تنتهي الحروب وتظل الألغام حربا خبيثة علي الأرض لاتنال فقط من الأفراد فتفقدهم أرواحهم أو أطرافهم ولكنها تنال أيضا من جهود التنمية في المناطق الملوثة بها ووسط رفض الدول الكبري ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا الاعتراف بمسئوليتها عن زرع الألغام في الساحل الشمالي الغربي لمصر خلال الحرب العالمية الثانية لم تكتف مصر بوضع لافتة ممنوع الاقتراب علي حقول الألغام بل انتصرت قواتنا المسلحة في المرحلة الأولي لتطهير الساحل الشمالي الغربي من الألغام وتستعد لخوض معركتها الثانية للتطهير التي تستمر حتي عام2014 لينضم هذا الجزء الغالي إلي أرض الوطن من جديد شريكا في التنمية ولخلق فرص عمل لآلاف المصريين. وباعتباره مديرا للأمانة التنفيذية لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي الغربي وأول من تفاوض مع الدول المسئولة عن زرع الألغام في هذه المناطق حيث كان مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية توجهنا بأسئلتنا للسفير فتحي الشاذلي حول الإنجازات التي تحققت حتي الآن والعقبات التي تقف أمام مشروع إزالة الألغام, إلي جانب فرص مطالبة الدول الكبري بتعويضات عن الألغام التي زرعتها علي أراضينا في حرب لم نكن طرفا فيها وكان هذا الحوار * متي بدأت عملية تطهير الساحل الشمالي الغربي من الألغام؟ وهل كانت هناك جهود للتطهير قبل إنشاء الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام؟ ** بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لم يكن لمصر فيها أي مصلحة قررت مصر مطالبة بريطانيا وألمانيا وإيطاليا التي تسببت في تلويث الساحل الشمالي الغربي بالمتفجرات من مخلفات الحرب بتحمل مسئولية مواجهة تلك المشكلة, ومع ذلك لم يكن هناك نص قانوني واضح من شأنه أن يجعل تلك الدول مسئولة عن مساعدة مصر والتغلب علي هذا التحدي, نظرا لعدم وجود اتفاقيات دولية تحتم عليهم تحمل تلك المسئولية. بينما قدرت مصادر أمريكية في منتصف التسعينيات من القرن العشرين أن الأجسام القابلة للانفجار المدفونة في الاراضي المصرية من مخلفات الحرب العالمية الثانية تبلغ19,7 مليون لغلم ودانة تشغل مساحة تبلغ نحو287 الف هكتار أو683 ألف فدان تمتد من غرب الإسكندرية حتي الحدود مع ليبيا. وما أن سمحت إمكانات القوات المسلحة المصرية بتخصيص مهندسين عسكريين للتعامل مع هذه المشكلة حتي بدأت في تنفيذ أنشطة للكشف والتطهير من1983 وحتي1999 بتمويل دبرته من الموارد الذاتية للقوات المسلحة, ونجحت بالفعل في تطهير39 ألف هكتار وإزالة نحو3 ملايين لغم وجسم قابل للانفجار, ليصبح حجم التلوث المتبقي في الساحل الشمال الغربي عام2481999 ألف هكتار أي590 ألف فدان تحتوي علي حوالي16,7 مليون جسم قابل للانفجار. وفي عام2000 أوفدت الاممالمتحدة بناء علي طلب الحكومة المصرية بعثة متعددة التخصصات لدراسة مخاطر وجود الأجسام القابلة للانفجار في الساحل الشمالي الغربي وخلصت إلي أن هذه الألغام لاتهدد فقط سلامة البشر ولكنها تحرم مصر أيضا من تنمية الموارد الطبيعية الهائلة التي يحفل بها الساحل الشمالي الغربي..وتنفيذا لأهم توصية للبعثة بضرورة وضع آلية مدنية تتولي عملية التنسيق بين جميع الجهود الوطنية لمواجهة تلك المشكلة أصدر رئيس الوزراء قراره رقم750/2000 بتشكيل اللجنة القومية للإشراف علي إزالة الألغام لتضم عشرين وزارة وأربع محافظات وعددا من منظمات المجتمع المدني, وعندما عهد إلي السيدة فايزة ابو النجا عام2002 وزيرة الدولة للشئون الخارجية آنذاك برئاسة اللجنة القومية وافق رئيس الوزراء علي اقتراحها بإبراز البعد التنموي في مهام اللجنة بإعادة تسميتها اللجنة القومية للإشراف علي إزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي الغربي؟!. * وما جهود التنمية التي قامت بها اللجنة القومية لإزالة الألغام؟ ** قامت اللجنة القومية بأنشطة ترويجية عديدة بالتعاون مع جهات حكومية وأهلية بينها عقد مؤتمر دولي بالتعاون مع المجلس القومي لحقوق الإنسان في ديسمبر2005, وأهم ماحققته تبني وضع خطة تنمية للمنطقة الموبوءة ظل خبراء البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وخبراء وزارة التخطيط المصرية يعملون علي صياغتها لنحو ثلاثة أعوام وأقرها مجلس الوزراء في أكتوبر2005, وتتكفل بإنفاق60 مليار جنيه مصري لإيجاد نحو384000 فرصة عمل جديدة تكون بمثابة النواة لاجتذاب مليون ونصف مليون مصري يقيمون بالمنطقة بحلول عام2022, فحتي الآن مازالت محافظة مطروح يقطنها338 ألف مواطن أي مايعادل0,4% من سكان مصر في الوقت الذي تشغل فيها16,6% من مساحة الجمهورية. * وما معطيات التنمية في الساحل الشمالي الغربي؟ ** هناك قرابة3 ملايين فدان تصلح للزراعة والرعي وتنمية الثروة الحيوانية ومختلف الصناعات الزراعية, وأكثر من650 مليون متر مكعب من الثروات المعدنية, و4,9 مليار برميل بترول, و13,4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي إلي جانب الإمكانيات الهائلة للتنمية السياحية وغيرها. * متي انطلق المشروع المصري لإزالة الالغام وماذا حقق حتي الآن؟ ** تم توقيع اتفاق بين فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي والممثل المقيم للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لإطلاق مشروع إزالة الألغام في الساحل الشمالي الغربي بمصر, وينص الاتفاق علي أن تستمر الأممالمتحدة في مساعدة مصر ودعمها في هذا الميدان عبر مرحلتين, المرحلة التجريبية التي تم الانتهاء منها بنجاح في ديسمبر2009 والتي أسفرت عن تطهير المساحة المستهدفة, والتي تقدربنحو31,25 فدان بنجاج وأمان تم خلالها العثور علي أكثر من315 ألف جسم قابل للانفجار كان يجري تفجيرها في موقع العثور عليها بمعرفة القوات المسلحة, وتكلفت المرحلة الأولي نحو, مليون و380 ألف دولار. * ومتي تنطلق المرحلة الثانية لإزالة الالغام؟ ** نحن الآن ننسق مع سائر الأطراف المعنية محليا وعلي رأسها القوات المسلحة المصرية لتحديد الحجم الحقيقي للتلوث بالألغام في باقي الساحل الشمالي الغربي إلي جانب التنسيق مع الأطراف المعنية دوليا سواء الدول المتسببة في هذه المشكلة أو المنظمات الدولية والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي, ونعكف حاليا علي وضع الاحتياجات الفعلية علي ضوء ما تحقق وتعبئة الموارد للمرحلة الثانية والنهائية التي تنتهي عام2014 لينتهي هذا الملف بالكامل, كما أننا مستمرون في تقديم الدعم للضحايا من خلال تركيب أطراف صناعية لمن فقدوا أطرافهم خاصة السفلية, وتحديد الأنشطة التي يمكن أن تدر دخلا علي هؤلاء حيث نسهم في تطبيع حياتهم وتحويلهم لقوة متعايشة مع المجتمع, واستمر هذا النشاط في المرحلة الانتقالية بين المرحلتين الاولي والثانية وحتي الآن قدمنا166 طرفا صناعيا استفاد بها نحو160 شخصا من الذين بترت أطرافهم السفلية. * هل هناك صعوبات تواجه مشروع إزالة الألغام؟ وهل هناك جهات أخري تشارك إزالة الألغام غير القوات المسلحة؟ ** بالطبع هناك صعوبات, خاصة أن تلك الألغام ليست ثابتة في مكانها فهي تتحرك مع تحرك الكثيبات الرملية, كما أنها تتأثر بالسيول ومايقال إعلاميا عن الخرائط التي ترصد الألغام والتي حصلت عليها هو أمر غير مجد في ظل هذه التغيرات, والأهم من ذلك هو وجود سجلات ترصد أعداد هذه الألغام والمسافة بينها, وهو غير متاح لدينا. وما يزيد الأمر صعوبة وجود ذخائر لم تنفجر بنسبة75% من التلوث الموجود حاليا بالساحل الشمالي الغربي, ولدينا قدرة للكشف عنها من خلال التكنولوجيا المستخدمة في هذا المجال وبالتعاون مع المركز الدولي لإزالة الألغام في جنيف.كما أنه أثناء عملية إزالة الألغام في المرحلة الأولي تم اكتشاف مناطق جديدة ملوثة بالألغام لم تكن معروفة من قبل, وعلي سبيل المثال تم رصد سيارة مطمورة بالرمال في بحر الرمال الأعظم محملة بالذخيرة التي لم تنفجر.ومنذ عام2005 فإن القوات المسلحة هي الطرف الوحيد المختص بإزالة الالغام. وقبل ذلك كانت هناك شركات خاصة تقوم بإزالة الألغام أغلبها مصرية. * هل هناك حالات إصابة بالألغام خلال العام الحالي؟ ** حتي اليوم حدثت11 حالة انفجار قتل فيها6 أفراد وأصيب6 آخرون ببتر في الكف والقدم, ولم يصب فيها الجيش مصري. ** هل هناك فرص لإدانة الدول المسئولة عن تلوث الساحل الشمالي الغربي بالألغام؟ ** لاتوجد وثيقة دولية تجرم ما فعله المتحاربون في الحرب العالمية الثانية في القانون الدولي ولا جريمة بغير نص, وأثناء التفاوض علي اتفاقية أوتاوا لإزالة الالغام كانت الدول الأطراف في الحرب العالمية الثانية حريصة علي منع ورود أي إشارة لمسئوليتها عن هذه الجريمة. * ولماذا لم توقع مصر علي هذه الاتفاقية؟ ** لأن الحكومة المصرية قالت مرارا في جنيف ونيويورك وأي محفل ذي صلة إن منظومة التعاون الدولي معيبة في هذه الاتفاقية حيث لا تتحدث عن مسئولية الدول المتسببة في تلويث أراضي دول أخري بالالغام وتترك الأمر لتلك الدول بدفع تعويضات أو عدم دفعها! وأريد أن أذكر أن تلك الدول تتملص من دفع تعويضات لمصر بحجة أننا أصبحنا دولة متوسطة الدخل واننا لسنا بحاجة إلي منح ذلك برغم مسئوليتهم الكاملة عن تلويث أراضينا بالألغام. * وماذا عن القانون الإنساني الدولي؟ ** يمكننا اللجوء إلي المحكمة الجنائية الدولية ورفع قضية علي المانيا وبريطانيا وإيطاليا باعتبارها دولا مسئولة عن تلويث الساحل الشمالي الغربي بالألغام, ولكن هذا لن يكون متاحا حتي ننضم للمحكمة الجنائية الدولية, وللأسف فإن الدول الكبري تتحدث عن حقوق الانسان بينما لا تعني بذلك سوي حقوق مواطنيها ولا يهمها أي إنسان آخر. * ماذا عن جهودكم في مجال الحصول علي تعويضات لإزالة الألغام؟ ** كنت مساعدا لوزير الخارجية للشئون الأوروبية بين عامي99/95 وكانت ألمانيا وايطاليا وبريطانيا ضمن الدول التي كنت مسئولا عنها في تلك الفترة, وكان موضوع الحصول علي تعويضات من تلك الدول محل مفاوضات مستمرة معهم ونجحت في تلك الفترة في الحصول علي أول معونة أعطاها لنا الألمان في إطار التضامن الدولي من خلال مفاوضاتي معهم, حيث حصلنا علي110 مكتشفات ألغام وكان الجيش يرفض أن يأخذها في ذلك الوقت باعتبارها شيئا تافها بالنسبة لما تسببوا فيه من تلوث في الساحل الشمالي الغربي. أما ايطاليا فقد رفضت دفع تعويضات من الناحية القانونية وقدمت وزارة الدفاع لديهم معونة عينية عبارة عن مكتشفات ألغام, كما وقعت وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا اتفاقية مع إيطاليا في مايو الماضي لتخصيص مليون يورو لتمويل أنشطة مدرة للدخل لصالح ضحايا الألغام.