مخاطر الإنترنت العميق، ندوة تثقيفية لكلية الدعوة الإسلامية بحضور قيادات الأزهر    وزارة النقل تنعى الدكتور هشام عرفات وزير النقل السابق    الحكومة تكشف تفاصيل جديدة عن وصول 14 مليار دولار من أموال صفقة رأس الحكمة    وكلاء وزارة الرياضة يطالبون بزيادة مخصصات دعم مراكز الشباب    بعد تشغيل محطات جديدة.. رئيس هيئة الأنفاق يكشف أسعار تذاكر المترو - فيديو    أبومازن: اجتياح قوات الاحتلال رفح الفلسطينية كارثة يدفع ثمنها الأبرياء    وزارة النقل تنعى هشام عرفات: ساهم في تنفيذ العديد من المشروعات المهمة    صحفي يحرج جوارديولا ويسأله عن رد فعله لحظة انفراد سون بمرمى مانشستر سيتي    رئيس المعاهد الأزهرية يتفقد بيت شباب 15 مايو لاستقبال طلاب ثانوية غزة    المشدد 7 سنوات لمتهم بهتك عرض طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بكفر الشيخ    «جوزي الجديد أهو».. أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على ظهورها بفستان زفاف (تفاصيل)    طاقم عمل A MAD MAX SAGA في العرض العالمي بمهرجان كان (فيديو)    «الشعب الجمهوري» يهنئ «القاهرة الإخبارية» لفوزها بجائزة التميز الإعلامي العربي    البداية ب "تعب في العين".. سبب وفاة هشام عرفات وزير النقل السابق    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    أمين الفتوى يحسم الجدل حول سفر المرأة للحج بدون محرم    خالد الجندي: ربنا أمرنا بطاعة الوالدين فى كل الأحوال عدا الشرك بالله    رئيس جامعة المنصورة يناقش خطة عمل القافلة المتكاملة لحلايب وشلاتين    كوارث النقل الذكى!!    بتوجيهات الإمام الأكبر ..."رئيس المعاهد الأزهرية" يتفقد بيت شباب 15 مايو    يكفلها الدستور ويضمنها القضاء.. الحقوق القانونية والجنائية لذوي الإعاقة    الكويت تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي للامتثال إلى قرارات الشرعية الدولية    "الزراعة" و"البترول" يتابعان المشروعات التنموية المشتركة في وادي فيران    مباشر الدوري المصري - بيراميدز (0)-(0) سيراميكا.. بداية اللقاء    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    بث مباشر مباراة بيراميدز وسيراميكا بالدوري المصري لحظة بلحظة | التشكيل    زياد السيسي يكشف كواليس تتويجه بذهبية الجائزة الكبرى لسلاح السيف    مدعومة من إحدى الدول.. الأردن يعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من ميليشيات للمملكة    الطاهري: القضية الفلسطينية حاضرة في القمة العربية بعدما حصدت زخما بالأمم المتحدة    إصابة 4 مواطنين في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    ملك قورة تعلن الانتهاء من تصوير فيلم جوازة توكسيك.. «فركش مبروك علينا»    الصورة الأولى لأمير المصري في دور نسيم حميد من فيلم Giant    «تضامن النواب» توافق على موازنة مديريات التضامن الاجتماعي وتصدر 7 توصيات    الزراعة: زيادة المساحات المخصصة لمحصول القطن ل130 ألف فدان    "رسميًا".. موعد عيد الاضحى 2024 تونس وعدد أيام إجازة العيد للموظفين    إصابة عامل صيانة إثر سقوطه داخل مصعد بالدقهلية    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    «الصحة» تقدم 5 نصائح لحماية صحتك خلال أداء مناسك الحج 2024    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    تحديد نسبة لاستقدام الأطباء الأجانب.. أبرز تعديلات قانون المنشآت الصحية    الأمم المتحدة: أكثر من 7 ملايين شخص يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي بجنوب السودان    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    قطع الكهرباء عن عدة مناطق بمدينة بنها الجمعة    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    ضبط 123 قضية مخدرات في حملة بالدقهلية    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    بعد الصين.. بوتين يزور فيتنام قريبا    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    وزارة العمل: 945 فرصة عمل لمدرسين وممرضات فى 13 محافظة    فاندنبروك: مدرب صن داونز مغرور.. والزمالك وبيراميدز فاوضاني    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احد المستشرقين‏:‏ ياسين التهامي‏..‏ بلبل الصعيد

تحقيق ديوان ابن الفارض لايكتمل بدون سماع أشعاره من الشيخ ياسين الشيخ ياسين من انشد لهم ليسوا شعراء‏..‏ انهم لسان حال كان من الممكن ان يصبح قارئا كبيرا لكنه فضل الإنشاد بحثا عن الحرية كان يتعب من يستضيفه لاحياء حفلة‏..‏
ومع ذلك كان الاقبال عليه يفوق الوصف عندما اشتري بيتا بعد عشر سنوات من الغناء اختار حيا شعبيا فقيرا في اسيوط ليعيش فيه
يعتبر نفسه احد سميعة ام كلثوم الكبار‏..‏ لكنه يرفض التغني باجزاء من قصائدها
هذه المشاهد تؤكد ان تأثير الشيخ ياسين علي أهالي الصعيد كان ومازال‏..‏ بلا حدود
كيف تصدي صوت الشيخ ياسين لتغلغل الأفكار الوهابية في عقول الأصوات
لم يدخل استوديو بقدميه‏..‏ ويرفض الغناء المعلب‏..‏ ويهرب من القيم الاستهلاكية بشكل عام
باحث أمريكي خصص دراسة كاملة عن ادائه الصوتي ومستشرق الماني افرد له قسما مستقلا في كتاب عن الموسيقي الشرقية‏.‏
جوانا البريطانية تقدم دراسة اكاديمية للاعتماد علي حالة غناء الشيخ ياسين في العلاج النفسي‏.‏
هيئة الاذاعة البريطانية‏:‏ انه صاحب صوت انساني فضفاض يستوعب اي انسان علي اختلاف لغته وموسيقاه اكبر من الشعر‏.‏
سبع سنوات قضاها الأب الكاثوليكي الايطالي جوزيبي سكاتولين في تحقيق ديوان ابن الفارض‏,‏ وكان سكاتولين له مساعد واحد في عملية التحقيق هو كاتب هذه السطور‏,‏ عندما انتهينا من دراسة المخطوطات التي بين ايدينا قال الكاهن الأوروبي لايمكن ان نعتبر انفسنا قد انتهينا من دراسة ابن الفارض إلا اذا سمعنا اشعاره عبر صوت الشيخ ياسين التهامي‏,‏ فهو موصل جيد لحرارة الصوفية‏,‏ وهو مشهور جدا في أوروبا بموسيقاه وانشاده‏,‏ كان ذلك عام‏2003‏ وهكذا كنا نسلك طريقنا إلي المركز الثقافي الفرنسي حيث يحيي الشيخ حفلة للانشاد الصوفي‏.‏
اتذكر تماما تلك الليلة التي التقينا فيها بالشيخ‏,‏ وانا اسعي للبحث عنه حاليا‏,‏ فهو كالفراشة‏,‏ يحيي ليلة الفرغل في العاشر من يوليو ليطير بعدها إلي بلاد الله سواحا يحيي ليالي الذكر في اي مكان علي وجه البسيطة‏.‏
عندما التقينا بالشيخ كان ينشد لابن الفارض‏,‏ ولغير ابن الفارض‏,‏ حتي انه انشد ابياتا للمتنبي وعنترة بن شداد وغيرهما ممن لم يعرف عنهم الشعر الصوفي‏,‏ كان ينتقي ابياتا من هنا ومن هناك‏,‏ لكنك تشعر دائما بان النفس الصوفي موجود فيها‏,‏ وأصبح موجودا بعد ان تغني به الشيخ‏,‏ واستمر الذكر لساعات وصل فيها الحاضرون لقمة الانتشاء‏,‏ وعقب الانتهاء من الحفل‏,‏ سأله الاب سكاتولين لماذا يشتهر بادائه لاشعار ابن الفارض‏,‏ اذا كان يغني له ولغيره من الشعراء‏,‏ لم يهتم الشيخ بالاجابة بقدر ما تحفظ علي وصف شعراء وانما هم لسان حال‏,‏ وقال إنه لايتغني بالشعر بل يعيش حالة صوفية متكاملة تصبح فيها الكلمات اكبر من الاشعار‏.‏
البداية
قبل هذه الليلة بسنوات طويلة‏,‏ كان كاتب هذه السطور يعيش في مدينة اسيوط تحديدا في شارع رياض‏,‏ كنا اطفالا وعرفنا‏,‏ ان الشيخ ياسين او بلبل الصعيد اشتري بيتا في نفس الشارع ليعيش فيه‏,‏ وكانت الدهشة كبيرة‏,‏ لان الشيخ اختار حيا متواضعا للسكني‏,‏ كان ذلك في بداية الثمانينيات‏,‏ وكانت شهرة الشيخ قد وصلت حدا غير معقول في الصعيد‏,‏ كان هناك جمهور عريض يتقبل النقد في اي شخص كان لكنه لايتحمل كلمة تمس كروان الشرق احد القابه الكثيرة‏,‏ كان ياسين قد بدأ الأنشاد منذ عام‏1973‏ وكان عمره وقتها‏24‏ عاما فقط لاغير فهو مولود في‏6‏ ديسمبر‏1946‏ ورغم حداثة سنه‏,‏ ورغم وجود الشيخ الكبير احمد التوني‏,‏ ورغم عغدم تعود اذان الجمهور علي الاشعار الصوفية‏,‏ بالكاد كانوا يتقبلونها من الشيخ التوني‏,‏ ورغم ورغم ورغم‏,‏ فان الشيخ قد وصل في سنوات قليلة إلي ان يصبح الأول جماهيريا وشعبيا بلا منازع‏.‏
كان الشيخ متعبا جدا لمن يستضيفه لاحياء ليلة‏,‏ فالقواعد كانت معروفة‏,‏ واهمها عدم ضرب النار ايا كانت الاسباب‏,‏ وايا كانت الشخصية التي تحيي الليلة‏,‏ وكان ضرب النار واحدا من ابجديات الليالي في الصعيد لكنه كان حاسما في ذلك قد يتفاوض في المقابل المالي‏,‏ وقد يتنازل عنه‏,‏ لكنه لايسمح بخرق القواعد التي كانت تضم إلي جانب عدم ضرب النار‏,‏ عدم وجود اي نوع من انواع الكحوليات‏,‏ وبعض الامور الاخري المتعلقة بالاداب والاخلاق‏.‏
ورغم صعوبة هذه الامور إلا ان الجميع كانوا يستجيبون لان احياء الشيخ لليلة قد يكون ختمة قرآن‏,‏ أو ختانا لذكر كان التعامل مع ختان الذكور في الصعيد له جوانب روحية تتعلق بمفهوم الطهارة وتتفوق علي كونها مجرد عادة اجتماعية أو وفاء لنذر احياء ياسين التهامي لليلتك معناة البركة والقبول باذن الله‏.‏
الحواتكة
كنا قد اشرنا في عرضنا لحياة الشيخ التوني إلي قرية الحواتكة التابعة اداريا لمركز منفلوط‏,‏ والتي يهتم اهلها بالجوانب الروحانية‏,‏ والذكر واولياء الله الصالحين‏,‏ وبحسب محمود الرفاعي‏,‏ احد مريدي الشيخ ياسين فان الحواتكة بها مساجد جامعة ومساجد غير جامعة منها مسجد السلام ومسجد الشيخ ابي الحسن المحمدي‏,‏ ومسجد الشيخ التهامي وله مئذنة تعد اعلي مئذنة بالوجه القبلي والصعيد‏.‏
وبقرية الحواتكة العديد من اضرحة اولياء الله الصحالين‏,‏ وتقام لهم موالد سنوية‏,‏ يستقبل فيها أهالي القرية الرواد من جميع انحاء الجمهورية‏,‏ وتظل القرية في افراح طوال ايام الموالد من كل عام‏.‏
ومن الاضرحة الموجودة بها‏:‏ ضريح الشيخ التهامي حسانين وهو والد الشيخ ياسين التهامي وضريح ابي الحسن المحمدي‏,‏ والشيخ عبدرب النبي‏,‏ والشيخ الحلوي‏,‏ والشيخ الريدي وغيرهم ومعظم ابناء القرية ينتمون إلي الطرق الصوفية ومن عشاق ومحاسيب آل البيت‏,‏ ويقومون باقامة الخدمات اثناء موالدهم‏.‏
وفي هذه الاجواء خرج التهامي ويختلف ياسين عمن سبقوه في انه تعلم بالأزهر تعليما نظاميا‏,‏ وهو ما مكنه من حفظ القرآن الكريم كاملا‏,‏ والأهم انه تعلم قواعد تجويده‏,‏ الشيخ ياسين التهامي‏,‏ لايري انه كان من الممكن ان يصبح وقارئا للقرآن شأنه شأن الشيوخ محمد رفعت ومصطفي اسماعيل وعبدالباسط عبدالصمد رغم اجادته التامة للتجويد‏,‏ هو يري ان الانشاد والمديح اكثر حرية‏,‏ وأكثر التصاقا بالتصوف‏,‏ وقربا من أهل البيت الذين يعتبر الشيخ نفسه عابر سبيل علي رصيفهم‏.‏
لكن التهامي لم يستمر في الدراسة‏,‏ وخرج من الثانوية الأزهرية‏,‏ ويحاول اتباعه يسوقوا الاعذار في ذلك ويعطوا الأمر ملمحا اسطوريا‏,‏ إلا انه هو نفسه يعتبر السبب الوحيد في عدم اكماله للدراسة هو فشله في هذا المضمار‏,‏ فقد شعر انه اخذ من الدراسة مايكفيه‏,‏ فهو ليس بحاجة لاستكمال دراسة الفقه بعد سلوكه للتصوف‏,‏ ولا البلاغة بعد تذوقه للأشعار وهو ما يشير إليه احمد عمر احمد من المراغة محافظة سوهاج‏,‏ واحد محبي الشيخ‏,‏ احمد دارس للادب الصوفي‏,‏ لكنه يعتبر انشاد التهامي يوجد له معاني اكبر من كلماته‏.‏
الانشاد لامزيد
يعي الشيخ ياسين المسافة بين التجويد والانشاد‏,‏ لكنه يعي بشكل اكبر المسافة بين الانشاد والغناء فالتهامي متصوف حقيقي والتصوف هو الذي قاده للانشاد وليس العكسي بحسب كلماته وهو يرفض ما يروي عن أنه قرر الغناء لابن الفارض بعد ان رآه في المنام‏,‏ ويقول‏:‏ لست بحاجة لان اراه في المنام‏..‏ انا اراه في اليقظة وذات مرة كنت انشد ووجدت الحلاج امامي‏,‏ انني اعيش حالة كاملة متكاملة من التصوف والوجد‏,‏ ومن لايصدق فهو حر‏.‏
صحيح ان التهامي سار علي خلاف عمه التوني‏,‏ ولجأ لتخت موسيقي كبير‏,‏ إلا انه لايعتمد علي الحان سابقة التجهيز‏,‏ وانما يشترك مع التوني في اعتبار الانشاد فيضا إلهيا‏.‏
ضد العجوز
ربما لهذا السبب كانت هناك انتقادات ساقها التهامي للمنشد محمد العجوز‏,‏ وسنرويها بكل تفصيل عندما نروي سيرة العجوز‏,‏ لكن ما يعنينا هنا هو رفضه التام لغناء مقاطع من اغنيات ام كلثوم في انشاده‏,‏ رغم انه يعتبر نفسه واحدا من سميعة ام كلثوم الكبار‏.‏
كما انه يرفض الدخول في مشاريع حياته‏,‏ بالاخص ما يتعلق بالبيزنيس‏,‏ ولذلك تنبأ الشيخ لاحد المنشدين كان قد اشتري بنزينة‏,‏ وسيارة اخر موديل بان سيلقي حتفه داخل السيارة‏,‏ وهو ما تحقق فيما بعد‏,‏ ونحن اذ نؤكد اننا لانروج لان هذا حقيقي فاننا نروي ما كنا عليه شهودا‏,‏ وفوق كل ذي علم عليم‏.‏
المداحون الثاني
عندما نتحدث عن ياسين التهامي‏,‏ لايمكن ان نتجاهل الحديث عن ظاهرة مهمة ترتبط بالتهامي‏,‏ وهو التأثير فالشيخ له حضور قوي‏,‏ وتأثير بلا حدود‏,‏ امتد هذا التأثير من الصعايدة البسطاء إلي علماء أوروبا وأمريكا‏.‏
ومن المشاهدات ذات الدلالة في هذا السياق‏,‏ نروي بعض الوقائع والتفاصيل التي عايشناها في لياليه بالصعيد‏,‏ ففي واحدة من حلقات الذكر التي احياها الشيخ ياسين‏,‏ فوجئ الحضور‏,‏ وكنا هناك بمن يصيح يا اخي‏..‏ يا اخي‏..‏ انت لو رجت جهنم‏..‏ انا احب اروحها معاك يومها بكي الشيخ كما لم يبك‏,‏ وحين ذكرناه بتلك الواقعة قال‏:‏ كان حديثه باردا اي ثقيل بالصعيدي اشعر الواحد بمسئولية هو في غني عنها كفاية شايل مسئولية نفسه‏.‏
مشهد اخر بالع الدلالة‏,‏ ففي احدي ليالي الشيخ اقتحم سرادقه احد المواطنين‏,‏ واصر علي الوصول إلي حيث يقف الشيخ ينشد‏,‏ وعندما وصل إلي هناك امسك بالشيخ وهزه مرات ومرات‏,‏ وطلب منه عشرين جنيها‏,‏ كانت العشرون جنيها في ذلك الوقت الثمانينيات مبلغا محترما‏,‏ ولم ينصرف حتي يحصل علي العشرين جنيها‏,‏ حاول البعض تنحية الرجل جانبا‏,‏ لكن الشيخ لم يرد هذا ومنحه العشرين جنيها فشقها الرجل نصفين اعطي الشيخ نصفا واخذ النصف الباقي ورحل‏,‏ لقد كان الشيخ بالفعل ايقونة مهمة لدي البسطاء في الصعيد‏.‏
عندما نتحدث عن تأثير الشيخ ياسين كذلك نذكر التعبيرات التي تسربت إلي السنة العامة في الصعيد عبر صوت الشيخ ياسين‏,‏ مثل‏:‏ رأيت ربي بعين قلبي‏,‏ وقلبي يحدثني بانك متلفي‏,‏ ما حيلتي والعجز غاية قوتي‏,‏ ارتفعت عن وجه ليلي البراقع‏,‏ وغيرها وغيرها قد يستخدمها ابي سائق او ابن عمي بناء أو خالي مدرس أو غيرهم يستخدمونها وهم لايعرفون تفاصيل الجملة‏,‏ لكنهم يدركون معناها تماما‏.‏
وحين حدثت هوجه الإرهاب في التسعينيات كانت مدائح ياسين التهامي هدفا لسهام المعتدين‏,‏ كان المتطرفون في القري يحطمون السيارات التي تقوم بتشغيل ياسين عبر جهاز التسجيل بها‏,‏ وكانت مدائح ياسين فقرة ثابتة في خطب مشايخ التطرف بالجمعية الشرعية التي كانت الجماعة الإسلامية تحتلها‏,‏
لكن في الوقت نفسه كانت هذه المدائح حائط صد ضد تغلغل الفكر الوهابي في العقول‏,‏ كان مجرد الهجوم علي الشيخ يعني بالنسبة للكثير ان هؤلاء الصبية لايمكن ان يكونوا علي صواب أو قريبين منه‏,‏ فالصعيد ومصر عامة‏,‏ تتميز بحبها للرسول عليه الصلاة والسلام وأهل البيت‏,‏ وحب أهل البيت تحديدا كان اهم اسباب رفض العامة في الصعيد لافكار الإرهاب‏,‏ وكان حب ال البيت دائما مقترنا بمدائح الشيخ ياسين‏.‏
ويرجع التأثير الرهيب للشيخ ياسين علي محبيه ومريديه إلي عدة امور‏,‏ معظمها ذو طبيعة فنية‏.‏
اولا‏:‏ هو لم يدخل إلي الاستوديو بقدميه‏,‏ ولم يسجل بيتا واحدا هناك‏,‏ هو يعتبر الغناء عبر اجهزة الصوت نوعا من تعليب الفن‏,‏ ولذلك حينما كان الجميع يندفعون باتجاه الآلات واجهزة الصوت مع ظهور الكاسيت‏,‏ كان هو يطرح لياليه كما هي دون تنقية‏,‏ ولذلك اكتسبت شرائطه طابعا خاصا لن تجده عند غيره‏.‏
ثانيا‏:‏ رغم اعتماده علي الغناء الحي بشكل دائم‏,‏ إلا انه لايشبه غيره من المنشدين الذي يغنون بصحبة اقل عدد ممكن من التخت‏,‏ وقد تحدثنا عن الشيخ التوني‏,‏ فالشيخ ياسين يصطحب فرقة كاملة ضخمة‏,‏ تجد فيها الاوكرديون بجانب الناي‏,‏ والامور لاتسير بعشوائية‏,‏ لانريد الخوض في أمور فنية موسيقية دقيقة‏,‏ لكن الشيخ يقود كل هذا المهرجان باقتدار لإيجاد الحالة التي تجعل الكامات تتسرب بسهولة ويسر‏.‏
ثالثا لم يكن كل هذا ممكنا لولا ان حنجرة الشيخ ياسين حنجرة طرب من الطراز الرفيع‏,‏ فهو ينتقل بين المقامات بشكل لن تجده إلا عند كبار نجوم الطرب مثل ام كلثوم وصباح فخري‏,‏ وبحسب الدراسة المهمة التي اعدها الباحث حسام تمام عن الشيخ ياسين فان صوته اقرب إلي البوح الذي يخوض في مساحات واسعة في النفس الانسانية تجعله يؤثر في ذاته دون معرفة معني الكلمات أو حتي اللغة العربية نفسها‏,‏ فهو صوت انساني بامتياز يحسه كل من يسمعه حتي ولو لم يكن يفهمه‏.‏
واجمالا نقول ان أهم ما يميز التهامي احساسه بالقصائد وهو احساس عال نشأ لديه بحكم نشأته في بيئة صوفية متعلمة كما انه اثناء انشاده يقدم حالة فنية متكاملة فيه الصوت والكلمة واللحن والاداء المسرحي والزي الشعبي المتمثل‏,‏ في العمامة التي تميز منطقتي شمال سوهاج واسيوط كلها كما ان ملامحه العربية الصريحة ينتمي إلي اولاد حاتك أو الحواتك التي اصبحت علي لسان العامة الحواتكة ووسامته جعلته زعيما بالشكل والموضوع فهو شيخ ابن شيخ‏.‏
وبمناسبة دراسة الدكتور تمام‏,‏ فانها احتوت علي عدد من مظاهر تأثير الشيخ علي علماء وباحثين غربيين‏,‏ ويذكر حسام ان ياسين التهامي يمتلك طاقة ومساحة صوتية هائلة اغرت باحثا امريكيا مثل مايكل فروشكوف‏,‏ علي تخصيص دراسة كاملة عن ادائه الصوتي‏,‏ ودفعت المستشرق الالماني‏,‏ كولن إلي ان يفرد له قسما مستقلا في كتابه عن الموسيقي الشرقية باعتباره مرتجلا لنغم صوفي جديد من دون تعليم أو دراسة اكاديمية‏.‏
وصوت ياسين هو ما اتاح له انشاد اصعب القصائد بمقامات لم يؤد عليها إلا كبار الفنانين‏,‏ كما ذكرنا‏,‏ لذلك كان أول ما وصفته به هيئة الاذاعة البريطانية في حلقة خاصة انه صاحب صوت انساني فضفاض يستوعب اي انسان علي اختلاف لغته وموسيقاه‏,‏ وبعد ان احيا ليلة كاملة في مهرجان الموسيقي الروحية الذي تستضيفه العاصمة البريطانية لندن كل عام‏,‏ علق بعض الحضور بان صوته والحانه تفتح في النفوس طرقا من النور والايمان واختصر مقدم الحفل ليلتها كلمته قائلا‏:‏ ياسين شيء مختلف لانستطيع تقديمه لذا فمن الافضل ان نتركه يقدم نفسه من خلال غنائه وموسيقاه وشكل ادائه الذي يشبه البوح‏.‏
ويبلغ الصوت قمته وطاقته في التأثير حين يتكامل مع شكل ادائه المميز الذي يتفرد به‏,‏ حتي ان باحثة بريطانية تدير مركزا للعلاج النفسي في لندن قدمت لمصر لاعداد دراسة سيكولوجية عن انشاد ياسين كطريقة للعلاج النفسي‏,‏ تسعي لتطبيقها في مركزها الخاص للعلاج النفسي في لندن‏..‏ ويقول حسام انه قابل هذه الباحثة وتدعي جوانا في ليلة مولد العارف بالله عمر بن الفارض وهي تستمع لياسين كانت المفاجأة انها لاتعرف من اللغة العربية شيئا‏..‏ سألتها‏,‏ وهل تفهمين ماينشده ياسين أو يقصده؟ فردت‏..‏ لا‏..,‏ ولا احتاج فهمه لاني اشعر به‏,‏ وهذا يكفي‏!!‏
يضاف هذا إلي ما ذكرناه في الحلقة الماضية من تأثير الشيخ علي الراهب الكاثوليكي الايطالي جوزيبي سكاتولين‏,‏ استاذ التصوف بالمعهد البابوي‏,‏ وغيره من رواد المعهد الثقافي الفرنسي‏,‏ حيث يقول جوزيف شيشري‏,‏ اشعر عندما استمع لصوت هذا الرجل بانه ترجمة لما ادرسه من الشعر الصوفي العربي أنا متخصص في دراسة ابن عطاء الله السكندري لكن دراستي تستدعي ان تعريف علي الشعر الصوفي‏,‏ ولذلك درست العربية منذ فترة طويلة‏,‏ وقرأت الاشعار الصوفية علي يد اساتذة متخصصين ومهرة في هذا الصدد‏,‏ لكن مهما كان الشرح‏,‏ فانه لايصل بالعقل إلي درجة الاحساس ومن الناحية العلمية فان الاحساس مهم جدا في هذا النوع من الدراسات التي تقوم علي بالاساس علي المشاعر لذلك فانني اعتبر سماع ابن الفارض خصوصا عبر صوت مثل صوت الشيخ ياسين يشعر بكل ما يقوله ضروري لكل متصوف‏,.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.