في أول جلسة نقاشية لمنتدي' تحالف الحضارات' التابع للأمم المتحدة, طرح المنتدي العالمي يوم الأربعاء الماضي أسئلة مهمة علي ستة من الكتاب والسياسيين وخبراء استطلاعات الرأي في الولاياتالمتحدة من خلفيات ثقافية متنوعة. فقد شارك في الحلقة النقاشية مارتن إنديك رئيس وحدة السياسة الخارجية في مؤسسة بروكنجز للأبحاث والسفير الأمريكي السابق في إسرائيل, والكاتب الشهير جو كلاين من مجلة تايم والبروفيسور مارك لينش المحاضر في جامعة جورج واشنطن, والباحثة داليا مجاهد مديرة الدراسات الإسلامية بمؤسسة جالوب لبحوث الرأي العام وعضو اللجنة الاستشارية حول الشئون الدينية للبيت الأبيض, والكاتب الأمريكي المعروف رضا أصلان المتخصص في علاقات الغرب والإسلام, وأدار الندوة روجر كوين كاتب العمود في صحيفة' نيويورك تايمز'. في البداية, تحدث جور سمبايو رئيس منتدي تحالف الحضارات عن اهمية عقد حلقة نقاشية في مناسبة مرور عام علي زيارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما للقاهرة وخطابه الشهير في جامعة القاهرة. وقال رئيس المنتدي, والذي تأسس بمبادرة إسبانية- تركية في عام2005, إن عاما قد مر منذ زيارة اوباما ومازال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي علي حاله ويزداد الوضع الأمني في افغانستان خطورة علي القوات الأمريكية والدولية والقوات الحكومية, وتوترت العلاقات بين إيران والغرب بشدة من وراء برنامج طهران النووي, وبالتالي لم تعد البداية الجديدة التي سعي إليها الرئيس أوباما في خطاب القاهرة قابلة للتحقق في الوقت الراهن. وقال رئيس المنتدي إن تحالف الحضارات يعمل بالتعاون مع الحكومات والمجتمع المدني ويشجع ظهور جيل جديد قادر علي التفاهم والحوار. وفي تقديم الحلقة النقاشية, قال الكاتب روجر كوين ان اوباما كان واضحا من البداية في التعامل الواضح والمباشر مع رغبته في التقارب مع العالم الإسلامي عبر خطاب القاهرة وزيارة اسطنبول وإزالة الإشارة إلي التطرف الإسلامي في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي, ودعا داليا مجاهد- المصرية الأصل- إلي الحديث بلغة استطلاعات الرأي العام حول صورة الولاياتالمتحدة في العالم الإسلامي فقالت, إن شعبية الولاياتالمتحدة قد ارتفعت بعد خطاب القاهرة وبعد ستة أشهر فقط تراجعت الأرقام من جديد ولكن ليس إلي المستويات التي انحدرت إليها صورة الولاياتالمتحدة خلال حكم الرئيس جورج دبليو بوش. واوضحت داليا مجاهد أن الرأي العام يربط بين صورة الولاياتالمتحدة وعدد من الوعود التي قدمها الرئيس أوباما مثل إغلاق معسكر جوانتانامو والانسحاب من العراق والتقدم في الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين ومادام لم يحدث تطور نري الصورة تتراجع بمرور الوقت. والمعروف ان أوباما ألقي خطاب جامعة القاهرة في الرابع من يونيو عام.2009 وتحدث الكاتب الشاب رضا أصلان, من أصل إيراني, عن محاولات التقارب التي بدأها الرئيس أوباما وقال انها لم تحقق الكثير رغم أنه بدأ مبكرا بحوار مع قناة العربية التي تبث من دبي. واليوم, لا تبدو جهود أوباما مؤثرة بالنظر إلي بعض الحوادث المتناثرة مثل الخلافات الدائرة حول إقامة مسجد ومركز إسلامي بالقرب من موقع' جراوند زيرو' أو موقع انهيار برجي مركز التجارة العالمي في حي مانهاتن بنيويورك. وقال أصلان أن الارقام التي نشرتها صحيفة' واشنطن بوست' بعد حوادث سبتمبر2011 تشير إلي أن30% من الأمريكيين كانوا ينظرون إلي الإسلام بإعتباره خطرا علي الولاياتالمتحدة واليوم تصل هذه النسبة إلي40% وهو ما يعني أن العلاقة في منحني خطر حقيقي. والأمر الثاني أن العالمين العربي والإسلامي ينظران إلي الافعال وليس إلي الأقوال وحدها ويقول رضا أصلان إن الناس في الشرق الأوسط ليسوا أطفالا ويفهمون أن السياسات الفعلية هي التي تعنيهم. وقال أصلان إن هناك أدلة علي ذلك مثل كذبة تجميد المستوطنات وهو ما جعل الناس تقول:' نحن نحب ما تقول.. ولكننا تعنينا الأفعال'. من جانبه قال الكاتب المرموق جو كلاين إن وجهة النظر الأخري تقول أن الرئيس أوباما قد قدم إشارات ومبادرات لم تنل التقدير الكافي في العالم العربي, فقد تحدي الرجل إسرائيل في قضية المستوطنات بينما كان من المفروض أن تساند الدول العربية وبخاصة الدول الخليجية هذا التوجه بتقديم إشارات مشجعة تجاه إسرائيل وهو ما لم يحدث! وقال كلاين إن أوباما ماكان يجب أن يتحدث في القاهرة عن تجميد المستوطنات. وفي عبارة موحية قال كاتب التايم الشهير:' مشكلة الرؤساء أنهم يحتاجون إلي التمرس في الحكم قبل إن يتعاملوا مع السياسة الخارجية'. وقال كلاين إن الإدارة الأمريكية كان يمكنها التركيز علي الوضع في غزة ومحاولة حل تلك المعضلة الداخلية بين الفلسطينيين أولا ومنع تفاقمها. ولفت كلاين الأنظار إلي أن قلة محدودة في المجتمع الأمريكي هي التي تهتم بما يسمي بصورة المسلمين باستثناء تلك القلة التي تروج للمسلمين علي أنهم هؤلاء الذين يريدون قتلنا وقال إنه هو شخصيا سبق اتهامه بمعاداة السامية من منظمة مكافحة التشهير لأنه انتقد الفصيل الذي يدعو إلي ضرب إيران. وقال البروفسور مارك لينش خبير الإعلام إنه يتفق مع' جو كلاين' في أن أوباما لم ينل التقدير الذي يستحقه فيما ذهب إليه من اجل حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والدعوة إلي الانسحاب من العراق والوعد بالانسحاب من أفغانستان. وأضاف لينش أن تجربته الشخصية في العالم العربي تشير إلي أن هناك قدرا كبيرا من الأمل والصراع الفلسطيني والقدس هما محور الاهتمام في العلاقة مع الولاياتالمتحدة. وقال لينش إن الإدارة الأمريكية يجب ألا تفتعل أشياء من أجل التقارب مع العالم العربي والإسلامي مثل الدعوة' الغبية' الأخيرة بجعل التقارب مع العالم الإسلامي مهمة أساسية لوكالة ناسا وهو ما نالت بسببه الإدارة الأمريكية هجوما عنيفا في الداخل لان العلم يجب ألا يتداخل مع الأمور السياسية والتعقيدات المهولة التي نراها اليوم. وفي إشارة إلي تلك التناقضات, قالت داليا مجاهد إن واحدا من الضغوط الذي يصعب علي أوباما حسمه بسهولة أن76% من الأمريكيين يعارضون إغلاق معسكر جوانتانامو. كما قالت إن المشاعر المعادية للمسلمين في المجتمع الأمريكي علي نفس الدرجة أو النسبة التي يشعر بها بعض الأمريكيين تجاه اليهود. كما عارض لينش رؤية أصلان المؤيدة لجهود بوش في دعم الديمقراطية وقال إن أمريكا لا يمكنها التلويح باستخدام القوة لنشر الديمقراطية, مشيرا إلي ان الرئيس أوباما يطبق مجموعة من السياسات المشجعة لقوة الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي منها تشجيع مبادرة دعم الديمقراطية. وقال لينش إن مشكلة اوباما في أنه يخوض في منطقة بالغة التعقيد ولكن ما يطرحه يغيب عنه الابتكار, ويقدم حلولا تقليدية سواء في قضية غزة أو في التعامل مع المسألة الإيرانية. وعن خطورة تنظيم القاعدة علي العلاقة بين الغرب والإسلام, قال لينش إن القاعدة ليست قوي ذات شأن في الشرق الأوسط مثلما يصور الإعلام الأمريكي ولا يوجد للقاعدة وجود في أوساط الرأي العام العربي ولكن هناك أفرعا للتنظيم تنشط في بعض المناطق الضعيفة مثل الصومال واليمن. وعاد مارتن أنديك إلي الحديث عن الشهور الثمانية عشر الماضية من حكم أوباما, فقال إن مشكلة اوباما الحقيقية أنه رفع من سقف التوقعات بينما واجه واقعا صعبا خاصة الانقسام الفلسطيني الداخلي وتحطيم قدرات السلطة الفلسطينية وعدم الثقة علي الجانبين في وعود الطرف الآخر في التحرك نحو التسوية. وشن أنديك هجوما عنيفا علي الرئيس اوباما فيما يتعلق بالعلاقة مع اسرائيل وقال إن الرئيس اتبع طريق النأي بنفسه والولاياتالمتحدة عن إسرائيل من اجل تحسين العلاقة مع العالم العربي والعالم الإسلامي وهو ما لم يتحقق, وهو ما عبر عنه الرئيس نفسه في بدايات حكمه مع قيادات يهودية أمريكية بارزة. والنتيجة أن أوباما قام بزيارة القاهرةوأنقرة وتحدث إلي قناة عربية في أول حديث تليفزيوني علي الإطلاق بعد وصوله للحكم ولم يزر إسرائيل أو يتحدث إلي أي وسيلة إعلام إسرائيلية. ووصف إنديك هذا الأمر بأنه لا يصدق ولم يحدث مثل هذا التوتر في علاقة حميمية تمتد لأكثر من60 عاما.. وقال:' ربما يكون ما فعله الرئيس أوباما منطقيا من وجهة نظره ولكنه ينطوي علي خطأ واضح من وجهة نظري'. وأوضح مارتن إنديك أن المنطقي أن يحشد الرئيس الرأي العام الإسرائيلي وراء عملية السلام مثلما فعل الرئيس بيل كلينتون في السابق- فاليسار الإسرائيلي ابتعد عن أوباما لانه وجد الرئيس الأمريكي لا يريد التقارب مع إسرائيل.. وقالوا: لماذا نتحدث إليه طالما هو لا يريد التعامل معنا. ولفت إنديك نظر الحاضرين إلي أن78% من اليهود الأمريكيين صوتوا لأوباما في إنتخابات الرئاسة عام.2008 وقال' كان يمكن لأوباما أن يحصل علي دعم العرب وإسرائيل من أجل السلام'. كما هاجم إنديك تخلي أوباما عن دعم الديمقراطية في العالم العربي وقال إن هذه الإدارة أقرب إلي النظم السلطوية في المنطقة من الإدارات السابقة. ورغم ما سبق, عبر إنديك ل' الأهرام' عن تفاؤله بشأن مستقبل المسار الفلسطيني- الإسرائيلي, وقال إن الناس تشعر بخيبة أمل ولكنه يعتقد أن المفاوضات المباشرة سوف تبدأ في وقت قريب لأنه لا بديل عن ذلك سوي الفوضي. ومن المفارقات التي ساقها إنديك في تحليله أن اوباما وأردوغان-رئيس الحكومة التركية- اتفقا علي التقارب من العالم العربي إلا ان رجب طيب أردوغان فهم جيدا أن غزة هي الأساس اليوم في الوضع الراهن المعقد وهو ما أسهم في تصعيد نبرة استثمار الوضع البائس حتي وصل الأمر إلي جمع التبرعات لغزة في المدارس التركية. كما قال إنديك إن الرئيس السوري بشار الأسد يدفع تركيا إلي عدم التصعيد مع إسرائيل لأنه يحتاج حكومة أنقرة في الوساطة مع الإسرائيليين- علي حد قول الدبلوماسي الأمريكي السابق. وفيما يخص الوضع في إيران, قال انديك إن الاحتمال الأكبر هو أن تهاجم أمريكا المنشآت النووية الإيرانية وليست إسرائيل في حال تصاعد الأمور. وعاد إنديك مدافعا عن الإدارة في هذه القضية فقال إن أوباما لديه رؤية واضحة لعالم متعدد الأقطاب وقضية الانتشار النووي واحدة من جوانب هذه الرؤية وليست إيران هي المعنية مباشرة ولوحدث وترك الأمر لحيازة إيران للسلاح النووي سيعني ذلك تلاشي جهوده في التعاون مع سائر دول العالم في الحد من خطر الانتشار النووي.. وقد تداخلت داليا مجاهد في هذه النقطة وقالت إن مشاعر السنة العرب إزاء ضربة أمريكية ضد إيران لا تختلف- وفقا لاستطلاعات الرأي- عن مشاعرهم عندما غزت الولاياتالمتحدة العراق. كما أعرب بعض الحضور من دول العالم الإسلامي خارج العالم العربي عن خيبة أملهم من اقتصار النقاش علي العلاقات بين العالم العربي' الإسلامي' والغرب- أو الولاياتالمتحدة- دون الحديث عن الموقف في دول مثل ماليزيا وأندونيسيا رغم أن غالبية المسلمين يعيشون خارج العالم العربي, ورد الحضور بان الوضع في العالم العربي معقد وهو مصدر كل المشكلات العالمية.. فيما قال مارتن إنديك إن بلدا ذا أغلبية مسلمة مثل أندونيسيا تبدي الأغلبية من الرأي العام فيه رفضهم لمقولة أن بلدهم أكبر بلد إسلامي, من حيث عدد السكان, وتفضل تلك الأغلبية أن يقال عنهم إنهم بلد ديمقراطي كبير. وفي ختام الحلقة النقاشية, اعرب المشاركون عن رغبتهم في تغليب الابتكار والتجديد في تعامل الولاياتالمتحدة والغرب مع قضايا العالم العربي والإسلامي وقال مارتن إنديك إن البديل عن حل الدولتين هو الفوضي محذرا الإدارة الأمريكية مما سماه الاستمرار في إدارة السياسة الأمريكية من منافذ الميديا العربية في إشارة إلي أن ردود أفعال الإدارة هي استجابة لما يدور في وسائل الإعلام العربية! في الوقت الذي طالب روجر كوهين وجو كلاين وداليا مجاهد بضرورة التعامل مع الشق الإنساني في الصراع وتشجيع الفلسطينيين علي بناء دولتهم بفعل الإنجاز الكبير الذي بدأت الحكومة الفلسطينية في تحقيقه منذ13 عاما وبحكم أن ذلك هو جوهر التوتر في العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب.