عجز عن إسعاد نفسه.. وهو الدودة التي لاتكف عن التهام الكتب وحفظ الأشعار.. حاول أن ينفض الغبار من رأسه فلم يفلح.. تقلص الجمال وساد القبح في كل شئ.. في التلوث السمعي والبصري حتي المرأة التي أحبها كثمر الخوخ,, أصبحت كالورد الصناعي.. لاطعم لها ولا رائحة.. مصبوغة بالألوان.. منفوخة بالسليكون.. تقلصت روح الجماعة.. اهتزت نزعة الايمان والانتماء والهوية.. المرأة تسبب له صدعا لاينتهي في حربها الضروس مع الرجل.. الذي توجها ملكة في الاعلانات وعلي أغلفة المجلات وهن تعلن عن معجون أسنان في لباس مثير.. لا علاقة له بالاعلان غير زغللة العيون وشدها.. لقد زحزحها الرجل عن الابداع والابتكار.. أشهر مصمم أزياء في العالم رجل.. وأشهر طباخ أيضا رجل.. رغم أنها مجلات من المفترض أن تتفوق فيها المرأة.. أمسك برأسه محاولا إفراغه.. يهزه بعنف.. وقف علي يديه وقدميه لأعلي ورأسه لأسفل كلاعب سيرك.. حائطا أسمنتيا.. شجت رأسه.. أفرغ نصف المحتوي.. شعر براحة.. قدمه لا تلامس الأرض.. أصبح خفيفا محلقا في السماء عادت له الابتسامة التي افتقدها طويلا.. لابد من إفراغ النصف الثاني.. يريد أن يتخفف من آلامه التي عاودته..يريد العيش بلا هموم في أيامه الأخيرة التي توشك علي الانتهاء.. الانسانية مجتمعة.. فشلت في إذابة الصدأ عن نفسه والبرودة التي تسللت إلي أعماقه.. الاعلام يمطره بوابل من الأخبار اليومية الصادقة.. حادث تصادم قطارين يروح ضحيته الآلاف.. زلازل وأعاصير تدمر مدنا بأكملها.. لديه مخزون وجع.. لو وزع علي العالم كله.. يكفي ويفيض.. لم يستطع الفرار من طاحونة قلقه.. حتي أشواقه التي استدعاها.. لترطيب صحراء أيامه.. وجدها معطوبة.. تصيبه الدهشة.. أمام الأقمار الصناعية التي تنقل أخبار العالم والهاتف الجوال الذي يخاطب كل الدنيا.. السعادة تفر منه هاربة منزلقة من بين الأصابع كنثار الرمل.. لابد أن ينسي تفاصيل تلك المرأة الحسناء التي لاتأتي.. لأنه يحيط بها حرس شديدو البأس.. لابد من افراغ النصف الثاني من رأسه.. الشمس شاحبة فقدت الكثير من حرارتها أثناء تجوالها في الكون.. موغلة مثله في الحزن.. وتغوص علي البعد في أعماق البحر وهي تلوح له بابتسامة باهتة أثناء الغياب.هبت رياح خفيفة.. اخترقت صدره.. وهو يلقي برأسه في البحر ليفرغ النصف الثاني.. ويصبح دون رأس..رأي صدفة محار تطفو علي سطح الماء.. أمسك بها وهو يتأملها مدهوشا كيف لاتصنع اللؤلؤ المبهر إلا إذا جرح قلبه واخترقه جسم غريب.. أيقن أن الألم ضرورة في حياة الانسان.. إنه زميل النحات وقلم الشاعر.. وريشة الفنان..إنه يدفع للعيش والاستمرار والخلق والابداع.. أشهر الكتاب والمبدعين في العالم صنيعة الألم.. وكل من يحاول القفز من مراكب الألم.. ينتظره الغرق.. تنهد براحة.. حين وجد رأسه المثقل.. لم يفارقه أثناء النوم حمد محمود غدية./ المحلة الكبري [email protected]