هو رفضه التام لغناء مقاطع من اغنيات ام كلثوم في انشاده‏,‏ رغم انه يعتبر نفسه واحدا من سميعة ام كلثوم الكبار‏.‏
كما انه يرفض الدخول في مشاريع حياته‏,‏ بالاخص ما يتعلق بالبيزنيس‏,‏ ولذلك تنبأ الشيخ لاحد المنشدين كان قد اشتري بنزينة‏,‏ وسيارة اخر موديل بان سيلقي حتفه داخل السيارة‏,‏ وهو ما تحقق فيما بعد‏,‏ ونحن اذ نؤكد اننا لانروج لان هذا حقيقي فاننا نروي ما كنا عليه شهودا‏,‏ وفوق كل ذي علم عليم‏.‏
المداحون الثاني
عندما نتحدث عن ياسين التهامي‏,‏ لايمكن ان نتجاهل الحديث عن ظاهرة مهمة ترتبط بالتهامي‏,‏ وهو التأثير فالشيخ له حضور قوي‏,‏ وتأثير بلا حدود‏,‏ امتد هذا التأثير من الصعايدة البسطاء إلي علماء أوروبا وأمريكا‏.‏
ومن المشاهدات ذات الدلالة في هذا السياق‏,‏ نروي بعض الوقائع والتفاصيل التي عايشناها في لياليه بالصعيد‏,‏ ففي واحدة من حلقات الذكر التي احياها الشيخ ياسين‏,‏ فوجئ الحضور‏,‏ وكنا هناك بمن يصيح يا اخي‏..‏ يا اخي‏..‏ انت لو رجت جهنم‏..‏ انا احب اروحها معاك يومها بكي الشيخ كما لم يبك‏,‏ وحين ذكرناه بتلك الواقعة قال‏:‏ كان حديثه باردا اي ثقيل بالصعيدي اشعر الواحد بمسئولية هو في غني عنها كفاية شايل مسئولية نفسه‏.‏
مشهد اخر بالع الدلالة‏,‏ ففي احدي ليالي الشيخ اقتحم سرادقه احد المواطنين‏,‏ واصر علي الوصول إلي حيث يقف الشيخ ينشد‏,‏ وعندما وصل إلي هناك امسك بالشيخ وهزه مرات ومرات‏,‏ وطلب منه عشرين جنيها‏,‏ كانت العشرون جنيها في ذلك الوقت الثمانينيات مبلغا محترما‏,‏ ولم ينصرف حتي يحصل علي العشرين جنيها‏,‏ حاول البعض تنحية الرجل جانبا‏,‏ لكن الشيخ لم يرد هذا ومنحه العشرين جنيها فشقها الرجل نصفين اعطي الشيخ نصفا واخذ النصف الباقي ورحل‏,‏ لقد كان الشيخ بالفعل ايقونة مهمة لدي البسطاء في الصعيد‏.‏
عندما نتحدث عن تأثير الشيخ ياسين كذلك نذكر التعبيرات التي تسربت إلي السنة العامة في الصعيد عبر صوت الشيخ ياسين‏,‏ مثل‏:‏ رأيت ربي بعين قلبي‏,‏ وقلبي يحدثني بانك متلفي‏,‏ ما حيلتي والعجز غاية قوتي‏,‏ ارتفعت عن وجه ليلي البراقع‏,‏ وغيرها وغيرها قد يستخدمها ابي سائق او ابن عمي بناء أو خالي مدرس أو غيرهم يستخدمونها وهم لايعرفون تفاصيل الجملة‏,‏ لكنهم يدركون معناها تماما‏.‏
وحين حدثت هوجه الإرهاب في التسعينيات كانت مدائح ياسين التهامي هدفا لسهام المعتدين‏,‏ كان المتطرفون في القري يحطمون السيارات التي تقوم بتشغيل ياسين عبر جهاز التسجيل بها‏,‏ وكانت مدائح ياسين فقرة ثابتة في خطب مشايخ التطرف بالجمعية الشرعية التي كانت الجماعة الإسلامية تحتلها‏,‏
لكن في الوقت نفسه كانت هذه المدائح حائط صد ضد تغلغل الفكر الوهابي في العقول‏,‏ كان مجرد الهجوم علي الشيخ يعني بالنسبة للكثير ان هؤلاء الصبية لايمكن ان يكونوا علي صواب أو قريبين منه‏,‏ فالصعيد ومصر عامة‏,‏ تتميز بحبها للرسول عليه الصلاة والسلام وأهل البيت‏,‏ وحب أهل البيت تحديدا كان اهم اسباب رفض العامة في الصعيد لافكار الإرهاب‏,‏ وكان حب ال البيت دائما مقترنا بمدائح الشيخ ياسين‏.‏
ويرجع التأثير الرهيب للشيخ ياسين علي محبيه ومريديه إلي عدة امور‏,‏ معظمها ذو طبيعة فنية‏.‏
اولا‏:‏ هو لم يدخل إلي الاستوديو بقدميه‏,‏ ولم يسجل بيتا واحدا هناك‏,‏ هو يعتبر الغناء عبر اجهزة الصوت نوعا من تعليب الفن‏,‏ ولذلك حينما كان الجميع يندفعون باتجاه الآلات واجهزة الصوت مع ظهور الكاسيت‏,‏ كان هو يطرح لياليه كما هي دون تنقية‏,‏ ولذلك اكتسبت شرائطه طابعا خاصا لن تجده عند غيره‏.‏
ثانيا‏:‏ رغم اعتماده علي الغناء الحي بشكل دائم‏,‏ إلا انه لايشبه غيره من المنشدين الذي يغنون بصحبة اقل عدد ممكن من التخت‏,‏ وقد تحدثنا عن الشيخ التوني‏,‏ فالشيخ ياسين يصطحب فرقة كاملة ضخمة‏,‏ تجد فيها الاوكرديون بجانب الناي‏,‏ والامور لاتسير بعشوائية‏,‏ لانريد الخوض في أمور فنية موسيقية دقيقة‏,‏ لكن الشيخ يقود كل هذا المهرجان باقتدار لإيجاد الحالة التي تجعل الكامات تتسرب بسهولة ويسر‏.‏
ثالثا لم يكن كل هذا ممكنا لولا ان حنجرة الشيخ ياسين حنجرة طرب من الطراز الرفيع‏,‏ فهو ينتقل بين المقامات بشكل لن تجده إلا عند كبار نجوم الطرب مثل ام كلثوم وصباح فخري‏,‏ وبحسب الدراسة المهمة التي اعدها الباحث حسام تمام عن الشيخ ياسين فان صوته اقرب إلي البوح الذي يخوض في مساحات واسعة في النفس الانسانية تجعله يؤثر في ذاته دون معرفة معني الكلمات أو حتي اللغة العربية نفسها‏,‏ فهو صوت انساني بامتياز يحسه كل من يسمعه حتي ولو لم يكن يفهمه‏.‏
واجمالا نقول ان أهم ما يميز التهامي احساسه بالقصائد وهو احساس عال نشأ لديه بحكم نشأته في بيئة صوفية متعلمة كما انه اثناء انشاده يقدم حالة فنية متكاملة فيه الصوت والكلمة واللحن والاداء المسرحي والزي الشعبي المتمثل‏,‏ في العمامة التي تميز منطقتي شمال سوهاج واسيوط كلها كما ان ملامحه العربية الصريحة ينتمي إلي اولاد حاتك أو الحواتك التي اصبحت علي لسان العامة الحواتكة ووسامته جعلته زعيما بالشكل والموضوع فهو شيخ ابن شيخ‏.‏
وبمناسبة دراسة الدكتور تمام‏,‏ فانها احتوت علي عدد من مظاهر تأثير الشيخ علي علماء وباحثين غربيين‏,‏ ويذكر حسام ان ياسين التهامي يمتلك طاقة ومساحة صوتية هائلة اغرت باحثا امريكيا مثل مايكل فروشكوف‏,‏ علي تخصيص دراسة كاملة عن ادائه الصوتي‏,‏ ودفعت المستشرق الالماني‏,‏ كولن إلي ان يفرد له قسما مستقلا في كتابه عن الموسيقي الشرقية باعتباره مرتجلا لنغم صوفي جديد من دون تعليم أو دراسة اكاديمية‏.‏
وصوت ياسين هو ما اتاح له انشاد اصعب القصائد بمقامات لم يؤد عليها إلا كبار الفنانين‏,‏ كما ذكرنا‏,‏ لذلك كان أول ما وصفته به هيئة الاذاعة البريطانية في حلقة خاصة انه صاحب صوت انساني فضفاض يستوعب اي انسان علي اختلاف لغته وموسيقاه‏,‏ وبعد ان احيا ليلة كاملة في مهرجان الموسيقي الروحية الذي تستضيفه العاصمة البريطانية لندن كل عام‏,‏ علق بعض الحضور بان صوته والحانه تفتح في النفوس طرقا من النور والايمان واختصر مقدم الحفل ليلتها كلمته قائلا‏:‏ ياسين شيء مختلف لانستطيع تقديمه لذا فمن الافضل ان نتركه يقدم نفسه من خلال غنائه وموسيقاه وشكل ادائه الذي يشبه البوح‏.‏
ويبلغ الصوت قمته وطاقته في التأثير حين يتكامل مع شكل ادائه المميز الذي يتفرد به‏,‏ حتي ان باحثة بريطانية تدير مركزا للعلاج النفسي في لندن قدمت لمصر لاعداد دراسة سيكولوجية عن انشاد ياسين كطريقة للعلاج النفسي‏,‏ تسعي لتطبيقها في مركزها الخاص للعلاج النفسي في لندن‏..‏ ويقول حسام انه قابل هذه الباحثة وتدعي جوانا في ليلة مولد العارف بالله عمر بن الفارض وهي تستمع لياسين كانت المفاجأة انها لاتعرف من اللغة العربية شيئا‏..‏ سألتها‏,‏ وهل تفهمين ماينشده ياسين أو يقصده؟ فردت‏..‏ لا‏..,‏ ولا احتاج فهمه لاني اشعر به‏,‏ وهذا يكفي‏!!‏
يضاف هذا إلي ما ذكرناه في الحلقة الماضية من تأثير الشيخ علي الراهب الكاثوليكي الايطالي جوزيبي سكاتولين‏,‏ استاذ التصوف بالمعهد البابوي‏,‏ وغيره من رواد المعهد الثقافي الفرنسي‏,‏ حيث يقول جوزيف شيشري‏,‏ اشعر عندما استمع لصوت هذا الرجل بانه ترجمة لما ادرسه من الشعر الصوفي العربي أنا متخصص في دراسة ابن عطاء الله السكندري لكن دراستي تستدعي ان تعريف علي الشعر الصوفي‏,‏ ولذلك درست العربية منذ فترة طويلة‏,‏ وقرأت الاشعار الصوفية علي يد اساتذة متخصصين ومهرة في هذا الصدد‏,‏ لكن مهما كان الشرح‏,‏ فانه لايصل بالعقل إلي درجة الاحساس ومن الناحية العلمية فان الاحساس مهم جدا في هذا النوع من الدراسات التي تقوم علي بالاساس علي المشاعر لذلك فانني اعتبر سماع ابن الفارض خصوصا عبر صوت مثل صوت الشيخ ياسين يشعر بكل ما يقوله ضروري لكل متصوف‏,.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.